
طارق مرسي
مهرجان إسكندرية ليه؟
فى كل مهرجانات العالم يتبارى المبدعون لتقديم منتجاتهم للجمهور وعشاق الفن السابع، أما فى مصر فتحولت إلى مهمة عاجلة للمجاملات وتسهيل المصالح أو وجاهة اجتماعية للمنظرة وتتساوى هنا المهرجانات العريقة والوليدة.
فمهرجان «الجونة» اقتصر على الأصدقاء والأصحاب لعدم وجود جمهور سينما حقيقى يتابعه رغم توافر كل المقومات الفنية والمادية فيه، أما مهرجان الإسكندرية، فقد تحول إلى مهرجان سرى لا يعرف الجمهور عنه شيئا، فالأفيشات المفروضة للإعلان عنه غير موجودة فى الخدمة سواء فى مدخل الإسكندرية أو شوارعها الرئيسية، أما الأغرب فهو عدم وجود لافتات بأسماء الأفلام المعروضة فى مقر الإقامة نفسه حتى فى خلفية الندوات سواء الأفلام أو التكريم، أما تغيير مواعيدها وتأجيل بعضها فأصبح شرًا لابد منه.
والمحصلة أن أهالى الإسكندرية وشعبها العريق لا يعرفون عن المهرجان شيئا، رغم أنه شعب مسكون بالإبداع وحب الفنون والآداب بالفطرة احتضن كل حضارات الدنيا التى صنعت التاريخ، والغريب هو خروج دار عرض كان من المفترض أن تعرض أفلام المهرجان وهى سينما «أمير» بعدما نفت وجود تعاقد مع المهرجان على عرض أفلامه فى واقعة فريدة من نوعها ولا يعرف أحد شيئا عن عروض سينما ريو وجرين بلازا.
فى الماضى القريب من عمر المهرجانات المقامة بمصر فى عهد الراحلين كمال الملاخ وسعدالدين وهبة كان الجمهور هو الهدف الأساسى لنشر الثقافات السينمائية الجديدة وأمام السينمات الشهيرة تتدفق الجماهير العاشقة لمشاهدتها.
أما مهرجانات هذه الأيام فتعانى من عزوف الجمهور وبالتالى تفقد مقوماتها وتخسر إيرادات كان من الممكن أن تمثل دعما لها فى السنوات المقبلة.
فعندما تولى حسين فهمى مهرجان القاهرة السينمائى حرص على تطبيق نظام عالمى يتسق مع التقاليد الدولية سواء على مستوى اختيار الأفلام أو النجوم العالميين، ولكنه استقال هروبا من الروتين والبيروقراطية وفقر الدعم المفروض ومنذ هذا التوقيت تعانى مهرجانات مصر من الأزمات والمطبات حتى باتت هزيلة.
فى مهرجان الإسكندرية الذى تقيمه جمعية كتاب ونقاد السينما نجح «الأمير أباظة» فى تحقيق استمراريته فى ظروف صعبة وسار به إلى بر الأمان مستفيدا من تجربة التلمذة على يد العملاق الراحل سعدالدين وهبة وبإدارة منتخبة شابة تملك القوة والحماس والطموح، لكن انفرط عقدها بغرابة شديدة ووفقا لنظرية الأنا والأنا الأعلى والضمير رغم اجتهاد عنصر الشباب فى حدود المتاح فى الدورتين الماضيتين وليس أمام الإدارة المنتخبة سوى دورة واحدة لصناعة نقلة للمهرجان العريق الذى يحتفل العام المقبل بمرور 40 عاما على إطلاقه بعد تعثره فى 6 سنوات مضت لظروف متنوعة ولابد من تكاتف كل العناصر فيه والاستفادة من الخبرات الهائلة لأعضائه لإخراجه بالشكل اللائق به وبشعب جمهورية الإسكندرية عروس البحر المتوسط.
الدورة الـ 33 للمهرجان رغم السلبيات التى هاجمته لا يمكن تجاهل الإيجابيات واللقطات المضيئة به، أبرزها الحضور الرائع للنجم حسين فهمي.. بدأها فى حفل الافتتاح بكلمات صادقة لزملاء جيله نور الشريف ومحمود عبدالعزيز ومطالبته بإطلاق الدورة على الأخير ولم يتمكن من السيطرة على دموعه على رحيل الفقيد وفى حفل تكريمه أضفى عليه البهجة بقفشاته مع زملائه وتلاميذه الذين تغنوا بأستاذيته وتحضره.
حسين فهمى بخفة دمه وتواضعه سحر الجميع، تكرر الحضور اللافت مع المخرج خالد يوسف وفتح ملفات أزمة السينما.
وإعلانه باستئناف مشروع السينمائى وكشف موقفه السياسى على الشاشة والاكتفاء بالمهمة البرلمانية فى الدورة الحالية.. أما فى ندوة فيلم «مولانا» فقد واصل الكاتب إبراهيم عيسى مؤلف الفيلم محاضراته وهذه المرة فى الثقافة السينمائية بفهمه العميق لتاريخ الفن السابع ورموزه وأساطيره.. فضلا عن ترسيخ مواقفه ضد المتطرفين مستشهدا بتجربته السينمائية.
فى الدورة الـ33 لقطات أخرى لامعة لعل أبرزها لحظة تكريم الناقدة نعمة الله حسين التى تحدثت بتلقائية عن مشوارها فى نشر الثقافة السينمائية وتفانيها فى خدمة المبدعين، واعتبر أن تقليد تكريم كتاب ونقاد السينما مبادرة رائعة يجب أن تستمر وهى تنسب لرئيس المهرجان الأمير أباظة.. فضلا عن التقديم الرصين لفقرات الإنتاج والختام لمنال سلامة ببساطة وبدون افتعال وروعة إخراج هشام عطوة لحفلى الافتتاح والختام.
أمام مجلس «الأمير أباظة» فرصة ذهبية فى دورة «الساحر» محمود عبدالعزيز لإغلاق ثغرات الدورة الـ 33 ولم شمل أعضاء مجلس إدارة المهرجان والتكاتف من أجل إصلاح السلبيات.
إلى جانب ضرورة التفاف نجوم الشعب من المشاهير حول المهرجان بدلا من العزوف الغريب عن الحضور والتخلى عن حالة التبلد التى تصيب بعضهم فى مهرجان يحمل اسم مصر.. فجمهور الإسكندرية العريق يستحق من الجميع التفانى ونكران الذات ورفع شعار «النجاح للجميع».