الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
نعم إنها فوضى

نعم إنها فوضى




محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 31 - 12 - 2011



المتابع للوضع الحالى فى مصر يتأكد بما لا يدع هناك مجالاً للشك أن الحابل قد اختلط بالنابل ما بين ثورى حقيقى وآخر مأجور، وبين مواطن شريف وآخر بلطجى وكأن مصر ناقصة فرقة وتحزب.. حتى القوى السياسية الموجودة على الساحة وكذلك المنتظر وجودها لم تتفق على كلمة سواء، فالمعارك والملاسنات لم تنته.


فهاهو حزب الوفد «يلملم» شتات نفسه وتعتقد قياداته أن تحقيق المركز الثالث فى الانتخابات يعد انتصاراً على أحزاب الكتلة التى لا تملك أصلاً تاريخاً سياسياً مثل تاريخ الوفد «اللهم سوى حزب التجمع»، وائتلافات الشباب التى لا يعلم أحد فى مصر عددها وقعت فى بعض ورفض شباب التحرير شباب العباسية والأدهى أن كليهما يخون الآخر.. وحزب «الحرية والعدالة» لسان حال جماعة الإخوان وقع فى صدام قد لا ينتهى مع حزب النور السلفى بسبب مقاعد البرلمان ومحاولة كل منهما فى الفوز بقلوب المصريين ويقف على مقربة من هذا الصدام حزب الوسط.
ومما زاد الطين بلة ظهور ما يسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى ستطبق الشرع فى الشارع والحدائق كما جاء فى بيانها الأول، وهى الهيئة التى خرجت من رحم حزب النور رغم نفى مسئولى الحزب عن وجود أى صلة لهم بها والتى سرعان ما لبثت وأن هددت بفضح الحزب وتأكيدها على أن مسئوليه يعلمون كل شىء عن الهيئة وأعضائها.. مشهد ملتبس لا أحد فيه يعرف أين ومتى سينتهى، فى الوقت الذى يعانى فيه اقتصاد البلد من تراجع مستمر وتفقد فيه البورصة يومياً عدداً كبيراً من مساهميها، هذا بخلاف بنوك تشهد إفلاسها وتجارة بارت وحركة بيع وشراء متوقفة ومصانع مغلقة بالضبة والمفتاح والعاملون بها لا يعلمون ماذا سيكون مصيرهم.
ورغم سوداوية هذا المشهد الذى تعانى منه مصر إلا أن الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والمطالب الفئوية لم تتوقف فالجميع يريد أن يأخذ دون أن يعطى رغم تحذيرات رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزورى «الذى لم يستطع حتى الآن من دخول مقر الوزارة» من تدهور الاقتصاد المصرى بدرجة كبيرة ستؤثر بالطبع على كل مناحى حياة المواطن المصرى.
بالتأكيد أنها الفوضى ولا شىء سواها، فهى ما نعانى منها حالياً والتى ستأكل فى طريقها الأخضر واليابس والتى ستأكل أيضاً أى إنجاز حققته ثورة 25 يناير منذ قيامها وحتى الآن، بينما المواطن المصرى البسيط يئن من هذه الفوضى وغلاء الأسعار وعدم القدرة على العيش الكريم.
هذا المشهد أو هذه الفوضى التى نعيشها تكرس الاتهامات المتبادلة بين أبناء الشعب الواحد لأن كل فصيل لديه رأى بالتأكيد لا يرضى باقى الفصائل الأخرى، هذه الآراء المتضاربة ساعدت سواء بقصد أو بدون قصد فى تعميق حالة الانقسام التى أصبحت تميز المجتمع المصرى.
وللخروج من هذه الفوضى التى تكاد تصل إلى حد الأزمة فلابد من دراسة الأسباب التى أدت بنا إلى هذه المرحلة بعد أن اكتفت الثورة بخلع رأس النظام وتركت زبانيته يرتعون ويحاولون استعادة سلطتهم مرة أخرى بنشر هذه الفوضى وإزكاء تبادل الاتهامات والتشكيك فى كل شىء حتى تظل الفوضى مستمرة لأن حلها يكشف ويفضح نواياهم وأهدافهم التى يسعون إلى تحقيقها حتى ولو كان ذلك على حساب مصر نفسها، وهذا تحديداً يتطلب أن تكون هناك شفافية ومصارحة بين الشعب وأجهزة الحكم التى تتولى السلطة فى البلد حالياً مع ضرورة أن نترك الاعتصامات والمطالب الفئوية جانباً حتى تتحقق مطالب ثورة 25 يناير التى نادت بالمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية.
هذه المطالب لا يمكن أن يختلف عليها أحد خاصة عندما تكون هناك ثقة بين الشعب وأجهزة حكمه، وكذلك لابد أن تعود الثقة بين الشعب وبين قواته المسلحة والتى لا يمكن أيضاً أن يختلف عليها أحد على أن يقدم من أخطأ من رجالها أو من رجال الشرطة إلى النيابة مع الالتزام التام بتطبيق الجدول الزمنى المعلن من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة لانتقال آمن وسلس للسلطة إلى حكومة مدنية وأنا على يقين أن هذا ما يسعى إليه المجلس العسكرى، وحتى نتمكن من استعادة الشخصية المصرية الأصيلة التى لم يستطع أحد أن يفرق فيها بين المسلم والمسيحى عندما اشتركا سوياً فى المناداة بسقوط النظام المستبد فى ميدان التحرير.
وهذا ما تأكد مؤخراً فى حزمة الإصلاحات الأخيرة التى تسعى حكومة الدكتور الجنزورى لتحقيقها والتى كان فى مقدمتها تخفيض الإنفاق العام والالتزام بالحد الأقصى للأجور فى أجهزة الدولة والعمل على دعم الاقتصاد وتتويج هذا كله بانتهاء المرحلة الثالثة من انتخابات مجلس الشعب التى ستفرز لنا مجلساً حقيقياً أتت به انتخابات حرة ساهمت فى اتمامها جميع أجهزة الدولة وعلى رأسها رجال القوات المسلحة والشرطة.
أخيراً ولصالح هذا الوطن لابد أن نسعى جميعاً إلى مصالحة حقيقية تضع مصلحة مصر فى المقام الأول، لأنه بعد ثورة 25 يناير لن يستطيع فصيل واحد أو حزب معين أن ينفرد بالبلد كما كان يفعل الحزب الوطنى لأن مصر أصبحت الآن ملكا لكل المصريين.