هل يعود الحريرى؟
أكتب هذا المقال، مساء الأربعاء، مخاطِرًا بعنوان ربما يصبح يوم نشر المجلة (السبت 18 نوفمبر) لا محلَّ له من الوجود، ويحرِقُه (جزئيًّا) رئيس الوزراء اللبنانى المستقيل سعد الحريرى بعودته إلى بيروت، ويحيل كلماتى إلى «نصٍّ ورقيٍّ مهملٍ» تدهسه عيون القُرّاء بلا مبالاة، أو يُكرِمنا أحدهم ويحذفه من نافذة الوجود الإلكترونيّ ليمحوَ خطيئة نشره.
لكنى تحدَّيْتُ فروقَ التوقيت ونظرية الاحتمالات، مدفوعًا بفهمٍ جزئيٍّ لطبيعة الملعب السياسى المفتوح فى محيطنا الشرق أوسطى الملغوم، مراهنًا على المعنى المجازيِّ للسؤال، وإن كنتُ لا أنفى رِهانى أيضًا على المباشر من استفهامى التشويقى فى عنوان المقال.. هل يعود الحريرى؟
وكان الشيخ سعد السياسى اللبنانى المعروف قد ظهر مرتين على العالم، خلال هذا الشهر من العاصمة السعودية، الأولى فى الرابع من نوفمبر ليلقِيَ خطابًا متلفزًا (مسجَّلاً) يعلن فيه استقالته من رئاسة وزراء حكومة بلاده (لبنان)، والثانية فى 12 نوفمبر، ضيفًا (على الهواء) تُحاوِرُه بولا يعقوبيان المذيعة اللبنانية المتميزة (والجميلة)، التى اختارها القدر لتكون شريكةً فى عملية نفى قصة احتجاز الحريرى فى قصره بالرياض.
وكان حاصل اللقاءين فى ظنِّى هو أن سعد لن يعودَ، حتى لو وصل بشحمه ولحمه إلى بيروت (وهو ما أستبعِدُه)، وحتى لو سَحَبَ استقالته (وهو ما أعتقد استحالته)، فإن الرجل الذى طل علينا مكسورًا ومهزومًا مستقيلًا من دولة أخرى (يحمل جنسيتها)، فى مشهد حزين وكئيب، لا أظن أنه سيعود كما كان قبل إطلالته الأولى مستقيلًا أو مجبَرًا عليها (أيًّا كان سبب الإجبار ومن يقف وراءه)، ورغم خروج الشعب اللبنانى فى مظاهرات عاطفية تطالِبُ بعودته، وأجمعت طوائفه المتناحرة على تماسكها وتمسُّكِها بأن يبقى الحريرى فى موقعه رئيسًا للوزراء، حتى مايو 2018 موعد الانتخابات اللبنانية المقبلة.
ورغم تهدئة شكليةٍ أحدثَتْها «مقابلة بولا» فأفرط المتفائلون وتحدثوا عن انتهاء الأزمة، خصوصًا مع تأكيد سعد على عودته «هال يومين» فإن تصريحات جديدة للرئيس اللبنانى العماد ميشال عون، عصفت بالهدوء الخادع للمشهد، وأعادته إلى مهب العاصفة من جديد، حيث اتهم عون السعودية باحتجاز رئيس الوزراء سعد الحريرى وعائلته رهائنَ، وذلك فى أول تصريحات يقول فيها هذا علنًا، ووصف ما حدث بأنه «عمل عدائى ضد لبنان» وأضاف فى بيان نشر الأربعاء (15 نوفمبر): «لا شيء يبرر عدم عودة الرئيس الحريرى بعد مضيِّ 12 يومًا. وعليه نعتبره محتجَزًا وموقوفًا».
وقد سارع الحريرى بالرد على «تويتر» قائلًا: «بدى كرر وأكد أنا بألف ألف خير وأنا راجع إن شاء الله على لبنان الحبيب مثل ما وعدتكم، وحا تشوفوا!!
وتتسارع وتيرة التحركات الدولية لاحتواء الأزمة، ومصر من خلال وزير خارجيتها سامح شكرى كانت حاضرةً بقوة من خلال جولة مكوكية قام بها وضمت 6 عواصم عربية، سبقها تصريحات مؤثرة للرئيس السيسى فى شرم الشيخ يدعو فيها إلى التهدئة، فالجميع يعلم أن «أزمة الحريري» وقصة لبنان واجهة صراع على النفوذ فى الشرق الأوسط بين السعودية وإيران، والتصعيد فيها ربما يدفع بالمنطقة كلها نحو الهاوية.
وعلى النقيض، نلاحظ دورًا ملموساً للإعلام القطرى (وأتباعه وأذرعه) فى استغلال الأزمة لتأجيج نيران الحرب فى المنطقة، أملًا فى إشعالها، ظنًّا ساذجًا من الأسرة الحاكمة، أن هذا ربما يسهم فى «خلخلة» الحصار المفروض من دول الخليج على «دوحة تميم وأمه» قطر.. هذه الثغرة العربية، مصدر تعاسة الشرق وانقسام العرب والراعى الحصرى للشر فى الشرق الأوسط.
وأخيرا، فإن إجابة السؤال (عنوان المقال)، ربما تكشف لنا أسرار ما حدث خلال نوفمبر 2017 بين أطراف الأزمة، وتؤكد أو تنفى سيناريوهات (وشائعات) كثيرة تم طرحها، بعضها له علاقة بما يجرى من ترتيبات فى المنطقة، وبعضها يرتبط بصراعات داخلية فى دول عربية وخليجية.>