
محمد جمال الدين
صناعة الارتباك !
الآن.. والآن فقط تأكدت بما لا يدع هناك أدنى مجال للشك.. أن هناك من يسعى ويجتهد فى خلق مناخ عام بالبلاد يتسم بالارتباك وعدم وضوح الرؤية..
وللأسف أسهم فى إذكاء هذه الرؤية غير الواضحة بزوغ أكثر من ائتلاف، هذا بخلاف العديد من الأحزاب السياسية التى لا يستطيع أحد أن يحصى عددها أو حتى يعرف ما هى توجهاتها وأفكارها، فتحولت حياتنا نحن المصريين من عامة الشعب إلى صورة أقرب ما تكون إلى القتامة التى جعلتنا نشعر بأن الأمل فى الحرية التى من أجلها قامت ثورة يناير شبه مستحيلة، بفضل الارتباك الذى تم صنعه بفعل فاعل والذى أدى بنا إلى ما نحن فيه ونعانيه حاليا.
بداية الارتباك ظهرت فى «استفتاء الجنة والنار» الذى تم فيه تعديل بعض مواد الدستور عقب الثورة بمعرفة المستشار طارق البشرى المعروف الاتجاهات والفكر.. وشارك فى لجنته نخبة من فقهاء القانون كان بينهم المحامى « صبحى صالح» عضو جماعة الإخوان التى انتجت لنا المادة 82 التى سبق أن وافقت عليها جماعة الإخوان ثم عادوا وطالبوا بعدم الاعتداد بها لأنها أعطت اللجنة العليا للانتخابات صلاحيات كبيرة، هذه الصلاحيات تم استخدامها ضد مرشح الإخوان الأساسى خيرت الشاطر فتم استبعاده من خلالها.
المادة 82 التى أعطت هذه الصلاحيات شارك فى صنعها صبحى صالح وتضمنها الإعلان الدستورى الذى صوت له أهل الجنة بنعم ورفضه من تم تصويرهم بأنهم من أهل النار.. ما بين الموافقة والرفض تغيرت المواقف وطالب بتعديلها أو عدم الأخذ بها من استفاد منها فى بادئ الأمر لنقع نحن ضحايا للبلبلة والحيرة فيما بين الموافقة السابقة ثم الرفض الآن.
إلا أن الإجابة ببساطة تتركز فى لغة المصالح الشخصية التى تحكم فكر قادة جماعة الإخوان، أما مصلحة الشعب فقل عليها السلام.
بعد التصويت على استفتاء الجنة والنار بنعم الذى تضمن المادة 82 طلب قادة الإخوان ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية قبل وضع الدستور، وللأسف أيضا تحقق لهم ما طلبوه دون النظر للمصلحة القومية للبلاد، خاصة أنهم كانوا القوة السياسية الوحيدة المنظمة فى مصر بعد حل الحزب الوطنى البائد.
«مطلبهم هذا كان يعنى بكل وضوح عدم منح أى فرصة للقوة السياسية الأخرى لتنظيم صفوفها»، بالإضافة إلى استغلالهم الدين الذى لا يختلف عليه مصرى واحد للعب على مشاعرهم، فأسهموا بقصد وتعمد فى خلق حالة من عدم الوضوح على الواقع السياسى فى مصر.
دخل الإخوان البرلمان تحت مبدأ المشاركة لا المغالبة، وللحقيقة هذا المبدأ لم يكن له وجود منذ أول يوم جلسوا فيه تحت قبة البرلمان وحتى الآن، فمن سيطرة على رئاسة المجلس ثم اللجان لم يكن هناك جديد عما كان يفعله الحزب الوطنى ورجاله، والويل كل الويل لمن يخالفهم الرأى، فالصياح «والتهليل والغلوشة» جاهزة لكل من تسول له نفسه أن يخرج عما يقولونه.
لِمَ لا وهم يؤكدون أن الشعب هو من اختارهم، أما غيرهم فلا خوف منهم فذهبت المشاركة التى يتشدقون بها مع الريح، كما اختفت المغالبة وأضحى الأمر كله استحواذاً فى استحواذ وعلى المتضرر أن يضرب رأسه فى الحائط.
وجاءت الطامة الكبرى عندما لم يفطن نواب الإخوان فى البرلمان وقادتهم فى المقطم لمدى الجرم الذى يرتكبونه فى حق مصر وشعبها حين حاولوا الاستئثار بتشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور بعد أن رفضوا الاستماع لصوت العقل الذى طالبهم بمشاركة جميع القوى السياسية فى وضع دستور مصر، إلا أنهم أصروا على وضع دستور «الإخوان» الذى من خلاله يستطيعون التحكم فى كل ما له علاقة بمصر.
ولكن إرادة الله كانت فوق إرادتهم.. فجاء حكم القضاء الإدارى ليضع الأمور فى نصابها الصحيح فخسروا من جراء هذا الحكم الكثير، والأكثر أنهم خسروا مصداقيتهم أمام الشعب المصرى الذى عرف حقيقة الجماعة وحزبها.
أزمة وضع الدستور التى وضعنا فيها الإخوان وحزبهم مازالت البلاد تعانى منها حتى الآن، وغطت حتى على أزمة اختيار «الشاطر» وتابعه «مرسى» الذى استمر فى سباق الترشح لكرسى الرئاسة بعد استبعاد الشاطر، علما بأن الجماعة سبق أن أعلنت أنها لن ترشح أحداً لكرسى الرئاسة.
ممارسة ملتوية وغير سليمة بالمرة، ومع ذلك مازالوا يحاولون الالتفاف عليها بطرق أخرى بعد أن عرف الناس مقصدهم الحقيقى الذى أسهم بدوره فى زيادة حدة الارتباك التى تعانى منها البلاد.
ثم يعود الشاطر ويصرح بأنه سيقاضى المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا المشرفة على انتخابات الرئاسة، ونحن بدورنا نقول له ارفع مليون قضية ولكن اتقِ الله فى مصر أنت ومن معك، فشعب مصر من الممكن أن يمرر ما تقوله مرة.. أما أن تحاول خداعه طوال الوقت فهو ما لن يسمح به أبداً.. خصوصاً بعد أن ظهرت الحقيقة التى حاولت أنت وجماعتك أن تخفيها، فيكفى ما يفعله نوابكم داخل البرلمان ومطالبتكم الدائمة بسحب الثقة من حكومة الجنزورى حتى تتمكنوا من تشكيل حكومة على هواكم «كأن المسألة ناقصة تكويش».
وعما تردده «يا شاطر» عن ضرورة مراجعة ميزانية الجيش فنحن معك فى ذلك شريطة أن تعلن جماعتك عن ميزانيتها وعن مصادر أموالها التى لا نعلم عنها شيئاً.
أما ما لن نكون فيه معك أو مع جماعتك فهو مطلبكم بأن يتم الانتهاء من الدستور بعد إجراء الانتخابات.. لأنه قول حق يراد به باطل بحجة أن الانتهاء من الدستور مستحيل عملياً خلال الفترة المتبقية لإجراء الانتخابات الرئاسية، أولاً لأنكم لا تمثلون الشعب المصرى كى تتحدثوا بلسانه، وثانياً لأن التجربة أثبتت أن الدستور كان يجب أن يكون سابقاً على إجراء الانتخابات البرلمانية.
وإذا كانت جماعة الإخوان وجناحها السياسى داخل البرلمان من أهم أسباب الارتباك الذى تعانى منه مصر كما أثبتت الفترة الماضية، فإن التابعين للجماعة يسهمون بشكل آخر فى إشاعة الفوضى والارتباك أيضاً، فيكفى أن هؤلاء التابعين لم يكفهم ما تعانيه مصر من أزمات متعددة حتى فوجئنا بما يفعله أنصار حازم صلاح أبوإسماعيل الذين اعتقدوا أنهم فوق القانون وسمعنا عبارات عن إراقة الدماء والجهاد فى سبيل نصرة الشيخ الذى استبعد بسبب حصول والدته على الجنسية الأمريكية وهذا ما لم يعترف به الشيخ.. المهم أنه معترض ومعتصم ولا يرضى هو وأنصاره عن الإتيان بغيره رئيساً للجمهورية وحتى ولو لم تكن هناك انتخابات.
وكما فعل أنصار أبوإسماعيل فعل بعض المنتمين إلى التيار الدينى.. إذ فوجئنا أيضاً بمن ليست لهم أى صفة برفع دعاوى قضائية على الفنان عادل إمام والكاتب لينين الرملى والكاتب وحيد حامد والمخرجين محمد فاضل وشريف عرفة ونادر جلال بحجة أنهم قدموا أعمالاً فنية تزدرى الإسلام، كأن هؤلاء ليسوا بمسلمين.
والسؤال هنا: لماذا الآن بالتحديد تمت إقامة هذه الدعاوى، خاصة أن هذه الأعمال تم تقديمها منذ فترة طويلة، كما أنها سبق أن حصلت على تصاريح رقابية تسمح بعرضها.. اللهم أن المناخ الحالى يسمح بمثل هذه الدعاوى التى لم يكن يجرؤ رافعوها على إقامتها فى وقت سابق، كما أن هذه الدعاوى تثبت أيضاً أن هناك خطة مدروسة تم وضعها بدقة لخلق حالة من الارتباك فى المجتمع.. وبالتأكيد سيأتى الحل عن طريق أكاديمية المقطم للسمع والطاعة التى يرأسها بديع صاحب نظرية «سحرة فرعون» لإصلاح وتهذيب حال مصر من أبنائها الإعلاميين والفنانين والسياسيين «كمان إذا لزم الأمر» حتى يخلو لهم البلد ليفعلوا فيه ما يريدون بمشاركة فعالة من بعض الدول التى لم ولن تستريح لثورات الربيع العربى.
وأخيراً.. السادة جماعة الإخوان المسلمين والتابعون لها وفقكم الله لما فيه خير مصر والمصريين، ووقاها من كل أزمة وارتباك يشارك أو يسهم فيها غيركم.
لماذا الآن بالتحديد يتم إقامة هذه الدعاوي؟