الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
67 كلمة غيرت التاريخ وسرقت الجغرافيا

67 كلمة غيرت التاريخ وسرقت الجغرافيا


بدلا من أن تعتذر بريطانيا للشعب العربى عن جريمتها الشهيرة المسماة بـ«وعد بلفور»، فإنها تحتفل مع ربيبتها إسرائيل بمئوية صدور الخطاب الموجَّه من وزير الخارجية البريطانى آرثر بلفور، إلى لورد روتشيلد رئيس الاتحاد الصهيونى فى بريطانيا يوم الثانى من نوفمبر سنة 1917، الذى كان بمثابة «يوم الميلاد» الرسمى للاستيطان اليهودى، وسرقة أرض فلسطين؛ فقد فتح «بلفور» قبل قرن من الزمن الطريق لإقامة دولة إسرائيل وزرع بذور النزاع الفلسطينى - الإسرائيلى الذى لايزال يمزِّق الشرق الأوسط حتى اليوم.
بديهِيّ أن يحتفل رئيسا وزراء بريطانيا وإسرائيل بالذكرى المئوية لإصدار هذا الوعد، استمرارًا للسلوكيات المتناقضة التى تعكس زيف الحضارة الغربية، ولا يغرَّنَّك أصوات إنجليزية هامسة تدعو للاعتذار، لأنها مهما تزايدت فسيطغى عليها الصخب الاحتفالى الذى يُتوِّجُه عشاء راقص بين تيريزا ماى وبنيامين نتنياهو فى اداونينغ ستريتب بلندن. ومن جانبها، قالت ماى للبرلمان قبل أيام: «نحن فخورون بالدور الذى لعبناه فى إقامة إسرائيل، وسوف نحتفل بالتأكيد بالذكرى المئوية»، وهى بهذا تقطع الطريق على أيِّ أحلام رومانسية بالاعتذار عن جريمة القرن التى لن تُغتَفَر أبدًا لبلادها.
وشكَّل هذا الخطاب القصير المؤلف من 67 كلمة باللغة الإنجليزية نصرًا كبيرًا للحركة الصهيونية وَقْتَها، وجاء فى نص الرسالة: «عزيزى اللورد روتشيلد، يسرُّنى جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريحَ التاليَ الذى ينطوى على العطف على أمانى اليهود والصهيونية، وقد عُرِض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومى فى فلسطين للشعب اليهودى، وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهَم جليًّا أنه لن يُؤتَى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التى تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة فى فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسى الذى يتمتع به اليهود فى أى بلد آخر، وسأكون ممتنًّا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيونى علمًا بهذا التصريح.
المخلص آرثر جيمس بلفور».
وتوالت ثمرات هذا الوعد الملعون، الذى لم يتم التشاور مع العرب فيه، ولا حتى إبلاغهم، رغم أنهم شكلوا أغلبية السكان، حيث كانت نسبة اليهود فى 1917 لا تزيد على 7 فى المائة من شعب فلسطين، وقد نُظِّم أول احتجاج فلسطينى على وعد بلفور فى فبراير 1920 فى القدس ويافا وحيفا، لكن بعد شهرين منح مؤتمر روما الانتدابَ على فلسطين إلى لندن. وبحسب نص الانتداب الذى أُقِرّ نهائيًّا عام 1922 فى عصبة الأمم، «تتولى المملكة المتحدة مسئولية أن ترسى فى هذا البلد (فلسطين) وضعًا سياسيًّا وإداريًّا واقتصاديًّا من شأنه أن يضمن إقامة وطن قومى للشعب اليهودي»، وشكل ذلك نجاحًا جديدًا للصهاينة. ومع صعود النازية فى ألمانيا، وبعد المذابح التى تعرض لها اليهود فيها أثناء الحرب العالمية الثانية، اتخذت هجرة اليهود إلى فلسطين حجمًا كبيرًا. وشُكِّلَت جماعات مسلحة صهيونية أرهبَتْ أهل البلد الأصليين واضطرتهم للهجرة واللجوء إلى الدول المحيطة بفلسطين. وفى نوفمبر 1947، اعتمدت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين: واحدة فلسطينية وأخرى يهودية مع وضع القدس تحت الإشراف الدولى، وفى 14 مايو 1948، أعلن ديفيد بن جوريون إقامة دولة إسرائيل مع انتهاء الانتداب البريطانى لفلسطين.
ومن العجائب والمفارقات أن تُنقَش عبارة على نصب تذكارى أقيم فى إحدى الكنائس البريطانية تخليدًا لذكرى الرجل «صاحب الوعد»، تقول: «فى ذكرى آرثر بلفور الذى تمَكَّن عبر قدراته العقلية والروحية كرجل دولة وفيلسوف من إثراء مملكة العقل ودعم الحقيقة والنزاهة والسلام فى العالم».
وكان أجدى بشعوبنا العربية، خصوصًا الشعب الفلسطينى، أن ينظموا احتفاليةً موازيةً فى ذكرى مئوية «الوعد الملعون» على طريقة أهل مصر بالإسماعيلية وبورسعيد فى ليلة شمِّ النسيم بـ«اللورد ألنبي» المندوب السامى البريطانى فى مطلع القرن العشرين، حيث يحرقون دُميَتَه ويطوفون بها فى أرجاء المدينة، لأن بلفور مثله.. يستحقُّ الحَرْق، وهذا أضعف الإيمان!