السبت 27 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الــدم

الــدم


أصحو من نومى، مبعثرة اليقظة، متعثرة الأحلام. الشمس تنبئ بصباح خريفى، معتل المزاج. والسحاب يرسل إلى قلبى المتشكك، إيحاءات، وأسرارا. كل يوم، أواصل الاستيقاظ، وأنفاسى، على غير وفاق، مع هذا الزمن.. زمن «الدم».

«الدم» يغطى كل الأشياء. «الدم»، فوق جبين الرجال. «الدم»، داخل عيون النساء. يطل «الدم»، من نوافذ المدن الملتحفة بالسواد. يختلط بعويل الأمهات، اللائى يفوق حزنهن، ملابس الحداد، وهيبة الجنازات العسكرية، والشعبية.
لا جديد تحت الشمس... إلا زيادة عدد الشهداء، ونقصان عدد الرجال النبلاء، والنساء العاشقات. لا جديد تحت الشمس... إلا أننا نكبر فى العمر، ونصغر فى الإنسانية.
أين يهرب «الدم» المصرى، من حصار الإرهاب ؟
كل يوم، نزف الى التراب، شهداء جددا، تروى دماؤهم، ظمأ الأرض المشتاقة، إلى الحرية، والعدل، والأمان. طعنات، قاتلة، يتلقاها جسد الوطن، الذى يحارب بمفرده.
تحالف دولى محكم، من العصابات، والمرتزقة، والخونة، والبلطجية.
حصار من ماصى الدماء، الذين لا يفقدون شهيتهم «للدم». بل إنهم، كلما شربوا «الدم»، كلما ازدادوا عطشا.
ماذا أكتب، فى زمن يخرج فيه الإنسان من بيته، وليس متأكدا أنه، سيرجع؟
زمن، الإقبال على شراء الأكفان، والعزوف عن شراء الورود.
أى كلمات،  تجفف الدموع، تقدم العزاء؟
ماذا أكتب، واستباحة «الدم»، تكاد تصبح شيئا «عاديا»، مثل إلقاء تحية الصباح، أو تناول فنجان من القهوة ؟ وهذا هو جزء من الخطة المرسومة، أن «نألف» استباحة «الدم»، ولا نعود نبالى بالحياة، و«نسترخص» أرواح البشر.
لكننا لن نستسلم للمؤامرة الملعونة، وسنظل نبالى بالحياة، وبأرواح البشر. لن نألف رؤية الدماء، وكأنها الشمس، أو الماء. سنظل أوفياء، لضحايا الوطن، والمعانى، التى استشهدوا من أجلها.
إن فراق الأشخاص الأعزاء الأحباء، ألم، ومرارة، وحسرة، وحزن،  ليس له دواء، أو مُسكن، أو مُهدئ، أو شفاء، على مدى العمر. فما بالنا، إذا فقدنا أعزاءنا، وأحبابنا، بجرائم القتل، والذبح، والتفجير، والحرق، وسفك الدماء؟
الأوطان على مدى التاريخ، تنتكس، تحزن، تنهزم. لكنها، لا تنكسر، ولا تستسلم، ولا يضيع مكانها، على الخريطة.
كلما سقط عدد جديد، من شهداء الوطن، أتساءل، هل تزيد الفجيعة، من عزيمتنا، لنسف جذور الإرهاب؟ هل نظل تائهين، وغير جادين الجدية الكافية الضرورية، فى إنجاز تجديد الفكر الدينى المطلوب؟ إلى متى، تحاصرنا الثقافة الضحلة، والإعلام المضاد للعقل الناقد، والشخصية الحرة المبدعة؟
كلما سقط عدد جديد، من شهداء الوطن، أتساءل، إلى متى نظل نشجب، ونستنكر، ونغضب، وندين، كرد فعل للنكبة، دون تغيير حقيقى، فى أى مجال، يجتث الفكر الدينى، المتعصب، المتطرف، العنصرى، من الجذور، فى المدن، والقرى؟
وهل ندرك، أن أنصار الدولة الدينية، وحلفاء الفكر الإخوانى، والسلفى، وكهنة الفتاوى الظلامية، حولنا، فى كل مكان؟
مع كل حادثة جديدة، نسمع هتافات مدوية، ترفرف فوق النعوش: «الشعب والجيش إيد واحدة»... «الثأر للشهيد»... «أرواح الشهداء لن تروح هدرا».
السؤال، كيف نحول غضب، وحماسة، الهتافات المدوية، إلى عملية «تطهير»، للوطن، من الثعابين، التى ظاهرها «الوداعة»، وباطنها «سم قاتل».
السؤال، كيف نحول «الألم والحزن»، إلى «طاقة»، تثور ضد الجمود، والتخلف، والفساد، والتفرقة بين البشر.
«طاقة»، تقف وقفة حازمة، ضد تسييس الدين، وضد تديين السياسة.
>من واحة أشعارى
عيون الشهداء تخرج من الأكفان
صراخ وعويل الأمهات يزلزل المكان
البيوت سرادقات عزاء
النيل متشح بالسواد
والوطن الجميل
بلون الدماء