
محمد جمال الدين
الثورة فى حاجة إلى ثورة
خمسة وستون عاما بالتمام والكمال مرت على ثورة 23 يوليو، التى حولت مصر من نظام الحكم الملكى إلى نظام الحكم الجمهوري، ثورة أعلنت ستة مبادئ، أغلب من عاصرها فى هذا الوقت رآها جيدة، ولكن من لم يعاصرها تعرف عليها من خلال كتب التاريخ، ولكن الآن وبعد مرور السنين، هل مازالت هذه المبادئ موجودة وتحققت على أرض الواقع؟، أم أننا فى حاجة إلى ثورة جديدة ومبادئ بديلة تحقق لنا حياة ديمقراطية سليمة فى ظل توافر عدالة اجتماعية لجميع أفراد الشعب دون السماح لسيطرة رأس المال على مقدراتنا؟.
البعض يرى أن الثورة قد انتهت، وأن ما كان يصلح للفترة التى قامت من أجلها الثورة انتهى على أرض الواقع، وآخرون يرون أن الثورة هى المسئولة عن الحال الذى وصل بنا الآن بعد أن حلت الأحزاب وأصبح لدينا أحزاب لا يعرفها أحد، تملك من المقرات أكثر بكثير مما تملك من الأعضاء، وأصبح هناك نظام مركزى تحكمه بيروقراطية عفنة سمحت للفساد والمفسدين أن يتحكموا فى عباد الله، وحتى مجانية التعليم التى أكدتها الثورة على لسان قادتها ذهبت مع الريح وفسد نظام التعليم المصرى مثلما فشل كل قطاع فى أجهزة الدولة، وأصبحت الغالبية العظمى من ميزانية الأسرة المصرية تذهب للدروس الخصوصية، وسيطر رجال الأعمال ومصاصو الدماء على كل شيء «حتى السياسة لم تسلم من احتكارهم»، وما بين هذا الفصيل وذاك لم يعد هناك وجود لأغلب المبادئ التى قامت من أجلها ثورة 23 يوليو، رغم إيمانى المطلق بأن الظروف والمعطيات التى كانت سببا للثورة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تنطبق على العصر الحالى الذى شهد ثورة فى التكنولوجيا ووسائل الاتصال والمعرفة، وجميعها ظروف لم تكن موجودة وقت قيام الثورة، التى ركزت جل همها فى طرد المستعمر والقضاء على الإقطاع وبناء اقتصاد قوى لمحاربة الفقر والقضاء على الأمية بتشجيع تلقى العلم، ومع سياسة الاقتصاد الحر والمنافسة غابت العدالة الاجتماعية وغاب تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب الواحد وأصبح شعار «متعرفش أنا ابن مين؟» هو من يحكم المجتمع، وفى ظل انتشار ظاهرة الواسطة والمحسوبية رفض المجتمع قبول فكرة أن يتولى أحد أبناء الطبقات الدنيا منصبًا كبيرًا فى الدولة بحجة عدم وجود سند مادى ومعنوى يدعمه، وتناسى من بيدهم الأمر أن «جمال عبدالناصر» ابن بوسطجي، «وكأن المناصب والوظائف فى مصر يتم توريثها» مؤكدًا أنه بعد تفشى هذه الأمراض فى المجتمع المصرى انتهت عمليا ثورة 23 يوليو ولم يعد باقيا منها سوى احتفالنا بها سنويا تخليدا لذكرى شباب مصرى حر قام بها حاملا كفنه بين يديه ولم يخش الملك ورجاله والمستعمر الإنجليزى لذلك.. لم يبق لدينا سوى أن نتمنى ونحلم بثورة جديدة تقضى على كل هذه الأمراض حتى نرى فتاة مثل ابنتنا «مريم» بنت «البواب» تجد مكانا لائقا بها وبتفوقها عندما تتخرج فى الجامعة ولا تجد من يقول لها نأسف فى قبول تعيينك فى هذا المنصب لأن مستوى أسرتك المادى والمعنوى «مش ولابد»، وقتها فقط سنعرف أن ثورة يوليو مازالت خالدة فى قلب كل مصري، مسلم ومسيحي، شاب وشابة، رجل وامرأة، حتى تتبوأ مكانتها اللائقة بين الأمم، بعيدا عن الدراويش وأصحاب الفرح ومن أيد ومن اعترض.