السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحب والديمقراطية فى دستور 4102

الحب والديمقراطية فى دستور 4102


أقول « نعم»، للدستورالمصرى الجديد، لأنها الخطوة الأولى، فى رحلة آلاف الأميال نحو وطن جديد.
 
والوطن الجديد لا يصنعه إلا نساء، ورجال يفكرون بشكل جديد، ولديهم القدرة على إبداع أبجدية جديدة للحاضر والمستقبل.
 
الوطن الجديد المتناغم مع الثورة لا تحققه أمنيات خائفة، أو حلول جزئية، أو قرارات مرتعشة.
 
مصر «الجديدة»، تتناقض مع إعطاء مسكنات، وستر العورات الاجتماعية، والأمراض الثقافية المتوطنة وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها.
 
نعم، للدستور تعنى أننا حقا، نريد ونستحق كل الحقوق الدستورية المنصوص عليها والتى تضمنها الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
 
من هنا أتساءل عن واحدة من أضخم كوارثنا وأكبر العورات الاجتماعية، والأمراض الثقافية المتوطنة وهى قضية الحب بين النساء والرجال فى مجتمعنا المصرى.
 
إن عواطفنا، هى أجمل وأهم وأثمن وأعمق، ما نملك وهى تحدد هل نحن أصحاء، أم مرضى نفسيا وحضاريا. عواطفنا تؤثر على عقائدنا، مواقفنا الأيديولوجية، وتخلق أكبر الدوافع للتغيير.. إذا تحركت العواطف نستطيع توجيه الفكر حيثما نريد.
فى المناقشات السياسية، لا نجد أحدا، يثير قضية العواطف الإنسانية فى علاقتها بالشأن العام والديمقراطية، والحريات، والحقوق الدستورية.
 
نسمع الكلام المنمق عن ضرورة سيادة حقوق الإنسان، ولا أحد يذكر الحق فى الحب، والحق فى إثراء العواطف.
 
لكن الحقيقة أن الحب بين الرجل والمرأة باعتباره أكثر أشكال العاطفة تكثيفا وثراء، يعتبر التربة الخصبة لغرس بذور الديمقراطية..بمعنى آخر، نقول إن القدرات النفسية، التى يفجرها الحب بين الرجل والمرأة، هى القدرات نفسها التى تتمتع بها المجتمعات الديمقراطية.الحب لا يعترف بالفروق المصطنعة بين البشر، الحب يذيب جميع الفروق، ويعبر كل الحواجز، ويُحلق بعيدا فوق كل الاختلافات الطبقية الِعرقية، والدينية، والفكرية، والعمرية، والجغرافية، والعنصرية، فالحب يمكن أن يجمع بين امرأة غنية، ورجل فقير، أو بين امرأة ذات ديانة معينة، ورجل من ديانة مختلفة، والحب يمكن أن يلم شمل الشامى على المغربى ـــ كما يقولون - ويربط بين رجل له بشرة بيضاء وامرأة ذات بشرة سوداء، وبين رجل فى العقد الثالث من العمر، وامرأة تعدت الخمسين،أهناك ديمقراطيةأرقى من هذه التى يجسدها الحب؟!!!
 
وإذا تأملنا الواقع نجد أن الفشل فى علاقات الحب، هو غياب «التوجه الديمقراطى» للعواطف، فالرجل تكون لديه مشاعر جميلة للمرأة، لكنه عاجز عن رؤيتها، شخصية مستقلة، لها طموحاتها وكيانها الخاص، والمرأة تكون صادقة فى عواطفها تجاه الرجل، لكنها هى الأخرى عاجزة، عن رؤيته، فى إطار يتيح له التحقق، والنمو، والتحرر.
 
إن هذا العجز النفسى، هو ميراث الأنظمة غير الديمقراطية التى تنتج الحب المريض المتسلط، الأنانى، وتخلق العواطف العنصرية الديكتاتورية.
 
إن الديمقراطية ليست المناقشات المطولة، تحت قبة البرلمان، والديمقراطية ليست الانتخابات، والاستفتاءات، وتعدد الأحزاب. الديمقراطية عملية طويلة المدى، تستهدف فى جوهرها إعادة تربية الوجدان، والمشاعر، والعواطف، لتكون أكثر تناغما مع قيم الحرية، والعدالة، والتآخى، والتعاون، والمحبة والسلام.
 
إن الحب الرومانسى بين الرجل والمرأة، لا يحدث فى فراغ، لكنه يبدأ ويستمر فى نظام سياسى معين، وفى مناخ ثقافى محدد، وبالتالى يتأثر بالقيم السياسية، والثقافية السائدة، ويتلون بألوانها. 
 
كيف يمكن فى ظل نظام سياسى قائم على التفرقة الطبقية، والدينية، والجنسية، أن يخلق علاقات عاطفية، متوازنة سوية، عادلة، غير ذكورية، بين الرجال والنساء.؟ إن القوانين التى تحكم الشأن العام، هى التى تحكم الشأن الخاص، والقيم التى تسود فى البيوت، تتبع التى تسود فى البرلمانات.
 
من هنا نقول، إن الحب السوى بالضرورة هو ظاهرة استثنائية، فى المجتمعات غير الديمقراطية ،يحتاج إلى رجل استثنائى، وامرأة استثنائية، والمجتمعات غير الديمقراطية، التى تخاصم العدالة وتعادى الحرية، هى نفسها بالضرورة، المجتمعات التى تخاصم، وتعادى، وتتهم، وتشوه، وتحرم الحب بين النساء والرجال باعتباره ذروة الانحلال الأخلاقى، وأبشع الخطايا، والآثام، الواجب عقابها.
 
وهى المجتمعات ذاتها ، التى تمثل تربة خصبة لجميع أشكال ودرجات الفكر المتطرف، المتعصب، والإرهاب باسم الأديان، ونمو الأخلاق القائمة على العنف وكراهية الآخر، وتهديده، أو إنكاره، حتى التصفية الجسدية. 
 
إن آلاف الشابات، والشباب، الذين يعانون من الفقر، والتهميش، والبطالة، والإحباط، والكبت العاطفى، المحرومين من الأمل، والحُلم، والفن، والبهجة، والتحقق، والعدل فى أدنى درجاته، هم «المدفعية الثقيلة»، لتنفيذ مخططات الإرهاب الدينى.
 
إن عاطفة الحب الناضج، السوى هو أسمى أنواع العواطف، وأرقى السلوكيات، وأنبل المواقف، هى التى تحدث بدافع الحب، وبالتالى فإن الحب ضرورى لتهذيب، مشاعرنا، وتربية أخلاقنا، وإثراء دوافعنا، وتجديد عاداتنا، إلى المزيد من الإنسانية، والتحقق، والدفء، والانفتاح، والتواصل، والمحبة، والسلام، والجمال، والإبداع.
 
والبداية الحقيقية هى الأسرة. هل يضمن الدستور الجديد تكوين الخلية الأولى للمجتمع على أسس عادلة بين الرجل والمرأة؟ بين الزوج، والزوجة؟
 
ليس فقط الأسرة، ولكن كل مؤسسات المجتمع، بدءا بمنظومة التعليم، ومنظومة الثقافة، والأحزاب، لابد أن تتعاون فى رد شرف الحب وتكوين نساء ورجال جدد، جديرين، بأسمى العواطف.
 
إن التنمية الاقتصادية ، والتنمية الثقافية، والتنمية لأخلاقية ،غيرممكنة، بدون تنمية العواطف