
محمد جمال الدين
وزراء.. على ما تفرج
وكأنه كتب على هذا الشعب أن يعانى من تبعات وويلات الفساد المستشرى إلي ما لا نهاية.. فأينما ذهب تواجهه أركان الفشل المقرون دائما بالفساد، فلا يجد من يمد له يد العون والمساعدة، وللأسف أن هذا يتم وبمنهجية واضحة علي يد البعض من كبار المسئولين من أمثال وزير الصفر ووزير الرشوة مرورًا بوزراء الاستثناءات والحوادث والموت ليصبح هذا الشعب وبدون أدنى شك مغلوبا على أمره وعلي يقين بأن بصيص الأمل الذى تمسك به عقب ثورتين منعدم ولا وجود له أصلاً، بل إنه لا يستطيع أو حتى يحاول أن ينال منه ولو جزءا بسيطا يساعده على مواجهة الحياة، ورغم هذا السواد جاءت وقائع القبض على وزير الزراعة مؤخرًا لتعيد له الأمل مرة أخيرة لأنها المرة الأولى فى مصر التى يتم فيها القبض على مسئول كبير دون أن تحفظ التحقيقات فى الأدراج فى نسف صريح لقاعدة «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح».
هذا الوزير بالتحديد يعد الوزير الوحيد فى الحكومة الذى صدعنا ليل نهار بقوله بأنه لا تستر على مخالفة أو فساد، وأن القانون فوق الجميع لتحقيق العدل والمساواة، وهو نفسه الذى وصف الفساد فى وزارته بأنه «يلف.. يلف ويبات فى الوزارة» مما جعل المواطن يثق فيه وفى أقواله الداعية لمحاربة الفساد الذى عشش داخل الوزارة، ولكن هيهات فقد ذهبت كل هذه الآمال والأمنيات إلى أدراج الرياح بعد أن اكتشف أن الوزير هو الراعى للفساد الذى يدعى محاربته مقابل الحصول على فيللا أو عضوية ناد أو تكاليف إفطار رمضانى أو رحلة حج لهذا أو لذاك.
وبمرور سريع على وزير آخر وهو للأسف وزير التربية والتعليم، نجد أن ما حدث فى وزارته مؤخرًا يؤكد للقاصى والدانى بأنه ليس هناك تربية أو تعليم وإلا فبماذا نفسر ما حدث للابنة «مريم ملاك» وحصولها على صفر فى جميع المواد، على الرغم من تقرير الطب الشرعى الذى أكد أن ورق إجابة مريم صحيح وبخط يدها، إن الشارع لا يصدق التقرير الذى شارك فيه خبراء للخطوط، لأن نفس هذه الوزارة أعادت لما يقارب من عشرة آلاف طالب وطالبة فى الثانوية العامة درجات سبق أن تم إهمالها عند تصحيح ورق إجاباتهم وعقب تظلمهم من الدرجات التى حصلوا عليها.
هذه الواقعة تحديدًا فى أى بلد متحضر تتطلب من المسئول عنها ــ وهو هنا الوزير ولا أحد غيره ــ بتقديم استقالته على الفور بدلا من تحدى الناس، لأن التلاعب فى مستقبل طالب ومستقبل أسرته لا يرتضيه أحد.
ناهيك عزيزى القارئ عن تسريب امتحانات الثانوية العامة وانتشار ظاهرة الغش وتصريحاته المتتابعة عن القضاء على الدروس الخصوصية وإغلاق المراكز الدراسية والتى بدأت الدراسة فيها منذ الشهر الماضى وهذا لمعلوميته فقط.
قرارات.. قرارات تصدر من الوزير يؤكد من يتلقونها بأنها ليست سوى أحلام تسكن فى رأس الوزير ليلا، وتتبخر عندما يطلع عليها النهار، ولا يتبقى منها سوى التصريح الدائم بتطوير المناهج وطبعها على سيديهات وإنشاء قنوات تعليمية لمساعدة الطالب، فى ظل اهمال واضح للمدرس غير المعد جيدًا وكثافة فصول رهيبة لا تبشر بأى خير أو أمل فى العملية التعليمية لأنها فى النهاية تصريحات هدفها «الشو الإعلامي» فقط.
وإذا كان هذا هو حال التعليم من الابتدائى إلى الثانوى فإن حال التعليم الجامعى لا يفرق عنه كثيرًا لأن من يقوم عليه حاليًا لا يجب أن يسمى بأنه وزير للتعليم العالى وإنما هو وللأمانة وزير للاستثناءات باختراعه لبدعة التوزيع الجغرافى والتى من خلالها حرم أبناء الأقاليم المتفوقون من الالتحاق بكليات القمة، ثم جاءت ثانى بدعة بمنحه تفويضًا من المجلس الأعلى للجامعات باستثناء أبناء الأكابر فى النقل بين الكليات، مهدرا بذلك أبسط مبادئ العدالة والمساواة التى يحددها دستور البلاد وينص عليها صراحة، ثم عاد سيادته واعتذر بل وأنكر هذا التفويض عقب حالة الغضب التى انتابت المجتمع منه ومن أفعاله وأنه لم يقصد ما فهمه الناس.
وكما يقال دائمًا أن الاعتذار عن الخطأ لهو أمر محمود، ولكن السؤال هنا كم وزيرًا من حكومة المهندس محلب عليهم أن يعتذروا للشعب؟! من جراء ما فعلوه فى حقه وتناسيهم عن قصد أو من غير قصد رعاية مصالحه وحمايته فهل سيعتذر وزير الصحة عن سوء الخدمة فى المستشفيات وعن غرف العمليات الملوثة والتى تسببت فى وفاة طفلة وخروج الديدان من فمها؟ وهل سيعتذر وزير النقل الذى ليس له علاقة بالنقل أصلا عن نزيف الدم الذى يراق يوميًا وليل نهار بسبب حوادث الطرق والقطارات؟ وهل سيعتذر وزير الصناعة عن قراراته التى يصدرها دون بحث أو دراسة ثم تلغى بعد يومين «منع تصدير الأرز واستيراد القطن».
وأخيرًا هل سيعتذر المهندس إبراهيم محلب لنا نحن الشعب رغم جهده الذى لا ينكره أحد عن اختياراته غير الموفقة لوزراء لم يعملوا بأمانة وجد لصالح مصر وشعبها؟!.