الاستمرار يولد «العفن»
ثلاثة أشياء تعفن بالاستمرار «الماء والدم والإدارة».. هكذا تعلمنا من سنة الحياة ومن بديهيات الطبيعة!
فالمياه الراكدة، التى لا تتحرك حتى لو بقذف الحجارة فيها تصبح ساكنة راكدة وقاتمة، وتلجأ إليها الحشرات المائية بما فيها البلهارسيا والقواقع والطحالب ولا يقبل بها حيوان للشرب أو حتى للاستحمام.
كذلك الدم حينما يسقط على الأرض يبقى ويتجمد ويتجلط ويزال كرقائق عضوية من فوق السطح الساقط عليه، والإدارة أيضا لها نفس خواص المياه الراكدة والدماء المسألة فإما إدارة متحركة، منعشة لمحيطها، ومبدعة فى قراراتها ومستحسنة اختياراتها، ومتمسكة بمعايير الحكم على الأفراد وعلى التصرفات وعلى القيم، ومنزهة عن الهوى، وعن المصالح الشخصية والوساطة والرشوة والمحسوبية وعن الكسب الحرام وعن التطنيش، على الفساد وعلى الانحراف، وفى ذلك التنزه عن الموبقات، ويكون للإدارة الحقة السليمة، حق السلطة على موقع عملها، دون انتظار لنفاق الموظفين أو رياء المتعاملين أو حتى انتظار شكر أو ثناء على الواجب.. كل هذه التعريفات بديهية، ومعلومة للقاصى والدانى مع بعض مراكز إدارة اتخاذ القرار، فى أى مؤسسة أو مصلحة أو وزارة أو حتى رئاسة الجمهورية، ولعل ما نطالعه على صفحات الجرائد وما نعانيه كأمة حباها الله كل عناصر النجاح والتفوق والخير، إلا أننا أصبنا بإدارات فاشلة فى كل مناحى الحياة فى مصر للأسف الشديد، ففى زمن ما قبل 25 يناير 2011 شاب الإدارة العجز والشيخوخة والاستمرار «العفن» دب فى أوصال الوطن!
وسمعنا عن مبررات للاستمرار فى هذا المناخ كثيرا من الأقاويل، كأن من يصلح لهذا المنصب، ومن يصلح بديلاً عن فلان أو علان!
وكأن مصر أصبحت عقيمة، وانتهى عصر خصوبتها وتعثرت فى ولادة قادة وساسة وإداريين واقتصاديين محترمين جدد، ولكن كل هذا تهدم، وأصبح فى خبر كان خلال ثمانية عشر يوما، خرج شباب الأمة يوم 25 يناير 2011 ولحق بهم شعب مصر كله حتى يوم 11 فبراير حيث أنهوا عهداً من الشيخوخة و«العفن» من الاستمرار فى السلطة وتحقق ما كنا ندعيه بأن الاستمرار يولد «العفن»، ولم يصدقنا أحد للأسف الشديد!
ونحن فى عصر جديد، نستبشر بقيادات جديدة جاءت بإرادة شعبية حتى ولو كانت ضئيلة، ولكن نتمنى أن تكون تلك القيادات، من قراء التاريخ ومتعظى التجربة، ولديهم من الخطط والحنكة السياسية ما يستطيعون به قيادة البلاد من فجوة مظلمة وصلنا إليها نتيجة نظام استمر إلى أن «عفن» فى موقعه.
فمصر بها القدرات الإدارية والإبداعية بما لا يحصى من جامعات ومراكز بحوث ومن خريجى المعاهد العلمية العالية المستوى، ولدينا من الأفراد وإمكاناتهم ما يستطيعون أن يقفزوا بهذه الأمة قفزات يستحقها شعب مصر إلا أن الأسباب وراء الاستمرار فى الإدارة، أسباب مضمونة من هؤلاء الذين استمروا فى الماضى والشائخون فى مناصبهم، فنرجو أن يكون لدى د. محمد مرسى وحكومته ما يمكنهم من مشاهدة الماضى وتحليله والعمل على عدم عودته، مرة أخرى فى صورة إعادة إنتاج نظام «عفن».. وهذا ما يخيفنى!