
محمد جمال الدين
الصمت.. أو الإقالة
هل عاد بنا الزمن إلى الخلف مرة أخرى؟ وهل أصبح قول الحقيقة فى نظر البعض جريمة لابد أن يحاسب عليها من صرح بها؟ وهل لابد من الاستئذان من القيادات العليا عندما يتم تفنيد تقرير جاء على غير الحقيقة من قبل البعض فى الجهة التى يعمل بها أى مواطن وتؤثر فى الرأى العام حتى لا يتعرض للمساءلة والعقاب؟ وهل من يدعونا للانتباه من تغلغل عناصر الجماعة الإرهابية إلى مرافق وأجهزة الدولة للسيطرة عليها أصبح متهما بإفشاء أسرار العمل مما يجعلنا نحوله إلى التحقيق ثم الإطاحة به من منصبه لمجرد التصريح بالحقيقة.
ما دعانى لطرح الأسئلة السابقة هو خبر إقالة د.هشام عبدالحميد المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعى الذى سبق أن صرح فى أحد البرامج بأن 5٪ من العاملين فى مصلحة الطب الشرعى من الإخوان وبعضهم يتولى مناصب قيادية ويصدرون تقارير مهمة تتحكم فى مصير العديد من القضايا.
وبدلا من البحث والتدقيق فيما قاله المتحدث الرسمى تسارع الجهة المسئولة عن المصلحة «وزارة العدل» إداريا فقط وليس فنيا «لمن لا يعلم» باستدعاء د.هشام للتحقيق معه ويعقب ذلك الإطاحة به من منصبه بحجة عدم أخذ إذن من رئيس المصلحة لما صرح به.
ورغم خطورة ما صرح به المتحدث الرسمى الذى أطيح به، وبالتأكيد له أسبابه الذى دعته إلى قول ذلك، لأنه من المعروف أن بعض تقارير المصلحة، خصوصا فى القضايا التى تشغل الرأى العام نالها الكثير من التشكيك، وتحديدا فى مصداقيتها خلال الفترة الماضية، فمثلا فى عهد كبير الأطباء الشرعيين د.«إحسان كميل» والذى أجريت فى عهده تشريح جثة الشهيد «محمد الجندى» وجهت إليه اتهامات بالخيانة والعمالة للشرطة ولأجهزة الأمن، لمجرد أن تقريره أكد أن الجندى تعرض لحادث سيارة، فتم رفض تقريره وشكلت لجنة أخرى انتدب لرئاستها د.«ماجدة هلال القرضاوى» نائب كبير الأطباء وقتها، وجاء فى تقريرها أن سبب الوفاة يعود إلى التعذيب الذى تعرض له.
وللمرة الثانية يطعن فى تقرير د.«ماجدة» بعد أن ثبت أنه غير صحيح وتدخلت فيه الأهواء والانتماءات السياسية.. ويتضح بعد ذلك أن الهدف من تقرير د.«ماجدة» هو الإطاحة بكبير الأطباء الشرعيين د.«إحسان» للهيمنة على مصلحة الطب الشرعى لصالح الإخوان، نظراً لدور المصلحة المهم والمؤثر فى أحداث ثورة 25 يناير وانتشار ظاهرة العنف فى المجتمع بمجرد تولى الجماعة الإرهابية حكم البلاد.
ملحوظة: د.«ماجدة» صاحبة هذا التقرير تنتمى بصلة قرابة ومصاهرة مع عائلة الإخوانى «يوسف القرضاوى» الموجود فى قطر حاليا.
تصريحات المتحدث الرسمى «والذى أطيح به» عما كانت تصدره المصلحة من تقارير سابقة أغضب المواطنين وجمعيات حقوق الإنسان التى كانت تنتظر الحقيقة، فتقارير المصلحة فى قضية خالد سعيد مازالت فى الأذهان وأضرت بصورة كبيرة بالطب الشرعى فى مصر، لأنها أكدت أن خالد «مات عقب ابتلاعه لفافة بانجو»، والحقيقة أنه مات نتيجة لتأثره بالتعذيب، مما أدى إلى تأثر سمعة المصلحة حتى وقت قريب.
ولأن الأيادى المرتعشة كثيرة فكان غريبا على الأسماع أن يخرج علينا رجل يقول الحقيقة ولا ترتعش يداه ويتعامل بشفافية مطلقة مع الجميع وسعينا دولة وإعلام إلى مطالبة الناس بتصديقه والأخذ بما يقوله، فحولناه للتحقيق بتهم واهية وشكلية واتهمناه بالتشكيك فى قدرات زملائه فى العمل رغم أنها حقيقة لا لبس فيها، ويكفى أن كبير الأطباء الشرعيين على حد قوله حاصل على درجة دبلومة طب شرعى فقط، فى حين أنه حاصل على ثلاث درجات علمية «دكتوراه» منها واحدة فى الطب الشرعى، ثم نطيح به بعد ذلك لمجرد أنه أفشى أسرارا طبية وتقارير مهمة قدمها زملاء له فى أوقات يعلم الجميع ظروفها.
بصراحة إن الأمر مستهجن وغريب فى نفس الوقت، خاصة بعد قيام ثورتين غيرتا الكثير من مفاهيم وسلوكيات المصريين، وبدلا من شكره وتقديم التحية له لقوله الحقيقة تتم إقالته، بعد أن أعاد لنا الثقة فى تقارير مصلحة الطب الشرعى والتى لولاها ما عرفنا من قتل شيماء الصباغ ومن قتل المحامى كريم حمدى وغيره كثير.
ولمساعد وزير العدل ولوزير العدل نفسه ولرئيس مصلحة الطب الشرعى، ثم لرئيس الحكومة الذى يعمل بكل جهد أقول لهم: اتركوا الناس كل فى موقعه يعمل بضمير خالص لوجه الله ابتغاء معرفة الحقيقة، حتى لا ترتعش أياديهم لأنه بدون الحقيقة لن نعرف أخطاءنا، وأعتقد أن هذا هو المنهج الذى يتبعه الرئيس السيسى، ويكفى السنوات العجاف التى مرت بمصر والتى كانت تحاول فيها جماعة إرهابية اختطافنا، بل واختطاف مصر نفسها.∎