
محمد جمال الدين
القانون.. الذى ولد مبتورا !
فى أى مكان بالعالم تضع الحكومات القوانين ليتم تطبيقها على الجميع ودون أدنى استثناءات.. أما عندنا فى مصر فالوضع يختلف.. فبعد أن يأخذ القانون فترة فى بحثه ومناقشته حتى يتم إصداره، وقتها يخرج علينا جهابزة الانقضاض على القوانين ويعملون فى تشريحه والبحث عن ثغراته إلى أن يصلوا إلى عدم تطبيقه عليهم، أما البعض الآخر فليس بيده حيلة ويخضع «غصبا عنه» لسلطة القانون التى لا يعلو فوقها شىء.
حدث هذا عندنا مؤخرا وتم استثناء بعض الفئات من تطبيق القانون رقم 63 لسنة 2014 والخاص بالحد الأقصى لأجور العاملين فى الدولة، فبمجرد صدور القانون وتنفيذه أقيمت العديد من الدعاوى القضائية أمام المحاكم للخروج من تحت مظلته، أثناء تلك الفترة خرج من القطاع الحكومى من خرج أو قدم استقالته لأن أجره فى ظل القانون الجديد أصبح لا يناسبه، أغلب هؤلاء كانوا من العاملين فى البنوك وشركات البترول، كما لاقت الأجهزة الرقابية التى تعمل على تطبيق القانون الكثير من التعنت والصلف من قبل بعض الجهات الحكومية بامتناعها عن تقديم كشف رواتب العاملين فيها، وإن كان أغلبها قد استجاب باستثناء جهات قليلة لم تقدم ما يفيد حقيقة الرواتب حتى الآن بحجة أن القانون لا يشملها.
مع زيادة الدعاوى القضائية ضد القانون بحثت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فى أسباب رفع هذه الدعاوى وأصدرت فتاواها وكانت الأولى فيها لصالح الشركة المصرية للاتصالات، والأخرى لصالح العاملين فى البنوك المنشأة من خلال الشركات المساهمة والتى نصت بعدم خضوع العاملين فى شركات الاتصالات وكذلك البنوك للقانون لأن لهما نظاما قانونيا خاصا، حيث تأسسا من خلال قانون الشركات المساهمة وبالتالى لا ينطبق عليهما قانون الحد الأقصى، وكان هذا أول «مسمار» يتم دقه فى نعش القانون الوليد، ونصت الفتوى على أن الشركات المساهمة والبنوك يعتبران من أشخاص القانون الخاص، وبالتالى يعد العاملون فيهما غير خاضعين لقانون الحد الأقصى للأجور.
وعقب ذلك مباشرة أصدرت فتوى ثالثة من قبل الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بعدم خضوع أعضاء السلطة القضائية والنيابة لنفس القانون، واستندت الجمعية فى حيثيات فتواها إلى أن أعضاء السلطة القضائية ليسوا تابعين للجهاز الإدارى للدولة، وبالتالى فهم ليسوا موظفين عمومين ولا يخضعون لقانون العاملين المدنيين بالدولة، ثم عادت وأكدت فتوى الجمعية أن القضاة وأعضاء النيابة لهم كادر مالى خاص أيضا وبالتالى لا يخضعون لقانون الحد الأقصى، مثلهم فى ذلك مثل العاملين فى الشركات المساهمة والبنوك التى أسستها الحكومة أو شاركت فى رأسمالها.. وهذا تحديدا ما جعل المشرع يطلب من الحكومة أن تسعى إلى تدارك الأمر بعمل مشروع قانون يتلافى أى ثغرة قانونية فى قانون الحد الأقصى للأجور، بما يضمن عدم خروج أى فئة من تحت مظلته.
السؤال هنا: لماذا لم تشرك الحكومة الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فى قانون الحد الأقصى للأجور حتى لا يخرج إلى الحياة مبتورا ويطبق على البعض دون البعض الآخر لأن سياسة الانتقاء تؤدى فى النهاية إلى تدمير العلاقات الإنسانية والفرقة بين طبقات المجتمع.
ولماذا وحتى الآن لم تسارع الحكومة بتقديم مشروع قانون يتلافى هذه الثغرات التى ظهرت فى التطبيق رغم اتساع نطاق الفئات المستثناة على قانون قدمته ذات الحكومة؟ ولماذا نشعر بأن الحكومة لديها أذنان واحدة من طين والأخرى من عجين وبالتالى لا نستطيع أن تسمع صوت مواطنيها خاصة أنه كان عليها وقبل إصدار هذا القانون أن تدرسه الدراسة الكافية حتى لا نفاجأ بأن من كان معروضا أن يطبق عليهم القانون خرجوا من تحت عباءته ليصبح لدينا قانون فيه «زينب» رغم أن الغرض من إصداره كان تحقيق العدالة الاجتماعية فى الدخل بين العاملين فى قطاعات الدولة ولكنها آفة التسرع وعدم الدراسة التى ابتلينا بها ذهبت بنا إلى طريق آخر.∎