
محمد جمال الدين
غزوة العباسية وكشف المستور !
صدام لا مبرر له.. وكلام مرسل ليس له سوى معنى واحد يتردد بين الحين والآخر، مرة عن تزوير انتخابات الرئاسة، ومرة أخرى عن ضرورة تعديل بعض مواد الإعلان الدستورى الذى شارك فى إعداده بعض أفراد ينتمون قلبا وقالبا لقوى معينة سبق وأن وافق عليه من يريدون تعديله حاليا، وتأجيج للمشاعر من قبل بعض القوى ضد المجلس العسكرى واتهامه بافتعال الأزمات حتى لا يسلم السلطة فى 30 يونيو القادم.
اتهامات يجب أن توجه جميعها إلى التيار الذى يجيد دغدغة مشاعر الناس باسم الدين ولمن يطلقون الأحكام القاطعة بتكفير المجتمع ومن لا يعجبهم من بنى البشر، ولمن يرفعون الرايات السوداء فى الميادين يعلنون الجهاد المسلح المدعوم من قبل تنظيمات معروف توجهاتها وتاريخها.
عموما «رب ضارة نافعة» فأحداث العباسية الأخيرة كشفت المستور عن هؤلاء وبينت للكافة ماينتوونه لنا ولمصر، ولهذا لم يكن غريبا على فطنة المصريين كشف حقيقتهم وحقيقة ما بداخلهم تجاه مصر صاحبة الحضارة والتاريخ بعد أن توهم أصحاب هذا التيار وقادته أنهم يستطيعون أن يضحكوا علينا باسم الدين الذى نعلمه جيدا ونعرف أموره أكثر منهم.
فلا يستطيع أحد أن ينكر دور الجيش المصرى قديما وحديثا، بل منذ بداية تكوينه فى عهد محمد على، ولكن للأسف من يرى عكس ذلك فأفتى ووجه إلى ضرورة اقتحام معقل هذا الجيش ورمزه «وهو وزارة الدفاع» ومن هؤلاء مرشح للرئاسة تم استبعاده لعدم انطباق الشروط عليه فطلب من أنصاره الاعتصام أمام وزارة الدفاع، ثم عاد وأنكر أنه يعرف هؤلاء المعتصمين، ثم عاد وقال مرة أخرى أنه أجرى اتصالا هاتفيا ببعضهم فى محاولة منه لإعادتهم إلى ميدان التحرير، ولكنهم رفضوا طلبه هذا.. الغريب فى الأمر أن مدير حملته وقف أمام كاميرات الفضائيات متحدثا بل ومؤكدا أنهم توجهوا إلى وزارة الدفاع احتجاجا على استبعاد شيخهم، مما يؤكد عدم صدق ما يدعيه بعدم معرفته بهم.
بعدها ظهر الشيخ فى أحد البرامج التليفزيونية ليقول لنا إنه غير مسئول عن المعتصمين أمام وزارة الدفاع، وهذا تحديدا لم يعد يعنينا الآن لأن البرنامج أثبت على الشيخ حقيقة أخرى، وهو أنه مراوغ من طراز كبير فلا محاوره فى البرنامج أكد لنا حقيقة ما يقوله ولا الشيخ أثبت لنا ما يدعيه، ولكن المؤكد والذى لا يمكن أن ندعيه نحن على شيخنا وهو أنه لم يكن موجودا أمام وزارة الدفاع مثلما سبق له وأن تخلف عن أكثر من مليونية طالب بها، فهو للحقيقة وقت الجد يفضل ألا يكون متواجدا تحسبا لأى أمر قد يتسبب فى عرقلة جهاده «أقصد تحريضه» على عدم استقرار البلاد وضرورة هدم الجيش الذى اتهمه أكثر من مرة بقتل المتظاهرين «البينة هنا على من ادعى».
ومرة ثانية يخرج علينا الكابتن «أبو الأشبال». «زمان كنت أعرف أن أبو الأشبال هو الكابتن مصطفى حسين «رحمة الله عليه» مكتشف جيل المواهب الكروية فى النادى الأهلى لذلك أطلق عليه أبو الأشبال من كثرة من اكتشفهم فى عالم كرة القدم»، وبالتأكيد ليس هو ما نعنيه الآن فـ«أبو الأشبال» الحالى ينبرى مطالبا ومناديا الشعب باقتحام وزارة الدفاع والقبض على من فيها لمحاكمتهم محاكمة عادلة لإعدامهم فى ميدان عام.
لاحظ عزيزى القارئ حكاية محاكمة عادلة ثم إعدامهم.. متناسيا سيادته أنه لولا جيش مصر الذى يطالب بإعدام قادته ما استطاع أن يصرح بما يقوله الآن.
أحداث العباسية أيضا كشفت لنا تعمد مسئولى تيار معين تحت قبة البرلمان تكريس حلقات الفوضى التى نعيشها بعدم إصدار قانون تنظيم حق التظاهر والاعتصام المقدم إلى المجلس منذ فترة فى الوقت الذى يسارعون فيه إلى إصدار قوانين لا تخدم الشعب أو مصالحه لأنها تتم دون دراسة وافية، وأقر بها قانون منع ختان الإناث المقدم مؤخرا لإقراره، وقانون الثانوية العامة أما قانون مثل حق التظاهر والاعتصام فتأجيله أفضل.
هذا التيار يفعل ذلك حتى تظل المسئولية فى رقبة المجلس العسكرى فقط، رغم أن مسئولية ما حدث فى العباسية تقع على كل القوى السياسية وغير السياسية فى المجتمع التى يجب أن تتحد جهودها لإنجاح أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد.
وعندما تسأل عن دور هؤلاء «أى نواب المجلس» وعما حققوه بأغلبيتهم التى أولاها لهم الشعب فإنهم يتهربون أو لا نجدهم مثل كبيرهم الذى علق جلسات المجلس حتى يقيل حكومة الجنزورى ثم تعود الحكومة نفسها لتسيير الأعمال، أو يتم الاكتفاء بتغيير وزير أو أربعة وزراء كما حدث مؤخرا لكى يستريح نواب الشعب ويستردوا كرامتهم، وكأن هذا الحل هو الوحيد من وجهة نظرهم الذى يعفيهم من المسئولية التى يريدون تحميلها للجيش وحده، وفى هذا ظلم وافتراء على هذه المؤسسة المشهود لها بالوطنية، وإن كنت أحملها تأخرها فى مواجهة حملات التحريض التى سبقت الأحداث، والتى كان يجب مواجهتها بالقانون، ولكن للأسف هذا ما لم يحدث حتى الآن.
فمازال الشيخ إياه حرا طليقا، وكذلك الحال مع أبو العيال أو أبو الأشبال.. اختر ما تشاء عزيزى القارئ «فالأمر سيان». فالوطن يحترق وشبابه الذين هم مستقبله يتم التحايل عليهم بعبارات رنانة وشعارات خبيثة تحقق لمن يروجها مصلحة خاصة دون النظر إلى مصلحة الوطن.
فبماذا تفسر هذا الزحف غير المقدس لاقتحام وزارة الدفاع ومن قبلها وزارة الداخلية.. وبماذا تفسر الإصرار على هدم هيبة الدولة وإهانة رموزها بهذا الشكل فى ظل غياب تام من قبل أهل الحكمة والرأى الموثوق بهم، فى الوقت الذى تركنا فيه شبابنا يأخذ تجربته من أشخاص وتيارات متزمتة لا تعرف قيمة ومعنى الوطن ولا مصلحته.
وبماذا نفسر قيام مجموعة من الشباب الملثمين وأصحاب الرايات السوداء بتوزيع جميع أنواع الأسلحة على المعتصمين لمساعدتهم فى اقتحام وزارة الدفاع مما يؤكد دخول تنظيمات متطرفة إلى الساحة فى مواجهة علنية مع جيش مصر وشعبها وبتدعيم من جهات خارجية.
وأخيرا بماذا نفسر توجيه الرصاص وزجاجات المولوتوف نحو رجال القوات المسلحة، وكأنهم من جيش الأعداء الذى يجب الفتك بهم دون رحمة لمجرد أنهم يحافظون على وزارة الدفاع.
ما حدث فى العباسية لا يتعلق بعرض مطالب مثل تطبيق الشريعة بالكامل كما يقول أنصار أبو إسماعيل أو بتعديل مادة فى الدستور أو حتى بإقالة حكومة الجنزورى وإنما الغرض الحقيقى هو كسر هيبة الجيش والنيل منه وبالتبعية هيبة الدولة، والأهم هو التحريض على الثورة الثانية بعد أن كشف الشعب حقيقتهم ولإتمام سيطرتهم على البلاد.
أيها المتاجرون بمصر وشعبها لقد كشف المصريون فساد منطقكم وبهتان وضعف حجتكم بما لديكم من أكاذيب ومغالطات وأهداف جميعها لا يحقق سوى مصالحكم فقط.
أما حماية مصر وأمنها وسلامتها فأقول للقائمين عليها بأنه يجب إخضاع أى تجاوزات خاصة بعد ما حدث فى العباسية وفقا لما تنص عليه القوانين، فهذا هو السبيل الوحيد لحماية مصالح الوطن الذى وضعه من يتاجرون به فى مهب الريح فى محاولة منهم لسرقته مثلما سرقوا الثورة.