مأساة شعب غزة
محمود التهامي
محمود التهامي روزاليوسف الأسبوعية : 29 - 08 - 2009
فى مطلع شهر مارس الماضى انعقد فى مدينة شرم الشيخ مؤتمر لإعادة إعمار غزة تعهد فيه المشاركون بتقديم نحو خمسة مليارات دولار للفلسطينيين ، وطالبوا بفتح المعابر الإسرائيلية مع قطاع غزة فورا.
وقتها أعلن وزير الخارجية أحمد أبو الغيط فى ختام المؤتمر، الذى نظمته مصر والنرويج وعقد بمشاركة نحو 07 دولة فى المنتجع المصرى، أن المشاركين تعهدوا بدفع مبلغ أربعة مليارات و184 مليون دولار أمريكى للعامين القادمين، بالإضافة إلى المبالغ التى أعادت بعض الدول التأكيد على استمرارها فى تحملها فى قمة الكويت للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فى يناير الماضى، ليصل المبلغ إلى خمسة مليارات و002 مليون دولار
طالب المؤتمر أيضا بالفتح الفورى والدائم وغير المشروط لكل معابر إسرائيل مع قطاع غزة، لإتاحة حرية الحركة للأشخاص والبضائع بشكل يمكن الفلسطينيين من استعادة الحياة الطبيعية وإعادة بناء ما تم تدميره.
وأعلن المؤتمر دعمه لتحقيق تهدئة طويلة الأمد فى قطاع غزة، وشدد على أهمية تحقيق المصالح الفلسطينية باعتبار أن التهدئة والمصالحة مطلبان ضروريان لإنجاح جهود إعادة الإعمار. كما اعتمدت الدول المانحة آلية خاصة لتجنب وصول الأموال المخصصة لإعادة الإعمار إلى حركة حماس بسبب مقاطعتها من عواصم تعتبرها (إرهابية)، خصوصا واشنطن.
حتى الآن لم تتحرك تلك الأموال من خزائنها لدى الدول المانحة، ولا يزال الشعب الفلسطينى فى غزة ينتظر أن يقضى الله أمرا فى القيادات التى تتحكم فى مصيره بقوة السلاح الذى كان يوما سلاح مقاومة، ولكن بعد استباحة الدم الفلسطينى من أجل الاحتفاظ بالسلطة أصبح سلاحا لفرض الجوع والحرمان على الشعب.
إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية التى خلفت دمارا هائلا فى القطاع، بعد تخصيص الأموال اللازمة من الدول المانحة، يتطلب ثمنا سياسيا من مختلف الأطراف.
حركة حماس التى يقاطعها المانحون إذ يعتبرونها منظمة ( إرهابية ) بسبب رفضها الاعتراف بعملية السلام مع إسرائيل، عليها أن تتيح عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة بعدما طردت منه الأجهزة الموالية للرئيس محمود عباس المقبول من المجتمع الدولى.
من جانبها تخضع إسرائيل لضغوط كبيرة لفتح معابر قطاع غزة لضمان وصول المساعدات ومواد البناء وتخفيف العقوبات التى تفرضها على حماس فى إطار تهدئة يتم التفاوض عليها برعاية مصرية منذ انتهاء الحرب فى غزة فى 81 يناير الماضى.
والسلطة الوطنية التى تسيطر عليها فتح يجب أن تصل إلى نوع من تقاسم السلطة مع حماس إلى حين التوصل إلى تفاهمات حول انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة تنهى مرحلة التنازع حول الشرعية.
تحاول القاهرة منذ ذلك الوقت استيفاء شروط الدول المانحة للإفراج عن أموال إعادة الإعمار، وهى إقرار التهدئة وتحقيق المصالحة الفلسطينية بين الفصائل لإنهاء حالة الانقسام التى وضعت حماس التى تسيطر على غزة فى وضع غير مقبول دوليا.
الوضع الميدانى التعس فى القطاع بعد الدمار الذى لحق به لم ينجح حتى الآن فى التأثير على أمراء الحرب المتصارعين على السلطة الذين لا يعيشون حالة البؤس والمعاناة التى يعيشها شعب غزة.
الناس فى غزة كل ما حصلوا عليه عبارة عن صكوك تضمن حقهم فى إعادة الإعمار، ولكن لا يوجد أسمنت ولا أسياخ حديد مسلح لإعادة بناء المنازل المهدمة . من يريد إعادة بناء منزله عليه أن يبنيه من الطين كما كان الحال منذ مائتى سنة، والغريب أن السلطات التى تحكم غزة تشجع الناس على العودة إلى الوراء قرنين من الزمان وتحثهم على بناء المنازل من الطين بدلا من أن تنتهج سياسات أكثر واقعية وتسامحا مع أشقائهم الفلسطينيين.
الحوار متعثر رغم أنه المفتاح السحرى لكثير من المشكلات العالقة على المستوى الفلسطينى على الأقل. معظم المحللين متشائمون من جدوى الحوار ويرون أن قادة حماس يستهدفون من تعطيل المصالحة أن يتولوا بأنفسهم ملف التفاوض مع إسرائيل مباشرة للتوصل إلى تهدئة طويلة المدى معها دون اعتراف مباشر بها.
على أية حال لا يوجد أى سبب قد يدفع إسرائيل لقبول مثل ذلك الطرح الذى لا يعكس موازين القوة الحالية على الأرض ولا يعبر عن فهم واقعى لتعقيدات الموقف السياسى الإقليمى والدولى، فليس متصورا أن توافق إسرائيل على هدنة طويلة تسمح خلالها للطرف الآخر بأن يتسلح ويستفيد من التطورات التكنولوجية الحديثة فى صناعة القذائف، كما أن ذلك الطرح يتناقض مع الرؤية العربية فى مجموعها والتى تؤيد فكرة الحل الشامل الذى يتضمن خروج إسرائيل من جميع الأراضى المحتلة فى حرب يونيو 7691 وإقامة دولة فلسطينية تعيش فى سلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
أما افتراض أن قطاع غزة حاليا أرض محررة بناء على الانسحاب الأحادى الجانب الذى قامت به إسرائيل فهو افتراض نظرى ليس له وجود إلا فى ذهن قادة حركة حماس لتبرير استيلائهم على السلطة عنوة فى القطاع من ناحية، وإثارة مشكلات حول معبر رفح الحدودى بالذات الذى تنظم العبور منه اتفاقية بضمانات دولية باعتباره القطاع أرضا محتلة.
إن الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة يعانى الفقر والبطالة والحصار المشترك من جانب كل من إسرائيل ومسلحى حركة حماس، أعادهم العدوان الإسرائيلى الأخير إلى الوراء مائة سنة على الأقل ويتطلعون إلى إعادة إعمار بلادهم وبناء بيوتهم التى هدمتها الحرب والأموال فى انتظارهم لا تجد من يتسلمها وفق شروط المانحين ولسان حالهم يقول : أليس فى قادتنا رجل رشي