
رفيق جريش
الخطاب الدينى بين المنهج والمنهجية
البعض يحمل المؤسسات الدينية والخطاب الدينى مسئولية ظهور الأفكار المتطرفة التى ترهب الناس باسم الدين وهذا ليس صحيحًا
أصبح موضوع الخطاب الدينى وتجديده الشغل الشاغل للكثيرين، فى مقدمتهم الأزهر الشريف وإمامه الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب ووزارة الأوقاف ووزارة التربية والتعليم، إضافة إلى الكتاب والمفكرين وأجهزة الإعلام المختلفة وحتى من عموم الشعب، خاصة بعد أن نادى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مناسبات عدة بضرورة تجديد الفكر الدينى وخطابه سواء كان فى المناهج التعليمية أو فى العظات الملقاة على المؤمنين أو البرامج الإذاعية والتليفزيونية وغيرها من منافذ التعليم الدينى، وقد بدأت المؤسسات الدينية المختلفة، فى العمل على قدم وساق على تجديد المناهج التعليمية وتنقيحها وتحديثها وهذا أمر جيد ومهم، ولكن أرى أن قبل تغيير المناهج يجب أن يسبقه تغيير المنهجية التى تستعملها تلك المؤسسات لإيصال الإيمان والتعليم الدينى للناس، فإذا لم تتغير المنهجية مهما جئتم بمناهج جديدة لن تأتى بالتغيير المأمول، فالأسلوب المنهجى سيظل هو هو ولكن مع تغيير المنهجية وجعله ينتقل من الحفظ إلى الفهم ومن الانغلاق على التراث إلى الانفتاح على العصر ومن لغة جامدة عتيقة إلى لغة قريبة من الناس وجذابة خاصة الشباب ومن سرد النواهى والعقوبات إلى تقوية ضمير المؤمن وإرشاده إلى ما هو صحيح، فالبعض فى الداخل والخارج يحمل المؤسسات الدينية والخطاب الدينى مسئولية ظهور الأفكار المتطرفة التى ترهب الناس باسم الدين، رغم أن ذلك ليس بصحيح، فأصحاب الأفكار الإرهابية يطوعون بعض الآيات القرآنية أو أحاديث نبى الإسلام لتبرير جرائمهم والإسلام منهم براء. لذا الشعور بالمسئولية من قبل مؤسساتنا الدينية ووعيها بضرورة وحتمية تجديد الخطاب الدينى سيجعلها تبدأ بالمنهجية قبل المنهج لوضع الأسس التى سيتم عليها البناء الجديد.
الكنيسة الكاثوليكية لها خبرة فى هذا المجال رغم اختلاف الظروف إلا أنه لا بأس من تبادل الخبرات، فبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وظهور الأفكار وفلسفات كالشيوعية والاشتراكية والإلحادية والوجودية وغيرها أرادت الكنيسة الكاثوليكية أن تواكب العصر وتجد لغة مشتركة مع العالم الحديث خاصة الشباب الذى أصبح يترك الكنيسة بسبب جمودها، فقد باغت البابا القديس يوحنا الثالث والعشرون الجميع حتى المقربين منه وأعلن انعقاد مجمع سمى بالمجمع الفاتيكانى الثانى جمع فيه أساقفة العالم لبحث سبل تجديد وجه الكنيسة الكاثوليكية. لم يكن مجمعاً عقائدياً لأن العقائد لا تتغير ولا تتبدل ولكن مجمع رعوى يبحث علاقة الكنيسة بالمؤمنين وأولها تغيير الخطاب الدينى للكنيسة وتحديث أسلوب طرح المقاربات اللاهوتية (دون المساس بالعقائد كما قلنا سابقاً) من ناحية وانفتاح الكنيسة نحو الكنائس والأديان الأخرى من ناحية أخرى وهذا المجمع تطلب كثيرا من المجهود للتحرر من أساليب الماضى والانتقال إلى أسلوب الحاضر بل والانتقال نحو مستقبل أكثر إشراقاً كما أعطى للعلمانيين (الذين ليسوا رجال دين) ثقة ودوراً فى رسالة الكنيسة فى عالم اليوم، وقد نجح المجمع فى بعض التجديد ومازال العمل مستمراً يوماً بعد يوم وعلى جميع المستويات، بدءا من البابا حتى تفعل هذه التوصيات التى صدرت منذ خمسين عاماً. ولكن كانت نقطة البداية هى إيجاد المنهجية التى سار عليها المجمع الذى ظل سنتين كاملتين فى المرحلة التحضيرية للمجمع الذى انعقدت أولى جـلساته يــــوم 11 أكتوبر 1962 وامتدت أعماله على مدى أربع سنوات فى دورات أربع وانتهى فى 18 ديسمبر 1965 هذه خبرة أردت أن أشارك بها مشاركة بسيطة ومتواضعة. نحن نثق تماماً فى قدرة مؤسساتنا وعلمائنا بأنهم قادرون على إيجاد المنهجية الملائمة القادرة على مواكبة العصر وبعون الله تعالى على إحداث هذه الثورة الروحية والنقلة النوعية التى ينتظرها منهم الجميع.