السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحـب والعـولمــة

الحـب والعـولمــة


أومن أن الحب هو الهدية الكبرى، التى تمنحها الحياة للبشر، فى كل زمان، ومكان. قناعتى التى تتأكد كل يوم أن الحب هو محرك التاريخ.هو الطاقة المحفزة على النمو، والعمل، والإبداع، والتواصل. لولا الحب لما عرفنا أجمل القصائد، وأعظم الثورات، وأروع الاكتشافات. الحب يعلمنا الرقة، والأدب، والعطاء . بسبب الحب تتكون فى الأرحام أجنة متميزة، مبدعة، سليمة العقل والجسد .
 
حينما تموت قصة حب، تبكى السماء، وحينما يفترق حبيبان تتجهم الأشجار ويختفى النصف المضىء من القمر.   وفى مجتمعاتنا العربية يعيش الحب بين الرجال والنساء، أزمة كبرى. من خلال قصة حب عربية، نستطيع استخلاص كل الأمراض الحضارية، التى يئن بها المجتمع العربى . الحب فى المجتمعات العربية عيب، وعار، ورذيلة، وانحلال، وقلة أدب. الرجل الذى يعلن عن حبيبته فى مجتمعاتنا، كأنه يعلن عن «فضيحة». والمرأة التى تعلن عن حبيبها كأنها تكتب بيديها صك وأدها. يحدث هذا «التأثيم» للحب، بينما تحاصرنا أغنيات الحب ليل نهار، التى تناجى الحب، وتغازله، وتدعو له. ما بين تأثيم الحب فى الحياة، وتمجيده فى الأغانى تذبل ملايين القلوب، وتتعطل أجمل، وأعظم العواطف، والطاقات. ما بين «التأثيم»، و«التمجيد»، تُجبر النساء، والرجال على الكذب، والعلاقات السرية، المهينة للكرامة، ولمعنى الحب وجود حياة مطيعة، فى العلن، وأخرى متمردة سرية، وصف بليغ للعلاقات المؤسسة، فى مناخ يعادى الحب، ويحقره، ويتهمه. إن المجتمعات التى تعيش «الحب»، فى كتمان وسرية، بينما تعلنه كاسم فيلم، أو عنوان أغنية، مجتمعات مريضة، متخبطة، وتعيسة، ومشوهة، وهى نفسها بالضرورة، المجتمعات التى تحتل المراتب العالية، فى نقص الحريات، وفى قلة الإنتاج، وفقر الإبداع، وانتشار الاختلالات النفسية، والاضطرابات الوجدانية، وتضخم النعرات الذكورية. والنتيجة المنطقية هى أن الحب السوى الذى يسمو بالإنسان، ويحافظ على صحته العاطفية، والنفسية هو بالضرورة ظاهرة استثنائية، فى المجتمع العربى. وحتى لا نظلم مجتمعاتنا نوضح أن الحب السوى ظاهرة استثنائية، على مستوى العالم. نسأل بمعنى آخر: هل يساعد البناء الاقتصادى، والاجتماعى، الذى يسود العالم - أو العولمة - على خلق الإنسان، القادر على الحب؟ بالطبع، تختلف المجتمعات، فى درجة وشكل خضوعها لتأثيرات العولمة، لكن تبقى العولمة نظاما عالميا، يحكم سطوته على الجميع. كيف يمكن لحضارة السوق أن تؤثر على الحب؟! فالحب قضية سياسية، واقتصادية، وثقافية، وأخلاقية، تتأثر بالمناخ السائد، وليس مجرد مشاعر رومانسية.تعنى حضارة السوق أن الحرية المكفولة، من خلال المنافسة المفتوحة، أى الطلب والعرض، هى التى تحدد قيمة الأشياء والسلع. إن الشىء أو السلعة، مهما كانت منفعتها، تكون عديمة القيمة إذا لم تتحول فى السوق إلى قوة شرائية، أى فى شكل استهلاك. فى حضارة السوق، يتعلم الرجل، كيف يكون «جذابا» للمرأة، وتتعلم المرأة كيف تكون «جذابة» للرجل، بدون الجاذبية للسلع والعواطف، تصبح عملية الاستهلاك غير ممكنة، هكذا يغترب الإنسان عن حقيقته، ويدخل علاقات مع «آخر»، مغترب، والنتيجة حضارة مريضة. وهكذا تضمن حضارة السوق تحول الناس إلى قطيع كبير، يتلقى الأوامر دون عنف، ودون إحساس بانعدام الحرية، اللهم إلا حرية الماكينات التى تتناغم مع الماكينة الأكبر.. ماكينة المقايضة، والشراء،والاستهلاك ، وبما أن الماكينات لا تستطيع أن تحب، تصبح العولمة عائقا أساسيا أمام الحب. إن الحب السوى، ابن الحرية، وفيه يعبر الإنسان عن أعمق «عواطفه» للتواصل، والانفتاح، والانطلاق، وليس احتياجات يتم تبادلها، وقياسها، وتسعيرها. إذن نحن فى عصر العولمة، تُسلب إنسانيتنا، لتدخل السوق، وصالة المزادات.وبما أن مجتمعنا العربى جزء من العالم، فإنه يدور فى فلك العولمة، ويناله بعض من أمراضها. إن الاحتجاجات الشعبية التى تنتفض من حين لآخر، فى أماكن متفرقة من العالم، ترجع إلى غياب العدالة، والحرية، والإنسانية، تحت نظام العولمة. لكن هناك دائما نساء ورجالا، فى كل مكان، وزمان، يحاربون ضد تشئ وتسليع البشر، وغياب العدالة والحرية، والسلام. وهم أيضا النساء، والرجال، الذين يحتفلون بيوم فالنتين كل عام نريد فى يوم الحب أن يزداد الأمل، فى عالم جديد، أكثر عدالة، وحرية، وبالتأكيد أكثر حبا.؟