الثلاثاء 8 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
«شالوم» فى المسجد النبوى

«شالوم» فى المسجد النبوى


ربما لم تسمع بالقصة، فقد جرى تعتيم إعلاميٌّ (عربيٌّ) مريب عليها، كما أن التجاهل السعودى فى التعليق عليها زادها غموضًا، حتى شكَّ البعض فى صِحَّتِها، لكن حسم الأمر ظهور المدوِّن الإسرائيلى بن تسيون تشدنوفسكى (ذى الأصول الروسية)، قبل أيام على فضائية BBC البريطانية، وتأكيده تفاصيل قصته التى تداولتها «السوشيال ميديا» وأصابَت المسلمين بالصدمة والغضب.

بدأت القصة عندما نشر بن تسيون صورًا له على «إنستجرام» تُظهِره مرتديًا الجلباب والشماغ والعقال، ويتجوّل فى المسجد النبوى الشريف، وكتب تعليقًا تحت إحدى الصور: «عندما يزور يهودى ثانى أقدس مسجد للديانة الإسلامية بعد الحرم فى مكة».
أحدثت الصورة زلزالاً، وظنَّ البعض أنها «مفبركة» فردَّ الفتى اليهودى وبث مقطعَ فيديو سجَّلَه بنفسه أثناء الأذان والاستعداد للصلاة، بالقرب من الروضة الشريفة وقبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى المسجد النبوى.
وعلَّقَ على الفيديو قائلاً: «الصلاة من أجل السلام لجميع الناس. بين اليهود والمسلمين والمسيحيين والأقباط والدروز والبدو».
وبعيدًا عن تفاصيل (سخيفة) لرحلة وصول هذا المغامر اليهودى الإسرائيلى إلى مسجد المصطفى، قبل أيام من ذكرى مولده الشريف، التى تضمَّنَتْ الدخول من مطار العاصمة الرياض بجواز سفر (غير إسرائيلى) وبتسهيل من أصدقاء «سعوديين» بحسب وصفه، وبعيدًا عن أن هذا المدوِّن أو الصحفيَّ قد قام من قبل بزيارات أكثر ريبةً لعدد من المزارات الدينية حول العالم، ومنها زيارته إلى مدينتَيْ قم وطهران ثم بيروت وعمان قبل أسابيع، سيقفز بالطبع سؤال بدَهِيّ، عن جواز صلاة أو وجود يهودى (أو كافر) داخل المسجد النبوى، وقبل أن تبحث عن إجابة فى مصر فلا تجد من يُفتِيك بسبب الصراع بين القوائم الأزهرية، سأحيلك إلى مرجعية إسلامية مهمة لدى التيار السلفى وهو الشيخ السعودى عبدالعزيز بن باز (رحمه الله)، حيث يؤكد على عدم جواز دخول (الكفرة) إلى المسجد الحرام، وفق النص القرآنى، أما دخول المسجد النبوى فيجوز للمشركين (اليهود والنصارى والشيوعيين)، «إما لسؤال أو يسمع درسًا ويستفيد، أو ليُسلِم، فالحاصل أنه يجوز دخوله إذا كانت هناك مصلحة، أما إذا ما كان هناك مصلحة فلا حاجة إلى دخوله المسجد، أو يُخشى من دخوله عبث فى المسجد أو فساد فى المسجد أو نجاسة يُمنَع».
إذًا فالزيارة ربما لا يُحرِّمها الشرع، لكن هل تُبيحُها السياسة؟
لا تربط بين السعودية وإسرائيل علاقات دبلوماسية، لكنَّ بينهما عدوًا مشتركًا هو إيران، التى يثير توسعها فى المنطقة قلقهما. بهذا يبدو منطقيًّا ظهورُ مؤشراتِ تقارُبٍ «سعودى - إسرائيلى»، تلمحها فى تصريح إذاعى لوزير الطاقة الإسرائيلى، يؤكد فيها أن بلاده لديها علاقات سرية مع «العديد» من الدول العربية، وردًّا على ما إذا كانت السعودية من بين هذه الدول، أجاب أن إسرائيل تحترم «رغبات الطرف الآخر، سواء أكانت السعودية أو دولاً عربية أو إسلامية أخرى»، وجاء هذا التصريح بعد أيام من مقابلة نادرة أجراها رئيس الأركان الإسرائيلى مع الموقع الإخبارى «إيلاف» الذى يترأس تحريره الإعلامى السعودى المعروف عثمان العمير، التى قال فيها إن «إسرائيل مستعدة لتبادل معلومات استخباراتية مع السعودية لمواجهة إيران».
وتروِّج إسرائيل لفكرة أن نفوذ إيران والوقائع الإقليمية الجديدة تؤذن بتحسن فى علاقاتها مع دول عربية، فهى تشعر بالقلق من النشاطات النووية الإيرانية، ومن خطر أن تقيم طهران هلالاً من الدول الموالية لها يبدأ فى إيران ويمر بالعراق وسوريا ولبنان، ليصل بذلك النفوذ الإيرانى إلى مياه البحر المتوسط.
ربما الآن تبدو القصةُ مكتملةً، وعليك أن تصدق المغامرَ الإسرائيليَّ فى وصفه بأنه كان وسط أصدقائه السعوديين، وتبقى رسالته من «الروضة الشريفة» أفضل ختام لهذه الدراما العبثية، يقولها بصوته مع تترات النهاية: «الصلاة من أجل السلام! جنبًا إلى جنب مع إخوتى العرب».. شالوم.