
هناء فتحى
من الإخوان إلى السلفيين يا قلبى لا تحزن نقابتا المهن التمثيلية والموسيقية بالنقاب
التراب الذى أهاله المهندس المقاول «إبراهيم محلب» فى وجه الفن والثقافة قبل خروجه من الوزارة سيظل يطمس ويغبر معالم الروح المصرية لسنوات طوال.. فلم يكتف الرجل بإنشاء صرح من مجلس وزراء سلفى ليس أوله وزير الثقافة، وليس آخره وزير التعليم والأوقاف.. لا.. بل حرص الرجل على أن يردم بالطين والزفت قبل رحيله على جثث النقابات الفنية - التمثيلية والموسيقية، ولا أقصد به تحديدًا اختيار «أشرف زكى» و«هانى شاكر» بتوليهما رئاسة نقابتى المهن التمثيلية والموسيقية.. لأن أعضاء النقابتين من الفنانين الكبار والموسيقيين العظام بالإجماع الساحق هم من اختاروهما وليس إبراهيم محلب!!، وتلك هى المعضلة أو المهزلة، لأنه لا أحد من الفنانين والمطربين كان يعلم الغيب ويضرب الودع ويكتشف أن مجمل هموم النقيببين هو مطاردة الفنانين بدلاً من ترميم الفن وبناء رؤى مغايرة أكثر قيمة، تنافس السلع الرديئة المطروحة على الساحة منذ السبعينيات.. أما المصيبة الأعظم فهى وجود حقيقى وجارف لعدد من المعجبين بكل ما يصدر عن النقيبين من قرارات أو إحياء قوانين قديمة، والتى هى ضد الفن، ومن هؤلاء المعجبين والمعجبات «قبضايات» يجيدون فنون الردح والبذاءة لو حاول أحد انتقاد الرجلين.. وأتخيل أنها معضلة جيل كامل كشفت عنه أحداث يناير 2011 وثورة يونيو 2013.. وجميعهم يملأون فضاءات «الفيسبوك».
تبدو مسئولية إبراهيم محلب أنه أتاح المناخ المناسب لولادة أجنة سلفية الهوى داخل بنية الروح المصرية والتى ما إن تخلصت من الإخوان حتى أتحفونا بالسلفيين.. 12 حزب دينياً.. أضف إلى ذلك نقيب موسيقيين يفتش على ملابس المطربات.. ونقيب ممثلين فرحان قوى بحصوله على الضبطية القضائية على الفنانين.. شفت الحلاوة يا عسل؟
خمس سنوات عجافا ونحن نرى ملامح العالم كله وهى تتبدل من حولنا.. فتنقلب الأرض والبحار والسماوات بساكنيها على ساكنيها.. ويزيح الموت من طريقه كل أسباب الحياة.. حتى صار الكون أرضًا وبحرًا من حولنا أطلالاً ومقابر.. نزوح جماعى واغتراب.. أوطان تخلت عن ساكنيها.. والريح فيها تنشط بالدم والتراب.. والسماء صامتة تكتفى بالفرجة علينا!!.. ثمة جنون لا تسعه العقول.. وبدلاً من أن تصبح الثقافة والفن هما آخر أبواب الروح المطلة علينا والمؤدية إلى أقدامنا المتعبة.. وبدلاً من أن تصبح الثقافة والفن هما الأمل الأخير فى أن يسترد بعضنا لبعضنا يوماً ما.. وبدلاً من أن تصبح الثقافة والفن تأريخًا وأرشيفًا للذات العربية المفقودة بفعل فاعل منا.. تصبح الثقافة والفن مشانق وسكاكين للجسد النازف بغزارة.. ولو سألت نفسك: ولماذا لا يسعى نقيبا الموسيقى والتمثيل للاهتمام بصناعة سينما ومعزوفات قادرة على ترجمة حجم الألم الذى ينقح فى خلايا الروح؟ لن تجد إجابة.. فالرجلان يبدو وكأنهما جاءا فى أعقاب الهباب الذى أثاره المهندس المقاول إبراهيم محلب فى وجوهنا حين دخل الوزارة وحين غادرها.. وكأنهما يقفان فوق أطلالنا يثيران التراب لو هدأ ويهيلان الغبار لو سكن.