
محمد جمال الدين
برلمان علي ما تفرج
لو كنت مكان جماعة الإخوان المسلمين ونواب حزب الحرية والعدالة - الذراع السياسية للجماعة - لقدمت أسمي آيات الشكر والتقدير لرجال القضاء الإداري الذين أصدروا حكم بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.. هذا الحكم أنقذهم من أنفسهم ووضع لطموحهم السياسي اللامتناهي حدا، بعد أن وضعوا البلاد في أزمة سياسية تسببوا هم فيها بعنادهم وإصرارهم علي أن يشغلوا أغلب مقاعد الجمعية التأسيسية والذي كاد أن يصل بمصر إلي حافة الهاوية.
[if !mso]>
[if gte vml 1]>
filled="f" stroked="f">
[if !mso]>
[if gte vml 1]>
filled="f" stroked="f">
المتابع لأداء الإخوان ونوابهم في البرلمان الذي يسيطرون عليه سيطرة كاملة بمشاركة فعالة من نواب حزب النور وباقي نواب الأحزاب ذات المرجعية الدينية يتأكد بما لا يدع أدني مجال للشك أنهم لم يقدموا شيئا منذ انتخابهم وحتي الآن، لأنهم تفرغوا لأمور أخري ليست لها علاقة بالتشريع والرقابة وهي المهمة الأساسية لجميع برلمانات العالم.. هذه الأمور كان علي رأسها تصفية الحسابات مع حكومة الدكتور الجنزوري وسحب الثقة منها، حتي يقوموا هم وليس غيرهم بتشكيل الحكومة باعتبارهم أصحاب الأغلبية داخل البرلمان.
بالطبع أداء الإخوان وخطابهم قبل حصولهم علي عضوية البرلمان تغير، وحتي طريقة خطابهم وتفكيرهم تغيرت، فقد أصبح الاستعلاء والتكبر والعناد سمة من سماتهم حتي وصل الأمر إلي التهديد باستخدام القوة واستعراضها في الشارع، كما قال مرشحهم لانتخابات الرئاسة خيرت الشاطر (سبق أن تم استعراض القوة في جامعة الأزهر حينما شارك شباب الإخوان في عرض رياضي لفنون القتال).
المؤسف أن كل هذا يتم تحت راية حيازة الأغلبية.. تماما مثلما كان يفعل الحزب الوطني البائد وباقي أركان نظامه الذي كان يسيطر علي كل شيء في البلاد، رغم أن هذه السيطرة لم تشفع له أمام جموع المصريين، فتم إسقاطه وخلع رأس نظامه.
وحاليا يحاول نواب الإخوان ومن معهم السير في نفس الاتجاه، وذلك بفرض قانون العزل أو الغدر أو إفساد الحياة السياسية لتطبيقه علي أشخاص بعينهم ومحددة لإقصاء البعض والسماح للبعض الآخر بالتقدم للانتخابات الرئاسية.. وقد كنت أعتقد أن يتم وضع أو فرض هذا القانون منذ بداية عمل المجلس رغم إيماني بأن إقصاء فلان أو عزله يجب أن يتم عن طريق الشعب المصري ومن خلال صندوق الانتخابات.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: إذا كان نواب الإخوان ومن معهم من نواب التيار الإسلامي يقولون إن الأغلبية تعطيهم الحق في فعل هذا ورفض ذاك، فلماذا تتمسكون بل تحاولون إصدار قانون تشوبه عدم الدستورية ويعكس عدم ثقتكم بالشعب الذي حصلتم علي أغلبية أصواته؟!
بالتأكيد الأصوات التي حصلتم عليها في الانتخابات الأخيرة كانت مستحقة، ولكن يبدو أنكم أصبحتم تدركون أن العديد من هذه الأصوات قد انصرف عنكم بعد أن شاهد ما تقدمونه من أداء علي أرض الواقع في فترة زمنية لم تتعد الثلاثة أشهر والذي جاء حكم القضاء الإداري ليصحح جزءا ولو بسيطا من هذا الأداء الذي تريدون من خلاله أن تبسطوا فيه أياديكم علي كل مكان.
سيطرة الإخوان ومن يسيرون علي نهجهم للسيطرة علي الجمعية التأسيسية لوضع الدستور كشفت المستور، وبين للكافة مدي الممارسات الخاطئة التي ارتكبوها والتي كادت أن تدمر البقية الباقية من الحياة السياسية في مصر، بعد انسحاب أغلب القوي السياسية من هذه الجمعية التي يأتي في مقدمتها المؤسستان الدينيتان الأزهر والكنيسة، فقد انسحبتا حتي لا يقال عنهما إنهما شاركتا في هذه الملهاة التي قام بكتابتها وتمثيلها وإخراجها نواب الإخوان ومن شاركهم فيها حتي جاء حكم المحكمة ليعيد الأمور إلي نصابها الصحيح.
السادة نواب السمع والطاعة ومن يسيرون معكم في نفس الاتجاه في البرلمان، ألا تعلمون أنكم ورغم الأغلبية التي تتمتعون بها داخل البرلمان وحتي الآن عجزتم عن إثبات جدارتكم بهذه الأغلبية، ولم نركم تشاركون في حل مشكلة واحدة من مشاكل المواطنين لأنكم تفرغتم لما هو غير مفيد لنا نحن أبناء هذا الوطن، فخرج من بينكم من يطالب بمنع تدريس اللغة الإنجليزية و«العياذ بالله» لأنها تؤثر علي مستوي طلابنا وتبعدهم عن فهم أمور وطنهم، وكذلك خرج من بينكم من رفع الأذان أثناء انعقاد الجلسات وكأن العمل ليس عبادة، وخرج من بينكم من طالب بإقرار قانون «حد الحرابة» رغم أن هناك العديد من القوانين الوضعية التي تقوم مقام حد الحرابة، وخرج من بينكم أيضا من ينادي بعودة بيت المال باعتبار أن مصر دولة دينية رغم أنه لا يوجد في الإسلام ما يؤكد ذلك، هذا بخلاف من طالب بإلغاء قانون الخلع وحجب المواقع الإباحية، ومن قال ومن ادعي أنه تعرض للخطف والسرقة بعد أن أجري عملية تجميل في أنفه لزوم الظهور علي الشاشة، ومن طالب بضرورة خلو الأعمال الدرامية من المشاهد الساخنة والقبلات، وأخيرا خرج من بينكم من جعلنا نؤكد أن القانون «فيه زينب»!
السادة نواب السمع والطاعة ومن يسيرون علي طريقتكم، ألا ترون معي أن هذه القوانين ليست هي القوانين التي ينتظرها منكم المصريون ولا تساعد في حل مشاكل الناس التي من أجلها قامت ثورة 25 يناير وركبتم قطارها، رغم أنكم لم تكونوا أصلا من ضمن ركابه حين اندلعت شرارتها الأولي، وإنما هي قوانين تجعلكم تقفون أمام الشعب والذي سبق أن اختاركم وأنتم في قمة الخجل والكسوف، ولكنكم استبعدتم التفكير فيه ولو للحظة ولم تفكروا سوي في أنفسكم فقط، وبعد أن مارستم سياسة الإقصاء علي كل ما هو مخالف لكم، رغم أنكم عانيتم من هذه السياسة علي مدار عقود طويلة، مع أن الجماعة السياسية باركت فوزكم في الانتخابات الأخيرة، واحترمت اختيار الشعب الذي لم تراعوا مصالحه واختياره، مما جعله بدأ يفكر الآن فيما تقدمونه وتفعلونه من أجله وليس من أجلكم.
وأخيرا يا نواب السمع والطاعة، لا تحرقوا أنفسكم حتي لا تعودوا إلي العمل السري مرة أخري، فنحن نريدكم لكي تشاركوا مع باقي القوي في بناء مصر، وكذلك نريد كل شيء في العلن، ولهذا لا بديل عن المصالحة والتوافق والتعاون لصالح مصر وشعبها.