الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«جاكسون»تشويش وضبابية وارتباك

«جاكسون»تشويش وضبابية وارتباك


يبدو أن حالة الارتباك والتشويش والاختلاط.. وضبابية الرؤية والافتقار إلى غياب الهدف التى سيطرت على شخصية بطل فيلم «جاكسون» والذى جسده الممثل «أحمد الفيشاوي» هى انعكاس لنفس الحالة التى يعانى منها كاتب السيناريو والحوار الذى هو فى الوقت نفسه المخرج.. بل إن نفس الحالة هى التى شملت معظم شخصيات الفيلم.. التى جاءت كرتونية باهتة الملامح بلا أبعاد واضحة.. تمثل ذاتها فقط.. ولا تعكس إشكالات واقع تعيشه تلك الشخصيات.. وتتفاعل معه، ومن ثم فإن الهدف من الدراما ينتفى وتصبح المشاهد فى تتابعها هى مجرد سرد يسير بالعرض - إذا جاز هذا التعبير - بمعنى أن الأحداث لا تتصاعد لتصنع ذروة درامية تحمل فى طياتها مضمونًا أو يتبلور من خلالها معنى أو قيمة يود المؤلف أن يطرحها.. سواء كان هذا المعنى أو هذه القيمة ذات أبعاد فكرية أو سياسية أو اجتماعية.
يتضح من ذلك أن رسم الشخصيات - أحد أهم عناصر البناء الدرامى - جاء نمطيًا سطحيًا لم يجتهد كاتب السيناريو فى الإجابة حتى على الأسئلة الأساسية بل البديهية التى تشكل قوام أو ملامح تلك الشخصيات.. فمثلًا فيما يتصل بشخصية البطل.. نحن لا نعرف على وجه التحديد أسباب تعلقه بشخصية «مايكل جاكسون» أو قيمة ما يقدمه من أغانٍ، ومدى تأثيرها على عقل ووجدان البطل.. وما طموحه المرتبط بهذا الحب الطاغي؟!.. هل يستهويه فن الموسيقى ويشكل عالمه كله الذى يستغرق فيه.. ويطمح أن يكون فنانًا موسيقيًّا.. أم أنه مجرد تعلق مراهق شأنه فى ذلك شأن الأصدقاء من هذا الجيل؟! لم يتعرض سيناريو الفيلم إلا لبعض المظاهر الشكلية فى ملابس وحركة الممثل المشابهة للمظاهر الشكلية لـ«مايكل جاكسون» وكنت أتصور أن قسوة الأب هى التى تشكل التشابه فى الحالتين.. ولكن جاءت طريقة رسم شخصية الأب الساذجة فى الفيلم لتضاف إلى سوء رسم شخصية البطل لتزيد الأمر ركاكة وضحالة.
والأب هنا هو نموذج فظ وبشع للسادية وسوء الخلق.. وكالعادة أيضًا السيناريست لا يخبرنا عن سر هذه السادية.. ولا حتى ماذا يعمل هذا الرجل ولا علاقته بالمجتمع الذى يعيش فيه.. وما سر هذه العدوانية الجنونية تجاه الابن.. ومن ثم فقد جاءت تلك الازدواجية التى تجسدت فى مشهد غريب ومقحم على السياق يصور الأب - الذى يجسد دوره «ماجد الكدواني» - ممددًا على سريره جريحًا.. يدخل عليه الابن وخاله - الذى يجسد دوره «محمد البزاوي» - ليفسر لنا ما حدث - وما لم نره كمشاهدين - أنه تعرض لاعتداء زوج عشيقة للأب المفروض أنه ضبطهما معًا.. والمؤلف المسكين الذى استغفله المؤلف والمخرج والممثلون لا يعلم شيئًا عن تلك العلاقة الشائنة ولا أبعادها ولا ملابساتها ولا تطورها ولا علاقتها بالأحداث.. أقصد اللا أحداث إلا أن المؤلف يريد أن يقول لنا بمباشرة وبنوع من التلفيق أن الأب الذى يوصم ابنه بسوء الخلق هو فى حقيقة الأمر أكثر انحطاطًا منه فى السلوك والخلق.
كما أن المشاهد لابد له أن يحتار أيضًا فى شخصية هذا الخال الذى يمثل رجل دين، ويبدو أنه لا يمثل نموذجًا منحرفًا أو متشددًا أو متطرف التوجه.. ويلجأ إليه الابن ليقيم عنده هربًا من عسف الأب.. ولكنه يحتد عليه فجأة فى صفاقة غريبة دون مبرر.
أما زوجة البطل التى جسدت دورها الممثلة الواعدة «أمينة خليل» فهى أيضًا شخصية باهتة لا قيمة لوجودها أصلًا فى السيناريو فهى نموذج خاضع مستسلم، ترى وتعايش سلوك البطل المضطرب وغير السوى وتقلباته العنيفة وضياعه المأساوى ولا تحرك ساكنًا ولا تشكل موقفًا ولا تؤثر فى الأحداث سلبًا أو إيجابًا.
أما إذا كان الهدف من رسم الشخصيات بهذه الطريقة المجردة من الأبعاد هى أن تصبح مجرد «نماذج» أو «أنماط» لتمثل بذلك رمزًا للتناقض بين عالمين.. عالم الفن والإبداع فى مقابل ظلامية التشدد الدينى الذى يعلى من شأن القشور والشكليات فوق المواطنة.. فما هكذا يتحقق الهدف.. لأن تلك الشخصيات الهشة لا تنشئ صراعًا محتدمًا بين هذين العالمين.. من خلال مواجهات ذات طابع فكرى أو عقائدى أو أيديولوجى (مثل تلك التى رأيناها مثلًا فى فيلم «مولانا» تأليف إبراهيم عيسى وإخراج مجدى أحمد علي) بل تداعيات لصور متهافتة وحوار تقريرى ساذج.. وفلاشات باك تستهلك نصف زمن الفيلم.. وتعوق تطور أحداثه، وتساهم فى تسطيح الفكرة أكثر من تعميقها.. وفى إفساد إيقاع الفيلم وإصابته بالترهل.. ومن ثم انهيار البناء الدرامى كله.
أما الأداء فإننى فى الحقيقة عجزت عن تفسير سر تميز «أحمد الفيشاوي» فى هذا الدور بما يؤكد موهبته ونضج إحساسه وحضوره القوى.
وسر عجزى هو أن الشخصية الدرامية الرئيسية فى العمل من البديهى أنه حين يكبلها سيناريو ضعيف عن تجسيد أبعادها النفسية والاجتماعية وحوار سطحى لا يساهم فى تعميق هذه الأبعاد.. هى بالضرورة لن تظهر على الشاشة ببريق يستلفت أنظار المتلقين.
لكن يبدو أن «الفيشاوي» اجتهد فى إبراز ما لم يبرزه النص الأدبى.. وتعميق كل ما هو فاتر وإكسابه حيوية يساهم خياله مساهمة فعالة فى إظهارها.