
رفيق جريش
الخطاب الدينى والأبعاد الثلاثة
بمناسبة طرح موضوع «تجديد الخطاب الدينى» بشكل قوى على جميع المستويات، بدءًا من رئيس الدولة الرئيس عبدالفتاح السيسى ومناشدته القوية لرجال الدين والعلماء والمسئولين عن المناهج التعليمية فى تجديده، من المهم أن نرجع إلى المبادئ الأساسية التى ستحكم هذا «التجديد» فالدين، أيًا كان هذا الدين له ثلاثة أبعاد أو أوجه مرتبطة بعضها ببعض.
وهذه الأبعاد الثلاثة معاً تُكون الضمير الدينى للإنسان أيًا كان وأينما وجُد، وإذا انفصل أحد هذه الأبعاد أو أخذ مرتبة أعلى أو اهتماما أكثر من الآخر يصيب الضمير الدينى للإنسان بخلل جسيم وهذه الأبعاد أو الأوجه الثلاثة هى:
1- الإيمان
2- الاعتقاد
3- التدين
ولنعمق الأبعاد الثلاثة بشىء من التفصيل البسيط:
1- الإيمان: هو العلاقة الشخصية الحميمة بين الإنسان وربه فيه يسلم الإنسان حياته كاملة لله وفى ثقة متناهية ويعترف بالوحى الإلهى والعقائد الرئيسية كنتيجة لهذا الإيمان العميق وهذه الثقة الكاملة فى الله.
2- الاعتقاد: هو ترجمة كل ما أوحى به الله فى مجموعة عقائد ثابتة لا تتغير ولا تتبدل تحت أى ظرف من الظروف فهى أساسية لإيمان الإنسان بالله وتسمى «العقيدة» وعدم اعتقاد الإنسان بها يجعله خارجاً عن صحيح الدين وبعيداً عن الإيمان القويم.
3- التدين: هو التعبير عن الإيمان، وبالطبع العقيدة والخضوع لهما من خلال مجموعة من القواعد والممارسات العبادية (مثل الالتزام بالصلوات - الصيام - العشور أو الزكاة.. إلى آخره) يمارسها المرء إما وحده أى بينه وبين الله وأيضاً فى إطار الجماعة المنتمى الشخص إليها والتى تدين بنفس دينه وتمارس جماعياً نفس الممارسات العبادية والطقوس والصلوات والأدعية وما فيها من العبادات التقوية المستقاة من البيئة المحاطة والتقاليد الاجتماعية والموروثات وغيرها.
إذن فالمؤمن الحق والذى يسير على الصراط المستقيم هو صاحب الضمير الدينى الذى يعيش هذه الأبعاد الثلاثة بتوازن متساوٍ، وإذا غاب التوازن ظهرت المغالاة فى الأبعاد الأخرى والتى قد تؤدى للتعصب أو التطرف ورفض الآخر وإلى آخره من الشرور التى تشوه صورة الدين وسماحته واعتداله.
فالخلل يأتى عندما يختصر الشخص «الدين» فى مجموعة ممارسات وشعائر دون الاهتمام فى تعميق العلاقة الشخصية والحميمة مع الله تعالى ويقيس إيمان الشخص الآخر على مقياسه هو والذى لا يتعدى تلك الممارسات للشعائر والطقوس، أو العكس أيضاً قد يكون صحيحاً لو آمن الإنسان ببعض العقائد وترك الأخرى ويدعى أنه متدين دون أن يتعلم ويثقف إيمانه بتلك العقائد وشروحاتها الصحيحة، فتكون النتيجة إما إيمانا هشا يسهل الحيد عنه أو رفضه، أو إيمانا متعصبا ومتطرفا لأنه لا يعرف صحيح الدين فى اعتداله ووسطيته، أى توازنه بين الأبعاد والأوجه الثلاثة التى بيناها سلفاً.
وهنا يأتى دور رجال الدين والعلماء فى إرشاد وتوجيه رعاياهم من خلال خطابهم الدينى المعتدل والذى يبين ويظهر كيفية توازن المؤمن بين تلك الأبعاد الثلاثة للدين حتى يكون للإنسان ضمير دينى حى يعيشه الإنسان فى واقعه اليومى ويطبقه فى معاملاته وسلوكه بين الناس فى ألفة ومحبة وانسجام مع ربه ومع ذاته ومع الآخرين ويقوده بسلام فى آخر المطاف إلى اليوم الآخر.
أعتقد أن هذه الأبعاد الثلاثة هى التى يجب أن تحكم أى تطوير للخطاب الدينى، سواء فى العظات والمحاضرات التثقيفية أو المناهج الدراسية حتى نربى نشًأ متوازناً فى دينه ومفيداً لمجتمعه.∎