صراع «توم وجيرى» فى الشرق الأوسط
تبدو العلاقة بين إيران وإسرائيل منذ قيام ثورة الخمينى عام 1979، كصراع مثير بين قط وفأر على طريقة المسلسل الكرتونى الشهير «توم وجيرى»، لهذا فإن تجريد الصراع بين الدولتين من مظاهره المطروحة على المشهد السياسى، يكشف لنا حقيقَتَه؛ فهو صراعُ وجود.. يبحث عن حدود، فكلتا الدولتين لا يتوقف طموحها داخل إطار الجغرافيا، كلتاهما يداعبها حلم «الدولة الكبرى» المهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وكلتاهما استمدت مشروعية وجودها من خطاب دينى متطرِّف يتضمن الحضَّ على كراهية ومعاداة الآخر.
ففى الوقت الذى تقاتل فيه إيران من أجلِ الحصول على عضوية النادى النووى، فإن إسرائيل تتربَّص بها لتعرقِلَ مسعاها نحو امتلاك هذه القدرة السحرية، التى يمكن أن تصعَدَ بدولة «الولى الفقيه» إلى مصاف الكبار. حيث يضم النادى الحصرى للقوى النووية تسعة أعضاء، تتقدمهم روسيا وأمريكا وتمتلكان أكثر من 90 % من المخزون العالمى للأسلحة النووية، ومعهما سبع دول هى: بريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية، ويقدر اتحاد العلماء الأمريكيين عدد الرؤوس النووية المنتشرة والجاهزة للاستخدام بنحو 4 آلاف.
وتشكل إيران حالة خاصة (نوويًّا) إذ تشتبه الأسرة الدولية فى أنها كانت تسعى إلى تطوير السلاح النووى فى العقد الأول من الألفية الحالية، لكنها وقَّعَت فى يوليو 2015، اتفاقًا تاريخيًّا مع القوى النووية العظمى تلتزم بموجبه بالطابع المدنيِّ لبرنامجها لقاء رفعٍ تدريجيٍّ للعقوبات الدولية عنها على مدى عشرِ سنوات، وهو الاتفاق الذى يصِفُه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى كل تصريحاته بأنه «سيِّئ للغاية»، ويسعى بقوة لتعديله، وحال فشله ربما يُضطَر لاتخاذ قرار عقابى آخر تجاه إيران، كنوع من المزايدة السياسية لكسب الداخل الأمريكى واسترضاء حلفائه فى الشرق الأوسط وفى مقدمتهم إسرائيل.
ويقف وراء هذا الحماس «الترامبى» لتعديل الاتفاق، اللوبى اليهودى فى أمريكا، الذى يترجم مشاعر إسرائيل (المرعوبة) من وصول إيران إلى هدفها النووى، التى لن يردَعَها إعدام «عميل للموساد» أعلنَتْ عنه طهران بكل الفخر قبل أيام، حيث ذكرت تقارير إعلامية أن «إيران حَكَمَتْ بالإعدام على شخص أُدِينَ بتقديم معلومات لإسرائيل أدَّتْ إلى اغتيال عدد من كبار العلماء النوويين». وكان أربعة علماء قد قُتِلوا خلال عامين (كما صَرَّحَتْ طهران)، وذلك وفق برنامج اغتيالات يهدف إلى تخريب برنامجها النووى يجرى تنفيذه بمعرفة جهاز الموساد الإسرائيلى.
وتُسبِّب إيران صداعًا مزمنًا لإسرائيل، بسبب دعمها المستمر لحزب الله اللبنانى، ولمنظمة حماس الفلسطينية، وأيضًا بسبب نفوذها المتزايد فى سوريا، حتى إن (B.B.C) الإنجليزية عنوَنَتْ أحد تحليلاتها السياسية قبل أسابيع بـ«المواجهة بين إسرائيل وإيران فى سوريا باتت مسألة وقت»، وصدَّرَتْ قصتها بتصريح لرئيس الوزير الإسرائيلى قال فيه إن «إيران تعمل ليلَ نهارَ لتحويل سوريا إلى قاعدة عسكرية تتمركز فيها؛ بغية استخدام سوريا ولبنان جبهات حرب لإزالة إسرائيل من الوجود».
ومنذ اندلاع الثورة السورية فى 2011، وطبول الحرب تدقُّ كثيرًا ويعلو صوتُها بين الإيرانيين والإسرائيليين بحسب الموقف على الأرض، وتجاهد إسرائيل بطرق كثيرة لمنع التمدد الشيعيِّ من أن يتصل بحدودها، لا سيما بعد أن أصبحَتْ بغداد تحت النفوذ الإيرانى، ولا يبقى إلا دمشق حتى تجد تل أبيب نفسها تحتَ إِمْرة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وهو ما لن تقبلَه بحال.
والصراع مستمر، ولن ينتهيَ مثلَ كل صراعات «توم وجيرى» التى تسلِّينا فى بلاد العرب، سعداء بما يفعله الفأر الصهيونى الماكر بالقطِّ الشيعى الغادر، رغم أن هذا الصراع يدور على أرضنا، ويقرر مصيرنا.