
هناء فتحى
مرحلة ما بعد رامز جلال
اقتحم شرطيان فى الجزائر أحد البلاتوهات أثناء تصوير برنامج مع الكاتب الجزائرى الكبير «رشيد بوجدرة » وتحت تهديد السلاح- والكاميرا شغالة - أجبراه على نطق الشهادتين والعودة إلى الإسلام وإلا سيفرغان الأعيرة النارية فى رأسه.. خوفاً ورعبا نفذ الرجل أوامرهما.. وفى لحظة واحدة انفجر الاستديو بالضحك.. لأن ده كان مقلباً من برنامج الكاميرا الخفية الجزائرى !!!! الكاتب المسلم المتهم زوراً بالإلحاد يسخر منه الإعلام الجزائري ويجبره علنا على الدخول فى الإسلام !!! تراهم قد سخروا بمن: رشيد بوجدرة أم بالدين ؟
هل ثمة ضرورة أن أحكى لكم أولا عن «رشيد بوجدرة» ؟.. الكاتب الجزائرى الكبير قبل أن أروى عن الإهانة والترويع الذى تعرض لهما فى إحدى ليالى رمضان داخل حلقة من حلقات برنامج جزائرى سخيف يشبه برنامج لدينا فى مصر للكائن الأسخف رامز جلال.. يا للفخر: لقد صارت الكاميرا الخفية هى الكاشفة الفاضحة لهواننا وقلة قيمتنا من المحيط إلى الخليج وقد تسابقت وفى سعار غريب تليفزيونات كل البلدان لإنتاج برامج مشابهة ومن أجلها ترصد محطات الأوطان ملايين الدولارات.. أغلبها يحصل عليه الضيف بعد مرمطته وأحياناً قبل المرمطة.. حسب مكانة النجم ووجاهته وقيمة موهبته وشهرته ودرجة إتقانه للمذلة أمام الكاميرا والمشاهدين اللى المفروض يموتوا من السخسخة.
أن تشطح برامج مقالب الكاميرا الخفية لهذا الحد فى الجزائر بلد المليون شهيد.. فهذا عادى وعادى جدا وهو الشعب الذى اعتاد من الاحتلال الفرنسى على حمل السلاح والإبادة الجماعية.. بل وهو الشعب الذى اعتاد منذ سيطرة جبهة الإنقاذ الإسلامية على البلاد اعتاد أيضاً على حمل السلاح والإبادة الجماعية، كان المسلحون المسلمون فى الجزائر يذبحون أهالى قرى بأكملها بعد أن ألغت السلطات نتائج انتحابات برلمانية فازوا بها عام 1991.. لذا لا تسأل لماذا يصبح برنامج المقالب «رانا حكمناك 2017» أى «قبضنا عليك» الجزائرى مسلحا ودمويا بينما برنامج رامز جلال يادوب بيتفوا فيه على وش بعض.. أى يكتفون بالبصق والسباب والشرشحة للمذيع.
الكاتب الجزائرى الكبير رشيد بوجدرة صاحب الـ 30 كتابا فى الرواية والشعر والمسرح والسيناريو وأمين عام اتحاد الكتاب الجزائريين السابق والأستاذ المحاضر بكبريات جامعات العالم الغربى وأمريكا صار سخرية ومقلباً وفزورة رمضان هذا العام .. أن نصل لنسخر من مفكرينا ونمجد الحرامية والهليبة والنصابين والجهلاء فقد جلسنا فى أسفل السافلين.
طبيعى جداً أن يكون «رشيد» شيوعيا فى بلد تشهد أعتى صراعات بين الديانتين الإسلامية والمسيحية بعد احتلال طويل صبغ فيه المحتل الفرنسى لغته ودينه وعصبيته وعنصريته وانتهازيته على مجمل الأراضى الجزائرية منذ عام1830 حتى عام 1954 بعد كفاح مسلح ومليون شهيد .. بعد استقلال الجزائر انضم الكاتب إلى الحزب الشيوعى الجزائرى عام 1961.. وكانت هذه كلها فترة مد ثورى عربى وتحرر من الاحتلال لكل بلاد القارتين الإفريقية والآسيوية.. ولذا كان طبيعياً وجود الأحزاب الشيوعية.
رشيد بو جدرة كما كل أقرانه الروائيين الجزائريين الذين كتبوا بعد الجلاء الفرنسى روايات تعنى بالبطل الجزائرى الباحث عن ذاته البانى مجتمعا اشتراكيا بعد الاستعمار.. وهو الكاتب المسلم المتصوف الذى اخترق التابوهات الـ 3 فى مجمل أعماله : «التطليق» و«الحلزون العنيد» و« القروى» و«العسس» و«الإرث» وفوضى الأشياء «و» ألف عام وعام من الحنين... له سيناريو فيلم بعنوان «وقائع سنوات العمر» حصل على السعفة الذهبية فى مهرجان كان 1952.
هذا الحرج الذى سببه البرنامج للحكومة الجزائرية بعد رفض وغضب واستنكار واستهجان كافة قطاعات الشعب الجزائرى والشعوب العربية جعل الحكومة والقناة التليفزيونية تعتذر للكاتب الكبير بعد أن تظاهر معترضا مع المعترضين شقيق الرئيس الجزائرى بوتفليقة.