
محمد جمال الدين
الكلمة الآن للقضاء
محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 06 - 08 - 2011
فعلا هو مشهد تاريخي لم يحدث في مصر من قبل.. فعندما يتم وضع الرئيس السابق (حسني مبارك) في قفص المحاكمة ليمثل أمام القضاء وأمام شعبه ما هو إلا تأكيد لنجاح الثورة المصرية التي أسقطت رأس النظام وأعوانه الذين أفسدوا الحياة السياسية طيلة ثلاثين عاما.
محاكمة مبارك أكدت أيضا أن لا أحد في مصر ومن الآن فصاعدا فوق القانون، فجميعنا متساوون في الواجبات والحقوق لا فضل لواحد منهم علي الآخر.. وبما أن الأمر أصبح موكولا لقضاء مصر الشامخ ليقول كلمته النهائية التي يجب أن نثق فيها ونرتضيها، فإنني أعتقد أنه حان الوقت أن تهدأ الأمور ليبدأ المصريون مرحلة جديدة بعيدة تماما كل البعد عما عانينا منه خلال الفترة الأخيرة حتي نتخطي المرحلة الصعبة التي مرت بنا واكتوي الجميع بنارها.
في البداية يجب أن نعترف أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة أوفي بعهده لجموع الشعب المصري.. ووقف رأس النظام السابق مع بعض أعوانه في قفص الاتهام كما وعد رجال المجلس العسكري لأنه ليس من مصلحتهم عدم محاكمة هذا أو ذاك.
كما أن المحاكمة أكدت أن مبدأ سيادة القانون هو الذي سيسود في مصر بعد أن تناسيناه وطبقناه علي البعض دون الآخر في فترات سابقة وهذا المبدأ تحديدا يعد من أهم إنجازات ثورة 25 يناير التي نادت بالعدالة بين المصريين وهو نفسه المبدأ الذي حرص علي تطبيقه رجال المجلس العسكري منذ بداية توليهم إدارة شئون البلاد.
محاكمة مبارك أيضا وضعت جموع الشعب المصري أمام تحدٍّ جديد وهو الخاص بالبناء، فعقب كل ثورة تأتي فترات من عدم الاستقرار تليها مرحلة لابد أن تكون مصحوبة بالبناء في جميع مرافق الدولة التي يجب أن تبدأ بالعمل ثم العمل ثم العمل، فمن خلال العمل والإنتاج سنصل ببلدنا إلي النتيجة المرجوة التي يتمناها كل مصري مع ضرورة أن يخلص كل فيما يخصه في العمل الذي يؤديه لأن اقتصادنا اهتز بشدة خلال فترة الثورة التي تميزت بالتوتر وعدم الاستقرار، ولهذا يجب أن يعود اقتصادنا إلي سابق عهده، بل يجب أن يشهد تقدما أكبر مما كان عليه قبل الثورة، بعد انتهاء حالة الشك وعدم الأمن التي عاني منها الشارع المصري، كما أن المحاكمة ستعطي الفرصة لحكومة الدكتور شرف لدراسة جميع الأوضاع التي يأتي في مقدمتها القطاع الاقتصادي، لكي تتلافي أخطاء الماضي المتراكمة حتي نتمكن جميعا من حصد مميزات ثورة يناير العظيمة.
ولكي يتحقق هذا لابد من زيادة الجهد مع ضرورة ترك المطالب الفئوية جانبا، لأنه بدون جهد وعمل لن يتحقق أي مطلب من هذه المطالب.
كذلك يجب علي شبابنا عدم الانسياق وراء الدعوات التحريضية رغم إيماني الكامل بقدرة شبابنا علي الفهم الصحيح لحقائق الأمور ولن يستطيع أحد أن يشكك في الشباب أو في قدراته.. ولهذا فشبابنا مطالب بالهدوء خلال هذه الفترة وإهمال كل الدعوات التي تدعوه للوقوف ضد مصالح مصر.
فمصر التي هي بلدنا مستهدفة من قبل كثيرين ويكفي ما حدث من قبل عصابات الملثمين في مدينة العريش والتي راح ضحيتها اثنان من خيرة شبابها.. وأعقب ذلك إعلان تنظيم القاعدة عن تكوين إمارة إسلامية في العريش.. وكأن العريش دولة حديثة أقيمت داخل مصر ونحن لا ندري عنها شيئا، هذا بخلاف التسريبات التي تخرج من هنا وهناك تدعو الشباب إلي الخلاف مع الجيش المصري وقيادته.
واضح أن الجميع يلعب علي وتر الشباب، وتحديدا شباب ائتلاف الثورة ولكن هيهات فشباب مصر واعٍ ولن تؤثر فيه مثل هذه التداعيات والتسريبات.
إلا أني أعود وأحذر الشباب من الشائعات التي تطعن في حياد القضاء المصري واتهامه بمحاباة السلطة والتي انتشرت من قبل بعض المندسين بين شبابنا وأقول لهم :
يجب إعطاء الفرصة والوقت كاملا لقضاة مصر الذين ينظرون القضايا المتعلقة بالنظام السابق، لأن مثل هذه القضايا يجب أن تنظر بكل دقة وشفافية وإعطاء كل متهم حقه القانوني، وكذلك حق من يمثله لأن العدل هو أساس الملك الذي ننشده في مصر الحديثة التي نبتت بذرتها مع اندلاع ثورة 25 يناير القائمة علي المواطنة والديمقراطية ولأن محاكمة مبارك وأعوانه وما سيعقبها من محاكمات ما هي إلا البداية الحقيقية لاستقرار مصر وتقدمها.
وأخيرا علينا جميعا وليس علي الشباب فقط أن نؤمن بقدراتنا وقدرات من يتولون إدارة البلاد لأننا نملك العديد من القدرات التي من خلالها نستطيع تحقيق الكثير لبلدنا، وعلينا أيضا أن نثق في قضاء وقضاة مصر الذين لن يحكموا إلا بالعدل في محاكمة مبارك وغيرها من المحاكمات.