الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
اتعلموا الكوميديا من الضيف  أحمد

اتعلموا الكوميديا من الضيف أحمد


ليس من الغريب أن يغيب «المعنى الحقيقى للضحك» وخصائص فن الكوميديا عند المتلقي.. ولكن ما يثير الدهشة ويبعث على الحنق أن يجهل المضحكون أنفسهم ذلك المعنى وتلك الخصائص.. لذلك حينما قرأت كتاب «صنايعية مصر» للساخر «عمر طاهر» الذى يتحدث فيه عن نوابغ ساهموا فى رسم ملامح هذا الوطن وتاريخ حياة سكانه دون أن يحصلوا على نصيبهم من الضوء والمحبة والاعتراف بالفضل.

توقفت عند الفصل من الكتاب الذى خصصه للحديث عن الممثل الرائع الراحل «الضيف أحمد» قال: كانت المذيعة سلوى حجازى تقدم برنامجًا قائمًا على «المناظرة» بين الضيوف، وكان من المفترض أن يجالس الكاتب الكبير «ثروت أباظة» فرقة ثلاثى أضواء المسرح.. وغابوا جميعًا إلا «الضيف أحمد».. وفى منتصف البرنامج سأله «أباظة» إن كانت الكوميديا ستستمر على هذا النحو الذى يقدمه «الضيف»، وهى كوميديا الموقف أم أنها ستعود يومًا للكوميديا الإنسانية التى كان يقدمها الريحاني؟!.. قال «الضيف» كلا النوعين سهل.. من الممكن لأى عمل أن يقدمه.. لكن طموحى أن يكون المستقبل للكوميديا الفكرية.. ثم أكمل قائلاً: الجمهور عندنا بيضحك لأنه شغل مخه وعثر فيما يقوله الممثل على فكرة.. عندما دارت فى مخه ضحك.
والحقيقة أن «الضيف»، وهو يعبر عن رأيه هذا فهو باختصار وضع يده على جوهر الضحك وخصائص فن الكوميديا.. ببساطة لا تخلو من رغبة واضحة فى أن تتجاوز الكوميديا ما يتصوره المتلقى عنها من أنها مجرد تهريج سطحى أو هزل رخيص أو تبادل لمجموعة من الإيفيهات التى يرددها الممثلون متدثرين بعباءة «الضحك للضحك» أو «الفن للفن».. بينما الكوميديا الناضجة هى التى تعتمد اعتمادًا أساسيًا على إعمال العقل ومخاطبته وإثارة الجدل حول قضية اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية.. تمييزًا لها عن التراجيديا التى تعتمد على الوجدان والعواطف التى تهز المشاعر.. ثم يسرد الكاتب شهادتى الكاتب الكبير «مصطفى أمين» و«صلاح حافظ» عن «الضيف» حيث يقول «مصطفى أمين»: كان «الضيف يزورنى فى مكتبى ونتحدث عن تجربة «شارلى شابلن» وكان «الضيف» يحاول أن يضع يده على مفاتيح نجاحها ليكررها.. وكان صادقًا فى ذلك.. بينما يقول «صلاح حافظ»: هناك ممثل يشبه عازف الكمان الموهوب.. لكنه لا يجد نوع الفن الذى يقدمه ويحقق رواجًا كبيرًا.. فقرر حتى يصل إلى جمهور أكبر، قرر أن يكون لاعب أكروبات فى السيرك ينتظر اللحظة التى سيكون سابحًا فى الهواء والأنظار كلها معلقة به.. فيخرج من سترته الكمان ليقدم اللحن الذى يحبه.
ويؤكد «عمر» تعليقًا على قول الكبار أنه اكتشف من خلال تقديرهم «للضيف» أننا لم نعرفه جيدًا.. فرحيله فى الثانية والثلاثين من عمره كان  فى منتصف الطريق تمامًا ما بين الأرض ولحظة إخراج الكمان من سترته.
تذكرت وأنا أقرأ ما كتبه «عمر طاهر» عن «الضيف أحمد»، وعن طموحه الفنى وثقافته ومدى فهمه لمعنى الفن.. ومعنى الكوميديا.. تذكرت موقفًا حدث مع كوميديان معروف اختاره المخرج لدور البطولة فى مسلسل من تأليفي.. واكتشفت منذ اليوم الأول للتصوير أنه لم يقرأ المسلسل.. بل لا يعرف إطلاقًا «مجرد الحدوتة» أو أبعاد الشخصية التى يجسدها.. ولم يسع حتى ولو إلى السؤال ولو من باب الفضول عن طبيعة الدور الذى يجسده.. فقط لجأ إلى أن يسأل مساعد المخرج قبل تصوير أى مشهد له.. ما الموقف الذى يجسده فى المشهد؟.. ثم يلقى بسيناريو الحلقة جانبًا.. وبجرأة غريبة يرتجل حوارًا مسفًا مع بقية الممثلين الذين يشاركونه فى المشهد لا علاقة له بالموقف أو الشخصية أو الحلقات.
أفزعنى ما يفعله.. وأدركت أنه إذا استمر على هذا المنوال فسوف يدمر النص تمامًا.. ويفشل العمل الذى أمضيت فى كتابته شهورًا طويلة. وأعانى فى إبداع أحداثه وعناصر البناء الدرامى التى تحتوى على تصاعد تلك الأحداث وإنشاء الصراع وصولاً إلى الذروة التى تتضمن مغزى العمل.
قررت أن أعلن له عن غضبى وقلقي.. وأطالبه بالالتزام بالنص.. مؤكدًا له فى اعتزاز بمهنتى أن حقوق الملكية الأدبية للمؤلف صاحب السيناريو مقدسة.. ولا يجوز انتهاكها.. وأن النص ينسب إلى مؤلفه نسب الابن للأب.. ورغم ذلك فإنى على استعداد تام أن أتفاهم معه فى مناقشة أبعاد ومحتوى دوره وتنفيذ بعض الإضافات والتعديلات التى يطلبها ونتفق عليها إذا ما استهوتنى ووجدت أنها سوف تفيد النص.. فإذا به يواجهنى باستخفاف غريب أن له أسلوبه الخاص فى الأداء الذى يميزه وصنع نجوميته.. وهو يعتمد على الارتجال وعلى نوع من «الڤارس» الضحك الذى لا يحمل أى مضمون أو أى قيمة فكرية أو إنسانية أو سياسية أو اجتماعية.. والجمهور العريض الذى يعجب به ويحب طريقته فى الإضحاك تعود لهذه الطريقة.. ولن يتقبلوا منه غيرها.. أنه يؤدى «الشويتين بتوعه» أو ما يسمى بلزمات معينة اشتهر بها والتى لا علاقة لها تمامًا بالشخصية التى يؤديها فهو لا يجسد الشخصية التى رسم أبعادها المؤلف.. ولكن يجسد نفسه بكل هزلها وفجاجتها ورخصها وفى النهاية الجمهور عاوز كده.
المهم أنه عندما خرج من البلاتوه بعد تجسيد المشهد بطريقته داعبنى بغلظة وسماجة مرددًا:
- المشهد فيه برضه من اللى انت كتبته.. مش كده؟!
لا فائدة إذًا من مناقشته.. فلم أجد ما أفعله خاصة أن المخرج الجهبذ كان راضيًا كل الرضا عن ذلك الهزل الرخيص.. بل كان يستلقى على قفاه من الضحك على المواقف التى يفاجئه بها هذا الممثل الهزلي.. وكانت النتيجة كما توقعت فشل المسلسل فشلاً ذريعًا.
وأنا أقرأ ما كتبه «عمر طاهر» عن «الضيف أحمد».. وعن «فؤاد المهندس» وعن «بديع خيري» فى كتابه ما يجعلنى أتحسر على الزمن الجميل الذى ولّي.