الثلاثاء 8 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الوثيقة «اللغز»!

الوثيقة «اللغز»!


رغم مقتلِهِ علي أيدي جماعة الحوثي المدعومة من إيران، في مشهد أعاد للأذهان النهايات البشعة والمهينة للرئيسين العراقي صدام حسين والليبي معمر القذافي، فإن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أبَي أن يموت قبل أن يضعنا أمام لغز وقصة مثيرة فَجَّرها في خضم معركته المشتعلة مع السعودية، قبل أن تتبدل المواقف وتسيل الدماء.
 
فقد نشر موقع «المؤتمر نت» اليمني التابع لصالح، رسالةً موجهة من العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز إلي الرئيس الأمريكي ليندون جونسون عام 1966، تشمل تقييمًا وتحليلاً للعلاقات «المصرية - السعودية»، ويستنجد في ختامها مما يراه محاولةً جادةً من الرئيس المصري جمال عبدالناصر لإسقاط مُلكِه.
وكان «صالح» قد توعَّد في كلمة له، نهاية نوفمبر الماضي، بالكشف عن تلك الوثيقة، وقال في كلمة ألقاها: «انسحبوا يا مصر الكنانة، لا يشرِّفكم أن (تشوفوا) أطفالنا تُذبح ونساءنا تُرَمّل علي أيدي النظام السعودي، انسحبوا من هذا التحالف المشبوه».
وفي نَصّ الرسالة (المزعومة) فقرة خطيرة منسوبة للملك فيصل، حيث كتب قائلاً: «من كل ما تقدم يا فخامة الرئيس وما عرضناه بإيجاز يتبين لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعًا، لذلك فإنني أتقدم بالاقتراح التالي: أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف علي مصر تستولي به علي أهم الأماكن حيويةً في مصر لتضطرها بذلك لا إلي سحب جيشها صاغرةً من اليمن فقط؛ بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدةً طويلةً لن يرفع بعدها أي مصري رأسه بعيدًا عن قتال، محاولاً إعادة مطامع محمد علي وجمال عبدالناصر في وحدة عربية».
بالطبع تجاهلَتْ كلّ من الإدارتين السعودية والأمريكية التعليق علي الرسالة، التي سقطَتْ أيضًا من اهتمامات الجميع بعد التحوُّل المفاجئ في موقف «صالح» وإعلانه الحرب علي الحوثيين، ثم مقتله بسبب هذا التحول، فيما تبدَّل الخطاب الإعلامي السعودي تجاهه من العداء والسبِّ، للنقيض، يكفي أن صحفيًّا سعوديًّا بصحيفة «الشرق الأوسط»، قد نعاه علي «تويتر» قائلاً: «يُسجِّل التاريخ لعلي عبدالله صالح أنه مات بشرف دفاعًا عن عروبته».
وقد حاولتُ البحث عن أي إشارة للوثيقة أو مضمونها في كتابَيّ الأستاذ محمد حسنين هيكل «سنوات الغليان» و«الانفجار» اللذين يؤرخ فيهما لهذه المرحلة الصعبة والمعقدة من تاريخ الأمة العربية، والمعروف عن الأستاذ علاقته السيئة بالسعودية وملوكها، فلم أجد أيَّ أثر أو إشارة لهذه الرسالة المهمة التي ما كانت ليفوِّتَها «هيكل»، بل يمنحها مساحة معتبرة من تحليله السياسي عن هزيمة يونيو 1967، لهذا يصعب أن تُصدَّق صحة هذه الرسالة، رغم أنها من حيث الشكل تُشبِه زمانها، أما المضمون فيحتوي علي تفاصيل حقيقية من قصة الصراع «المصري - السعودي» في الستينيات، الذي توَّجَتْه أزمة اليمن، وأوصلته إلي خانة العداء الصريح.
وربما تكون صحيفة «الحياة» السعودية هي صاحبة السبق في إنعاش ذاكرة هذا العداء التاريخي بين «فيصل» و«ناصر»، عندما أعادت في أبريل 2015؛ نَشْر مقال للصحفي اللبناني عادل مالك بعنوان: «لقاء مع الملك فيصل قبل نصف قرن عن اليمن»، يروي فيه أجزاء من حوار أجراه مع العاهل السعودي الراحل عام 1964، ومن أبرز ما قاله الملك السعودي: «حرب اليمن لليمنيين، وحَلُّها بين اليمنيين أنفسهم في فئاتهم المتناحرة المتقاتلة».. «وتسألني عن الحل؟ إنه مرتبط بالوجود المصري في بلاد اليمن».
وأختم أيضًا من الحوار السابق للملك فيصل الذي جري قبل نصف قرن ويُلقِي بظلاله علي الواقع اليوم، في اليمن وفلسطين وعموم المنطقة العربية؛ حيث قال: «مائتا ألف يمني من النساء والرجال والأطفال قُتِلوا، وعشرون ألف جندي مصري أيضًا قُتِلوا حتي الآن. هذه هي حصيلة حرب اليمن، فعلامَ الاختصام والاقتتال؟ أفي سبيل تحرير اليمن؟ يا ليت هذه الدماء هُدِرَت في سفوح (تل أبيب)»!