
رفيق جريش
مخاض عالم جديد.. أم انهيار؟
عالمنا لم يعد عالمنا، فما استقر عليه جيلنا لم يعد هو هو، أشياء كثيرة تتغير وتتبدل بنظرة تشاؤمية تبدو أنها تتساقط وتنهار وإذا تفاءلنا قليلا فنحن نشهد مخاضا لإعادة تشكيل عالم جديد لا نستطيع مهما حاولنا أن نعرف كيف سيكون فى المستقبل، ففى الشرق الأوسط موجة عاتية من التغيير ليس فقط فى الدول وحدودها بل أيضاً فى الأفكار والأفعال، فموجة الجهاد الراديكالى تحركت من جنوب آسيا «أفغانستان وباكستان» إلى وسط الشرق الأوسط فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس ومصر والسودان وغيرها، كما أن الحرب فى غزة أبرزت إخفاق السلام وترتيباته بين إسرائيل وفلسطين، أما فى أقصى الشرق فى آسيا فتعاظم الدور الصينى والتوازن الأمنى، كما أن الأزمة الأوكرانية هى المسمار الأخير فى نعش الجهود الأمريكية لبناء ما تسميه هى الشراكة مع روسيا، وبينما العنف والإرهاب هما السمة الأساسية لتفعيل التغير فى الدول العربيـة فاللعبـة الديمقراطيــة «بالصندوق» هى سمة التغير فى أوروبا، حيث تتعاظم الإرادة فى الانفصال وقد تبعنا جميعاً الاستفتاء فى اسكوتلاندا ورغم أن «الـ لا» ـ لا للانفصـال ـ هو الذى انتصر ولكن الفرق كان ضئيلاً «55 ٪ لـ لا و45 ٪ لـ نعم» لايعنى أن فكرة الانفصال ذهبت إلى غير راجعة بل ما زالت تهدد وحدة المملكة المتحدة إذا حكومة لندن لن تنفذ ما وعدت به لتعزيز الحكم الذاتى، وفى الانتظار كتالونيا فى شرق إسبانيا على البحر المتوسط، وإقليم الباسك فى إسبانيا أيضاً، وبلجيكا ما بين الناطقين بالفرنسية والناطقين بالفلامون، وبعض الأقاليم الألمانية، كذلك صعود تيار اليمين المتطرف فى فرنسا الذى يريد الاستقلال عن أوروبا، وإقليم كيبك الفرنسى فى كندا بعد أن شجعهم الرئيس الفرنسى الراحل شارل دى جول فى الستينيات من القرن الماضى على ذلك.. إلخ فلنا فى ذلك بعض الأسئلة، منها:
∎ هذه الحركات الانفصالية إن كانت بالعنف والإرهاب تارة مثل الشرق الأوســـــــــط أو «بالصندوق» مثل أوروبا تارة أخرى هى اختبار حقيقى للقوة الأمريكية فهل ستستطيع على المدى القريب والبعيد الحفاظ على «النظام» فى العالم؟ فنجاحها أو إخفاقها فى منطقة سيكون له صدى فى منطقة أخرى وسيؤثر على صورتها أمام نفسها وأمام العالم؟.
∎ فى الشرق الآسيوى حيث كانت الإدارة الأمريكية تعول عليها كمحور فهل أصبح هذا المحور سرابا؟ عموماً هناك ضبابية تسيطر على المشهد.
∎ تعودت الولايات المتحدة الأمريكية أن تضع سياستها الخارجية والأمنية فى إطار واحد مثل ــ الحرب على الإرهاب ـــ.. وبناء وتحريك وحشد كل المصادر والحلفاء نحو هدف واحد، أما الآن فالولايات المتحدة تجابه صعوبات كثيرة كانت هى جزءا منها بسبب هذه النظرة الأحادية للأمور بينما فى العالم مشاكل متعددة ومتشتتة تحتاج إلى سياسة مختلفة تجابه هذا التنوع فى المشاكل فكيف ستتحرر من هذه الرؤية الأحادية؟
من يريد أن يكون القطب الأوحد فى العالم عليه أن يتحمل الأعباء والمشاكل والصعوبات.
ومن يتكلم عن العدالة فى وطنه عليه أن يكون عادلاً فى سياسته تجاه العالم.
من يريد الغنى لنفسه عليه ألا يدوس على الأفقر والأمرض والأضعف حتى يعيش هو، بل عليه أن يغنى الآخرين معه أيضا.