الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الجريمة الكاملة

الجريمة الكاملة





محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 04 - 02 - 2012

 

أبدا لم تكن مباراة فى كرة القدم، وإنما هى مباراة فى التقصير والإهمال المتعمد الذى أودى بحياة أكثر من سبعين مصريًا، هذا التقصير وهذا الإهمال شاركنا فيه جميعا، لا أستثنى أحدا، حيث لم يقم المقصر والمهمل بأداء واجبه المنوط به، وكذلك لم يراع أى منهم الظرف العام الذى تمر به البلاد.
ما حدث فى ستاد بورسعيد تعدى مرحلة شغب الملاعب الذى كثيرا ما تحدثنا عنه ووصل إلى حد الجريمة الكاملة التى عكف مرتكبوها على التخطيط والتدبير لها حتى تكتمل أركانها، وهذا ما تحقق بالفعل ونتج عنه سقوط العديد من الشهداء والمصابين.

جريمة بورسعيد لم تكن أبدا رياضية، وإنما هى جريمة ارتكبت فى حق هذا الوطن لإحداث حالة من عدم الاستقرار السياسى والأمنى والاجتماعى فى البلاد، حيث استغل فاعلوها أو المخططون لها وجود هذا العدد الكبير من الجماهير ليختفوا بينهم ونظل نبحث بعد ذلك عن الطرف الثالث أو اللهو الخفي، كما يحلو للبعض أن يسميه، لندور فى حلقة مفرغة لا أمل فى الخروج منها!
المؤسف أن هذه الجريمة سبقها العديد من الشواهد التى تؤكد أن مباراة الأهلى مع المصرى فى بورسعيد لن تمر بسهولة، وأطلقت تصريحات من الجانبين سواء كانت على المستوى الرسمى أو بين جماهير الناديين، وخرجت علينا أجهزة الأمن لتؤكد أنها استعدت لها جيدا ورحبت بإقامة المباراة بعد وضع الخطط الأمنية التى تؤكد هذه الاستعدادات تلك الخطط لم يكن من بينها تفتيش المتفرجين الذين دخلوا للمدرجات وهم مسلحون بجميع أنواع الأسلحة البيضاء والنارية والشماريخ التى استخدمت فى الاعتداء على جماهير الأهلى، وكذلك خرجت تصريحات وردية من مسئولى الناديين وجماهيرهما تؤكد حسن العلاقة التى ستظهر حتما فى الاستقبال والورود التى تحولت عقب المباراة إلى طعنات وشماريخ وقتلى ومصابين، وهنا فقط ظهرت أولى بوادر التقصير والإهمال، حيث تردد كلام عن فتح باب المدرج الغربى الواصل بين المدرج والملعب، وعمن يكون المسئول عن هذا الفعل بالإضافة إلى السماح للجماهير المعتدية بالنزول إلى أرض الملعب والوصول إلى جماهير الأهلى دون أن يتم اعتراضهم، ثم يتردد كلام آخر عن «يافطة» معلقة فى مدرج جماهير الأهلى تتضمن معنى مسيئا لبورسعيد وشعبها وتلقى الاتهامات من قبل المسئولين عن هذا الإهمال والتقصير سواء من هنا ومن هناك الذى كان محصلته النهائية سقوط قتلى ومصابين وإقالة أو استقالة محافظ ونقل قيادات أمنية.
النتيجة النهائية لهذه الجريمة حدثت بالفعل وهى تنحصر فى خلق حالة من عدم الاستقرار فى البلاد ليستمر مسلسل الانهيار الذى تمر به مصر حاليا ويستفيد منه بالتأكيد من لا يرحبون بمصر ودورها، ولذلك يغدقون بالأموال على بعض العناصر فى الداخل لتحقيق هذا الهدف الذى لا يجدون سواه لتحجيم مصر وشعبها.
لقد أثبتت الأيام القليلة الماضية أن مصر تشهد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار تمثلت بوادرها فى عمليات السطو المسلح على البنوك وسيارات نقل الأموال ومكاتب البريد، ثم امتدت إلى جرائم الخطف وسرقة السيارات وطلب الفدية لإعادة الابن أو الابنة، أو للسيارات حتى وصلنا مؤخرا إلى ما حدث فى بورسعيد.
والمراقب والمتابع لهذه الجرائم يتأكد أن هناك منهجا منظما لصناعة الفوضى فى مصر للقضاء على الثورة ومكتسباتها، وبالطبع شارك فى هذا - سواء بقصد أو بدون - عدم أداء الشرطة لدورها على الوجه الأكمل لأنها أساسا مكبلة و«مطعونة» فى فؤادها منذ أحداث ثورة 52 يناير ولا يعرف القائمون عليها هل يعملون بجد أم يتهاونون فى أداء عملهم «يفتحون الشباك أم يغلقونه» فأصبح الأمن مفقودا فى البلاد ولم يعد لهم وجود يذكر بعد أن ضاعت هيبتهم فضاع معها أمننا وسلامتنا كمواطنين، مما يؤكد أن هناك تصميما على إسقاط الدولة من قبل المنتفعين سواء كانوا من الداخل أو من الخارج خاصة أن هناك من يردد أن بعض العاملين فى جهاز الشرطة يعمل جاهدا على معاقبة الشعب المصرى لقيامه بثورة يناير التى كشفت البعض من العاملين فى هذا الجهاز الذين كانوا يسخرون جهودهم لخدمة النظام البائد دون غيره من المصريين، وإن كنت من ناحيتى أجزم أن هذا الأمر غير صحيح فيما يخص معاقبة الشعب المصرى لأن هناك العديد ممن ينتمون لجهاز الشرطة من الشرفاء ويحبون بلادهم، ومع هذا فإننى أرى أن هناك ضرورة فى إعادة هيكلة جهاز الشرطة بالكامل وضخ دماء جديدة فى شرايينه يكون هدفها الوحيد العمل لصالح البلاد وليس للنظام.
المؤكد أن الفوضى فى مصر لن تنتهى بمجرد نقل مدير أمن أو إقالة محافظ وتغييره بآخر أو حتى بالاستجابة للمطالب الفئوية هنا وهناك أو حتى بالنجاح فى فتح «هويس إسنا» وإنما ستنتهى حينما ندرك ما لنا وما علينا حتى نعمل بجد لانتشال مصر من هذه الفوضى وحتى نستطيع أن نقضى على المؤامرات الدنيئة التى تحاك ضد مصر والتى تتزايد وتيرتها كلما اقتربنا من تحقيق الأمن والاستقرار وأخذ وضعنا الطبيعى حتى تظهر مؤامرة جديدة لتعود بنا إلى الخلف مرة أخرى.
بالطبع المؤامرات ضد مصر وشعبها لن تنتهى لأن هذا تحديداً هو قدر الدول الكبيرة وعلينا نحن أن نكشفها باتحادنا ووضع مصلحة مصر فوق كل اعتبار لأن المتربصين بنا يتحينون الفرصة ويعدون ويخططون للمؤامرات تباعاً ففى بورسعيد شهدت الملاعب الخضراء جريمتهم وقد يعودون إلى الميادين مرة أخرى ثم المصانع، تعقبها محاولات فى «هويس» آخر أو فى تعطيل حركة المرور فى قناة السويس أو الاستيلاء على محطة كهرباء مثلما حدث فى الضبعة.. كل شىء وارد وعلينا نحن أن ننتبه ونتصدى لهؤلاء فلا يكفى القضاء على رأس النظام فباقى الجسد مازال حراً طليقاً يستهدف مصر وشعبها وحسبنا الله ونعم الوكيل.