«مصر» دولة مؤسسات!
رغم أن ثورة 25 يناير 2011 قد أطاحت بنظام، وجاءت بعد سلسلة من المناورات فى المرحلة الانتقالية بنظام جديد، فإن النظامين «السابق والحالى»، هما صورة طبق الأصل، حيث مؤسسة رئاسة الجمهورية أصبح فى يدها مقاليد كل الأمور فى البلاد، وينازعها بعض الائتلافات التى تطلق على نفسها ثورية أو جهادية أو فئوية، مثلما كان فى النظام السابق، حيث كانت تلك المؤسسة، بيدها وبأوامرها يدار كل شىء فى البلد.
والجديد الذى دب بين أوصالها وأنهى عصرها، هو الطمع فى الاستمرار فى الحكم عن طريق التوريث «لنجل الرئيس» السابق والمحاولات التى تمت من بعض المؤسسات، وكذلك من بعض النخب السياسية ورجال الأعمال فى مصر، للانتقال داخل النظام نفسه من «الأب إلى الابن»!!
ولكن باء كل ذلك بفشل ذريع متوقع من أكثر المحللين السياسيين، وكتبوا ذلك وأعلنوه، ولم يصدقهم أحد، وكنت أنا للأسف أحد غير المصدقين بأن النظام ورموزه يمكن إزاحتهم فى أسبوعين مثلما حدث من 25 يناير إلى 11 فبراير من عام 2011 ولكنها إرادة الله، ثم قدرة الشعب المصرى التى تفجرت وأصرت على الرحيل، وسبحان الله العلى العظيم، بعد أن أفقنا على هذه الحركة الوطنية، وتنبأنا بمستقبل باهر نقلب فيه كل الموازين، ونعيد صياغة حياة الدولة والشعب المصرى، صياغة حديثة تدعمها ديمقراطية انتزعها شعب مصر، ولم يمنحه إياها، نظام حكم أو فرضها عليه نظام عالمى أو دولة عظمى، كما تدعى الولايات المتحدة الأمريكية فى عصر «بوش الابن» وسكرتيرته للخارجية الدكتورة «كونداليزا رايس» صاحبة نظرية «الفوضى الخلاقة»!!
بل انتزع شعب مصر حقه فى إنشاء نظامه ومستقبله السياسى، وكان ذلك لمدة أسبوع واحد فقط، بعد «خلع الرئيس السابق»، وسرعان ما تدهورت الأحوال واستطاع تنظيم «الإخوان المسلمون» أن يوجه دفة الأمة إلى «البرلمان قبل الدستور» وتوالت القصة المعروفة، حتى ما وصلنا إليه اليوم!
ورغم أننا نمتلك مؤسسة «رئاسة جمهورية» استطاع الرئيس، المنتخب، أن ينتزع حقوقه الدستورية، بقوة وحزم، وإخلاء الساحة السياسية من أى ازدواجية بعد أن أنهى عصر إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبلاد، كما أحال للتقاعد كلاًّ من المشير طنطاوى والفريق عنان، وأصبحت مؤسسة الرئاسة صاحبة السلطة الوحيدة الدستورية فى البلاد، وسرعان ما شكل لجانا استشارية، ومساعدين للرئيس، وكذلك تغييرات فى ظاهرها، أن النظام يضع ملامحه الجديدة ويؤسس «للنهضة» التى جاء بها الرئيس المنتخب «د.محمد مرسى» فى برنامجه الانتخابى، وأملنا وأمل شعب مصر خيرا بقرارات الرئيس، سواء فى التغييرات التى أحدثها، أو فى مجمل تحركاته الخارجية ومصاحبته لرجال أعمال من «مصر» ثم خطابه فى مؤتمر عدم الانحياز فى «طهران» أمام زعماء العالم من دول عدم الانحياز، ثم قراراته فى خصوص بعض ما شاب الأمة من خروج عن «حدود اللياقة» من بعض ممن يدعون بأنهم «شيوخ وأساتذة وفقهاء فى الدين، والتعدى على الفنانين والمثقفين، وكأنها حملة مسعورة على «مدنية الدولة المصرية»، فكان لقاء «الرئيس مرسى» بنخبة من الفنانين والأدباء، وإعادة المياه إلى مجاريها فى شرايين الحياة الثقافية المصرية، بعد أن تجمدت بخروج مثل الداعية «عبدالله بدر» أو الآخر «وجدى غنيم» عن حدود اللياقة، وعن سماحة الديانة الإسلامية، التى يدين بها للأسف جميع المتنازعين، وأصبحت «مصر» قاب قوسين أو أدنى، من أن تستمر فى التقدم، أو تستكمل مسيرة «التأخر والتقهقر» التى للأسف الشديد حلت على البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاما، وتدهورت أكثر بعد 25 يناير 2011 واصبحنا بين اختيارين اما دولة " اللحى والرجعية والتخلف " كل ذلك هو امتحان شعب "مصر " للسلطة الجديدة فى قصر الاتحادية