الخميس 10 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
فيلم «حرب أكتوبر» الذى لم تره الشاشة!

فيلم «حرب أكتوبر» الذى لم تره الشاشة!


كنت أتوق إلى كتابة المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار لفيلم تدور أحداثه خلال تلك السنة العصيبة التى سبقت العبور العظيم فى أكتوبر (1973).. وهى تلك السنة التى اتخذ فى بدايتها قرار الحرب.. وتمت فيها فترة الإعداد والتجهيز وتحديد المهام القتالية ووضع خطة الخداع الاستراتيجى للعدو.. وفى تقديرى أن تلك السنة كانت تمثل نقطة تحول فى تاريخ مصر المعاصر.. أثمرت محو عار الهزيمة بعبور المصريين خط «بارليف» والساتر الترابى وكسروا أسطورة جيش إسرائيل الذى لا يقهر.. وكان الانتصار حصادًا لتخطيط علمى دقيق وحاذق واستعادة لكرامة شعب.

رأيت أن الفيلم الذى أطمح إلى كتابة السيناريو الخاص به يحتوى فى هذه الحالة على شكل جديد ومثير دراميًا.. فهو يبدأ باتخاذ القرار.. وينتهى بنجاح الضربة الجوية.. فيصبح فيلمًا عن الحرب.. وليس فيلمًا حربيًا بالمعنى الحرفى والتقليدي.. كما أن الأيام التى سبقت ساعة الصفر يلعب فيها «الزمن الفيلمي» دورًا شيقًا يحبس الأنفاس فى تصاعد أحداثه وعظمة تحدياته.. وتلاحق مفاجآته فى إيقاع متواتر بالغ الإثارة.
تقدمت بالمعالجة الدرامية مستعينًا بكتاب «حدث فى أكتوبر» لصلاح قبضايا، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المراجع أهمها كتاب «أكتوبر» لـ«هيكل».. وتقدمت بكل هذا  إلى الأستاذ الراحل الكبير «ممدوح الليثي» الذى كان يرأس جهاز السينما فتحمس لها واقترح تغيير العنوان إلى «وبدأت الضربة الجوية»، وحازت المعالجة على موافقة الجهات الرقابية وقيادات القوات المسلحة.. ثم انتهيت من كتابة السيناريو بالكامل.
تبدأ الأحداث بالاجتماع التاريخى للرئيس السادات مع قيادات الأسلحة المختلفة للقوات المسلحة ووزير الحربية «محمد صادق» والذى قرر فيه أننا قادرون بما لدينا من إمكانيات على خوض معركتنا الفاصلة والنصر فيها مهما كانت الإمكانيات وفى ظل أسوأ الظروف.. ويصطدم فى هذا الاجتماع بالفريق «صادق» صدامًا حادًا فى مشهد عاصف حيث يتهمه بإحباط معنويات الجنود والضباط بالتأكيد الدائم من خلال اجتماعاته المتوالية بهم أننا لا يمكننا خوض معركة التحرير بإمكانياتنا الضعيفة بعد تدمير العدو لطائراتنا فى (67) وتخاذل الروس فى مساعدتنا.. ويقرر «السادات» فى نهاية المشهد الاستغناء عنه وتعيين الفريق «أحمد إسماعيل» وزيرًا للحربية اعتبارًا من أكتوبر (1972) وكلفه بالعمل مع رجاله الأكفاء بما يتوافر لدينا من إمكانيات بشرية وعسكرية لخوض المعركة خلال عام على الأكثر، متمسكين بإرادة الأبطال والثقة بالله من خلال إعداد خطة محكمة.
تبدأ المشاهد فى التوالى والتى تشتمل على اجتماعات «أحمد إسماعيل» بـ«الجمسي» الذى يرى ضرورة خروج القوات من الخنادق ليتحول تفكيرها من الدفاع إلى الهجوم من خلال التدريبات الجادة والمركزة، بالإضافة إلى استغلال ما يتوافر لدى القوات من أسلحة دون انتظار أسلحة جديدة قد تأتى وقد لا تأتى، مع أهمية وضع خطة لخداع العدو وتحقيق المفاجأة بعبور قناة السويس بأقل الخسائر الممكنة.. والوصول إلى أقصى نسبة من التعاون مع الجبهة السورية لاستغلال الاتفاق السياسى القائم بالفعل فى تحقيق النجاح العسكرى على الجبهة.. ويكلف الفريق «أحمد إسماعيل» اللواء «الجمسي» بإعداد دراسة دقيقة ومستفيضة لاختيار أنسب التوقيتات لبدء الهجوم على المسارين المصرى والسورى .. وبعد عمل علمى وجاد ودراسة جميع المعطيات والتغيرات يصل اللواء «الجمسي» إلى أنسب التوقيتات وهو يوم السادس من أكتوبر من عام (1973) يوم «عيد الغفران» فى إسرائيل.. ويبدى «السادات» إعجابه بتلك الدراسة المهمة وما توصلت إليه من نتائج ويوصى بالتنسيق مع الجانب السورى والتشاور معهم حول تلك النتائج.
وفى مشهد طريف يجسد السرية التامة.. وفى هيئة سياح يصل القادة العسكريون السوريون إلى الإسكندرية للاجتماع بالقادة المصريين.. يليه اجتماع سرى آخر بين الرئيس «السادات» والرئيس «الأسد» فى دمشق لبحث ما تم التوصل إليه فى الإسكندرية، ويقدم «الأسد» تفويضًا كاملاً لـ«السادات» باعتباره القائد الأعلى للقيادة الموحدة للدولتين لاتخاذ ما يراه مناسبًا من حيث بدء الهجوم على الجبهتين.
ويواصل المصريون خطتهم الخداعية على جميع الجهات لترسيخ فكرة أن الجيش المصرى لن يحارب - على الأقل فى الوقت القريب - وأن كل ما يقوم به من تحركات ما هو إلا للاستهلاك الإعلامى وتهدئة الجبهة الداخلية الثائرة على الأوضاع الراهنة. مشاهد التدريبات تتوالى للوصول إلى الطريقة المثلى التى تستطيع بها القوات اقتحام خط بارليف وعبور القناة.. وفى عملية بطولية نادرة ينجح رجال الضفادع البشرية فى إعداد خطة للتخلص من سلاح مهم يمتلكه الإسرائيليون، وذلك بالتخطيط للعبور تحت سطح القناة لسد فتحات مواسير النابلم قبل اليوم المحدد للعبور.. وتتصاعد خطة الخداع الاستراتيجى مع اقتراب ساعة الصفر وتتواصل الاستعدادات السرية على الجبهتين المصرية والسورية، حيث يسافر الفريق «أحمد إسماعيل» سرًا إلى دمشق للتأكيد على مدى جاهزية الجيش السورى لخوض الحرب فى الموعد المحدد.
تقترب ساعة الصفر.. وتتصاعد التحركات على الجبهة.. وأثناء استغراق «موشى ديان» فى النوم يتلقى مكالمة تليفونية تخبره أن الحرب سوف تقع خلال ساعات.. يصاب بالفزع.. ويخبر رئيسة الوزراء «جولدا مائير» بالأمر.. ويعقد اجتماعًا مع «أليعازر» رئيس الأركان فى مكتبه والذى يصر على استدعاء الاحتياط.. وتوجيه ضربة وقائية لسوريا.. إلا أن «ديان» يرفض ويوافق على تعبئة جزئية.
يستيقظ الرئيس «السادات» صباح يوم 6 أكتوبر على تقرير سرى يؤكد معرفة إسرائيل نية «مصر» و«سوريا» دخول الحرب فيبادر بالسؤال عن القطع البحرية المصرية التى تحركت منذ أيام فى البحرين الأبيض والأحمر.. ويطمئن على آخر الاستعدادات لبدء الحرب وأهمها تحرك قوات الصاعقة لسد مواسير «النابلم»، حيث لن يظهر أثر تلك العملية إلا بعد بدء العبور فعليًا.. وعندما يحاول العدو استخدام هذا السلاح فيكتشف أنه خارج الخدمة.. يدخل الرئيس «السادات» قاعة العمليات ليتابع مع القادة العمليات والخطط على الخرائط الشفافة..
وتسرع جولدا مائير بالاتصال بالسفير الأمريكى لدى إسرائيل وتحمله رسالة إلى «كسينجر»، وتؤكد أن الموقف خطير ولا بد من تحرك أمريكى سوفيتى لإنقاذ الموقف، حيث إن المعلومات تؤكد تحرك «مصر» و«سوريا» لدخول الحرب ضد إسرائيل التى لن تكون البادئة، لكنها سوف ترد بعنف وشراسة إذا قامت الحرب بمبادرة من المصريين والسوريين.
بينما فى مركز القيادة المصرية يتم ضبط الساعات.. وترفع خرائط المناورة التدريبية.. (تحرير 23) لتوضع بدلاً من خرائط العملية الهجومية (بدر)، حيث تقترب ساعة الصفر (الساعة 14.5)، بينما تقطع الإذاعة برامجها لتذيع بيانًا وهميًا يؤكد قيام قوات إسرائيلية بمهاجمة موقع الزعفرانة المصري، مما يعد خرقًا لوقف إطلاق النار.. وأن هذا سوف يؤدى بالقوات المصرية للرد على التحرك الإسرائيلى المفاجئ.
تصدر الأوامر للطائرات المصرية التى تخطى عددها المائتين بالتحرك على ارتفاعات بالغة الانخفاض.. وفى وقت واحد لضرب الأهداف المعادية فى تمام الساعة (س) ساعة الصفر.. وفى نفس الوقت الذى يطلق فيه حوالى (2050) مدفعا نيرانه المكثفة على أهداف العدو فى الجانب الشرقى ليفاجأ العدو أن نيران الجحيم قد انفتحت فوهاتها عليه.. وتنطلق صفارات الإنذار فى اتجاه إسرائيل .. ويتم استدعاء القادة العسكريين على وجه السرعة إلى مركز القيادة.
على الجانب المصرى .. يتابع «السادات» و«أحمد إسماعيل» والقادة فى لهفة شديدة نتائج الضربة الجوية الأولى فى انتظار لعودة الطائرات المصرية التى تعود إلى قواعدها بعد تنفيذ الضربة بنجاح كبير وخسائر لم تتعد خمس طائرات.. يتبادل الجميع التهنئة بينما يرفرف العلم المصرى لأول مرة منذ سنوات على شرق القناة.
شرع جهاز السينما فى اتخاذ الخطوات التنفيذية للعمل.. وبدأ ترشيح الممثلين والممثلات بقيادة المخرج الكبير «على عبدالخالق» وسط اهتمام إعلامى كبير.. وترحاب ملحوظ بعد طول غياب للسينما المصرية عن تجسيد هذا الحدث العظيم فى فيلم درامى ذى صبغة تاريخية ووثائقية.
لكن ثورة يناير تندلع.. وتتوقف الجهات الإنتاجية عن العمل.. ومنها جهاز السينما الذى تبنى المشروع بالاتفاق مع وزارة الإعلام والقوات المسلحة.. وقد مات هذا الجهاز تمامًا.. ولم يعد له وجود.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن.. وفى ذكرى حرب أكتوبر كل عام.. تنشط الأقلام الصحف وتحاصرنى وتحاصر المخرج بالأسئلة المتكررة عن الأسباب التى أدت إلى عدم ظهور الفيلم للنور.. وهل لاسم الفيلم «وبدأت الضربة الجوية» علاقة بالأمر؟.. باعتبار أن الرئيس المخلوع «حسنى مبارك» صاحب تلك الضربة الجوية هو بطل الفيلم.
والحقيقة التى مللنا من كثرة الإجابة عنها  أن الشخصيات الرئيسية التى احتوى عليها سيناريو الفيلم هم بترتيب الأهمية: الرئيس الراحل «أنور السادات» صاحب قرار الحرب وبطل العبور.. والمشير «أحمد إسماعيل» والفريق «الجمسي» و«سعد الشاذلي».. ويأتى بعد ذلك قواد الأسلحة المختلفة ومنهم «حسنى مبارك» الذى لا يمكن إنكار دوره فى وضع خطة تدريب الطيارين المصريين.. والوصول بهم إلى أقصى درجات الاستعداد لخوض المعركة المنتظرة.. ثم خطة ضرب الأهداف المعادية التى سيكون نجاحها مفتاحًا للنصر.. وتتويجًا للجهود المضنية التى قام بها الجميع على كل الجهات.
ولا أتصور بأى حال من الأحوال أن نلغى هذا الدور بصرف النظر عن توقيت تصوير وعرض الفيلم وإلا وصمنا بعدم الأمانة وتزييف حقائق التاريخ.. مثلما ألغينا دور اللواء «محمد نجيب» وعلاقته بثورة يوليو (1952) فى المناهج الدراسية.. ومثلما كشطنا صورة الملك فاروق فى نيجاتيف الأفلام المصرية. 