
طارق مرسي
أسرار عائلية للبيع
فى الوقت الذى نستعد فيه لإحياء ذكرى ثورة عظيمة يأخذنا الشارع السينمائى إلى قضايا أخرى ربما تعيد للأذهان فترات الانكسار والهزيمة والانفتاح.. قضايا تعتمد على الاستعراض بالحرية الممنوحة للجميع الآن تعتمد فى مجملها على الجنس والابتذال والرخص.
السينمائيون تعاملوا مع الحرية بـ(جرسونيرة) وفى الطريق (حلاوة روح).. أما فيلم (أسرار عائلية) فيراهن بهذا الملف الشائك ويقدم للأرشيف السينمائى أول فيلم مصرى يناقش قضية الشذوذ الجنسى من خلال شاب يتعرض للاغتصاب من شقيقه فى طفولته ويعانى من رفض المجتمع الاعتراف بأزمته وعلاجه مستعرضا مستندات إدانة مجتمع بأكمله.
أزمة فيلم (أسرار عائلية) لن تكون فقط فى معاناة بطله ورفض المجتمع له، بل إن أزمته الحقيقية فى أن الجمهور نفسه الذى سوف يرفض أحداثه وتفاصيله المزعجة والمخجلة.. والتى سبق أن تحفظ حتى على حشرها فى أعمال سينمائية سابقة آخرها فى فيلم (عمارة يعقوبيان).
فالمصرى مهما تقدم عزفه على سيمفونية التكنولوجيا وهزم العقول المتقدمة صاحبة المؤامرات الاستعمارية لن يتخلى عن جذوره وتقاليده وقيمه وأعرافه ومهما ارتفع سقف الحرية لن يخدش حياءه وكبرياءه بأحداث وتفاصيل استثنائية.
(أسرار عائلية) وقضيته ما هو إلا صورة من صور سوء استخدام الحرية والإبداع كما يحلو للبعض أن يسيء لاستخدام الديمقراطية على مدار 3 سنوات مضت..
نعم ليس هناك ما يدعم أن يتواطأ المجتمع على قضايا مهمة منذ عهود فاتت بعد الانفتاح المروع للمجتمع وارتفاع سقف حرياته لكن فى الوقت نفسه هناك من الأزمات والمآسى ما يستحق الاهتمام فى مجتمع أنهكته ثورتان وحان موعد عودته للحياة.
فالفتى (مروان) أو (محمد مهران) يعانى من أزمة نفسية حادة نتيجة تعرضه فى سن مبكرة للاعتداء من شقيقه فى غياب أب مهاجر لأمريكا وأم متسلطة (سلوى محمد علي) لا تهتم سوى بنفسها.
اهتمام المخرج بفضح المجتمع وانفصام مؤسساته والاهتمام بيوميات شاب شاذ جنسيا أربكت أحداث الفيلم الكثيرة وتوهان شخصياته الأخري.. بدءا من خطيئة غياب الأب والتفرقة فى المعاملة بين الأبناء مرورا بصورة (المعلم) الذى لم يعد رسولا ما بين سخريته من تلاميذه ولهاثه على الدروس الخصوصية وضياع هيبته ورجل الدين الذى يركز على إطلاق الفتاوى والشباب الحائر بين غرائزه والتستر بالدين واللحية كدليل على الاستقامة الوهمية حتى الطبيب النفسى. وأزمة الطب النفسى ما بين التدخل العلاجى لمثل هذه الحالات بعقاقير مهدئة وبين الطبيب النفسى الذى يلجأ للحوار لتأمل ما فى باطن المريض ومشاركته فى آلامه وعلاجه والذى حسده فى النهاية (عماد الراهب).. والفيلم عموما يدين منظومة الطب النفسى فى مصر ويبدو أن هذا التوجه مقصود خصوصا إذا علمنا أن منتج الفيلم «د. إيهاب خليل» متخصص فى الطب النفسي.
الأم والمدرس والطبيب ورجل الدين نماذج موجودة داخل فيلم (أسرار عائلية) اجتهد المؤلف فى زراعتها للتأكيد على وجود خلل فى المنظومة الاجتماعية ككل لكنها تاهت بالتركيز على رسم صورة الشاب الشاذ جنسيا.
ورغم إتقان بطل الفيلم لدور الشاب المعذب نفسيا فإن ملامحه الناعمة والمتعمدة ربما ساهمت فى ارتباك المشاهد ما بين وجود جينات فطرية وراثية به دفعته للشذوذ ومن ثم فإن علاجه مستحيل وبين التعاطف معه وأزمته بحثا عن الشفاء والخروج من هذه الدائرة وهذا الخلل الواضح يسأل عنه المخرج «هانى فوزى» الذى اهتم أن يقدم نفسه سينمائيا فى أول عمل له.
بعيدا عن التكتيك السينمائى العادى والتقليدى للفيلم أتحدث عن هانى فوزى كمؤلف سينمائى مميز له أرشيف صغير ولكنه قوى ويتسم بطرح قضايا مهمة مثلما قدم فى فيلم (بحب السيما) وبـ (الألوان الطبيعية) و(فيلم هندي) وتصورت أن يقدم فيلمه الأول من تأليفه لبلوغ حالة التكامل الفنى وليكرر تجارب المؤلف المخرج وله فى العملاق (دواد عبدالسيد) أسوة حسنة ، ولكنه لم يفعل ويبدو أنه لم يتدخل بحصيلة رصيده فى الأحداث التى قدمها السيناريست (محمد عبدالقادر) ولو لمجرد دعمه فى أول تجربة أو حتى لمصلحته كمخرج والنتيجة ضياع الشخصيات الهامشية فى الأحداث رغم أهمية بعضها فى هذا الفيلم مثل دور (الشغالة) الشابة التى تبدو محشورة فى أحداث بدون مبرر واضح رغم أهمية زراعتها وسط هذه المؤسسة الأسرية وكان من الممكن أن تكون طرفا مؤثرا فى الأحداث على أى مستوى خصوصا أنه اختار لها ممثلة شابة صغيرة «مريم محمد على» لكنها تاهت ما بين الخشونة غير المبررة والملمح الكوميدى الذى قدمت نفسها فيه.. فلم أتذكر سوى اهتمامها بسؤال الأم (سلوى محمد علي) عن سر إعجابها بسماع أغنيات (محمد عبدالمطلب) والتى لم يكن لها ما يبررها والغريب أن سلوى قالت والدها كان يحضر حفلاتها !! رغم حداثة السيناريو فترة قبل وبعد أحداث سبتمبر وانهيار برجى التجارة العالمى وارتباطه بالزمن الحالى أو الماضى القريب وليس (قبل الميلاد) أقصد ميلاد عندليب الغناء عبدالحليم.
ويبدو أن اهتمام المخرج بـ (البطل) وتسجيله معاناته فى مجتمع يرفض هذا الشذوذ ويدينه صرفه على التدقيق فى شخصيات الفيلم رغم أننا نلمح به عناصر موهوبة وواعدة مثل (بسنت شوقي) - أمينة - وأحمد عبدالوهاب (سامح) ومعهما بطل الفيلم (مهران) الذى ربما يواجه لعنة دوره فى الفيلم.