الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«فيروس» الاستقلال و«عدوى» الانفصال إلى أين؟

«فيروس» الاستقلال و«عدوى» الانفصال إلى أين؟


فيما يشبه الظاهرة، التى لا يصح تجاوزُها بالتجاهل، أصبح «الاستقلال» مصطلحًا ذا وجود حقيقيّ فى فضاء السياسة، وأروقةِ الفكر إقليميًّا ودوليًّا، ولن تكون كردستان العراقية أو كتالونيا الإسبانية آخر الأقاليم الحالمة بالاستقلال عن دولها المركزية الحاكمة القابضة على أحلامهم بالحرية.
ليست القضية أن نتفق أو نختلف مع الفكرة، لأنها أصبحت واقعًا نسبح فى تفاصيله، ونكتوى بنتائجه وتُدَاهِمُنا متغيراته بسرعة تفوق قدرتنا على رد الفعل؛ فلم يكن إقليم كتالونيا الإسبانى الوحيدَ فى أوروبا الذى يسعى للانفصال أو الاستقلال، فهناك عدد من الأقاليم تنشط فيها الحركات والأحزاب الانفصالية بدرجات متفاوتة. كذلك الحال فى المنطقة العربية التى تعجّ بصراعات حدود ومعارك وجود، وقوميات متناقضة، وأجناس رافضة؛ لهذا لن تكون كردستان الأخيرة، فقد سبقها جنوب السودان، ويلاحقها «صوماليلاند».. وفى الطريق «لاندات» أخرى.
ورغم اصطدام قطار «استفتاء الاستقلال» بجدار الواقع فى تجربتيه الأخيرتين: كتالونيا وكردستان، وصولًا إلى «التعليق»، رغم التصويت الكاسح من شعوب الإقليمين بالموافقة على إعلان الاستقلال، فإن رئيسَيِ الإقليمين كارلس بوجديمون ومسعود برزانى، فضَّلا منح حكومتى إسبانيا والعراق الفرصة للحوار، وبعضَ الوقت لاستيعاب نتائج الاستفتاء وتَبِعاتِه.
وقد أسهمت مشاهد العنف فى إسبانيا ضد الكتالونيين، والإجراءات الخشنة من حكومة العبادى فى بغداد، فى أن يشعر العالم بقدر من التعاطف مع الانفصاليين، وهو ما دفع صحفًا ألمانية لأن تقول: «الكتالونيون والأكراد ناجحون حتى دون دولة مستقلة».
وقد أدى تفكُّكُ الاتحاد السوفيتى فى النصف الشرقى من أوروبا، ودولة يوغوسلافيا، إلى ظهور العديد من الدول الجديدة. أما فى أوروبا الغربية، فإن القوميات القديمة كان لها العديد من المحاولات من أجل الاستقلال، ومنها إقليم «الباسك» الإسبانى، و«اسكتلندا» التابعة للتاج البريطانى، ومقاطعة  «فلانديرز» البلجيكية، وحركة «بادانيا» التى تطالب بانفصال الشمال الإيطالى، وجزيرة «كورسيكا» الفرنسية، وولاية «بافاريا» الألمانية.
أما عندنا، فقد أظهر الربيع العربى كلَّ تشققاتِ محيطِنا الإقليمى، مَهَّد له السقوط المدوِّى لبغداد، والاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003، وتجلَّت ثَمراتُهُ فى انفصال جنوب السودان عام 2011، والخريطة العربية تحتشد بأفكار انفصالية متنوعة روج لها صُنّاع «الفوضى الخلاقة»، وعملاؤهم فى كل ثنايا صناعة العقل العربى، وأفرزت هذه المرحلة خرائط افتراضية قبيحة تبشِّر بـ«سايكس بيكو» جديدة، بعد مرور أكثر من قرن على القديمة، التى أنتجت خرائط عالمنا العربى الحديث عام 1916، فى اتفاق سرِّيٍّ بين الدبلوماسى الفرنسى فرانسوا جورج بيكو، والبريطانى مارك سايكس، وبمصادقة من الإمبراطورية الروسية، التى كانت أولى العمليات الانشطارية لجسد الأمة العربية الإسلامية، واستمرت تداعياتها طوال قرن كامل تنهشُ فى تماسُكِ الجسد المسلم.
وتأتى محاولة كردستان العراق فى الانفصال كواحدةً من أسوأ نتائج هذا الاتفاق السرى الذى فضحه سقوط الإمبراطورية الروسية فى العام التالى (1917)، وأظن أن هناك اتفاقات سرية جديدةً تمت فى السنوات الأخيرة تهدف لتفتيت المنطقة إلى دويلات أصغر، ربما يفضحها لنا القدر قريبًا.
أما مصر فقد طالها بعضٌ من لَغَط هذا الحديث، حيث لاح فى الأفق بعد يناير 2011 أباطيلُ مأجورة، وقف وراءها من أطلقوا على أنفسهم «ناشطين»، واخترعوا فكرة «انفصال النوبة»، وبعد سقوط «الإخوان» وجماعَتِهِم عام 2013 وتفجر الأوضاع الأمنية فى سيناء، وما أعقبهما من عمليات تهجير قام بها الجيش حرصًا على حياة أبناء هذا الجزء الغالى من وطننا، خَرَجَتْ بعض الأصوات الضالَّة تلوك أفكارًا مشابهة. ورغم أن مثل هذه الأفكار لا تجد صداها فى جسدٍ وطنيٍّ متماسك مثل مصر، فإننا يجب أن نتعامل معها بمثل تعاملنا الطبيِّ فى مكافحة الفيروسات الخطيرة، لأن الوقاية خير من العلاج!!