
محمد جمال الدين
الحوار الكاشف
أمر جيد ومستحسن أن تشارك الحكومة ممثلة فى رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب ووزير العدالة الاجتماعية وشئون مجلس الوزراء واللجنة المكلفة بتعديل القوانين المنظمة للانتخابات البرلمانية مع قادة الأحزاب السياسية فى حوار مجتمعى امتد لثلاث جلسات «استغرقت 13 ساعة كاملة» للوصول إلى صيغة مثالية تجرى على أساسها الانتخابات البرلمانية القادمة.
الحوار كما قلت أمر جيد ولكن السؤال هنا: ما هى المحصلة أو النتيجة التى خرجنا بها؟! للأسف النتيجة كانت صفرا كبيرا، «يسد عين الشمس» لأن السادة المتحاورين مشكوك فى قدرتهم على قيادة العمل السياسى فى مصر، فغالبيتهم إن لم يكن جميعهم ليس لهم وجود حقيقى فى الشارع، وبصراحة أكثر لا أحد يعرفهم إلا من خلال خبر هنا أو هناك خاصة بعد أن أصبح «عددهم فى الليمون»، فمن يصدق أن مصر بها أكثر من 90 حزبا ويتولى قيادتها أناس ليس لهم من هم سوى تحقيق أكبر قدر من المصالح، وإلا فبماذا نفسر التراشق والخناقات فيما بينهم من عينة «ده بتاع الإخوان وهذا فلول وهذا من المنتفعين بثورتى 25 يناير و30 يونيو»؟!
بالمناسبة هذه الخناقات تحملها واستمع إليها رئيس الوزراء فى هدوء وصبر واحتمال يفوق الوصف، وكأن الرجل بينه وبين نفسه يردد القول الشائع: «أنا اللى جبت ده كله لنفسى».
أفكار قديمة ومصالح شخصية واستعراض عضلات وصوت عال وعقول هرمة من مدعى السياسة كشفت بدون أن يكون هناك أدنى مجال للشك حقيقة النخب السياسية التى تريد أن تتحكم فى المواطن المصرى الذى لا يعلم عنهم شيئا فى الأساس، نخبة أعطت لنفسها الحق فى التفكير بدلا منا وهى أصلا لا تمتلك الفكر أو العقل الذى يعطيها الحق فى أن تفكر أصلا بعد أن انحصر تفكيرها فى الوصول إلى كرسى البرلمان والتمتع بالنفوذ والحصانة مثلما كان يحدث أيام الحزب الوطنى غير المأسوف عليه.
نخب أوضحت لنا من خلال هذا الحوار مدى ضعفها وعدم إدراكها للحظة التى يمر بها الوطن، نخب تفتقد الرؤية والبصر والبصيرة وتؤكد أن كياناتهم الحزبية التى شكلوها عقب ثورتين ليست أحزابا كرتونية كما يقال عنها، بل هى أحزاب «هشة» ولا وجود لها، أحزاب فشلت فى أن تكون قوائم انتخابية مكتملة، فسعت خلف أعضاء سابقين ووجوه قديمة لعلها تستر ماء وجوههما قبل أن يعرف الناس فى الشارع حقيقتها، أحزاب صدعتنا ليل نهار فى الجرائد والفضائيات بأنها تريد إجراء حوار مع الحكومة، وعندما تمت الاستجابة لهم لم يجدوا ما يقولونه، وتفرغوا لسب بعضهم البعض، فكشفوا أنفسهم أمام الشعب الذى كان من الممكن أن ينتخب بعضهم ليناقش ويشرع له فى البرلمان، الحوار كشف عن أن هؤلاء لا يستطيعون أن يجلسوا على مائدة واحدة تضم عددا محدودا، فما بالك عندما يشاركون فى حوار ومناقشات داخل قاعة البرلمان الذى يحدد مصير ومستقبل الوطن.
نحن ندرك أن الاستحقاق البرلمانى لابد أن يتم إنجازه، ولكن حتى يتم بصورة جيدة لابد أن يتصدر له من يملك الخبرة والمنطق والمعرفة حتى نضمن أن من يرسم ويضع خارطة المستقبل لنا وللأجيال القادمة على قدر هذه المسئولية بدلا من متصدرى الفضائيات وأصحاب المصالح من خلال أحزابهم «الهشة» التى لا يعلم الشعب عنها شيئا إلا من خلال بعض النشرات التى «ترزق» من خلفهم.. هؤلاء عليهم أن يشعروا بالخجل مما يفعلون لأن مستقبل هذا الوطن لن يتحقق إلا من خلال العمل الجاد والحقيقى بعد أن كشفوا أنفسهم قبل أن يكشفهم الشعب.
وإذا كان هناك من «ميزة» فى هذا الحوار فهى بالتأكيد تنحصر فى سقوط النخب والأحزاب السياسية ومن أول دور فى امتحان الحوار الذى بيَّن حجمهم ووجودهم.
ويبقى أخيرا الفضل للمهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الذى تحمل تبعات الحوار من سب وشتائم واتهامات بصبر يحسد عليه لكشفه هذه النخب، ولولاه ما عرفناها على حقيقتها.∎