الإثنين 30 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إسرائيل تحارب إيران على أرض السودان

إسرائيل تحارب إيران على أرض السودان
إسرائيل تحارب إيران على أرض السودان


الصراع الدائر بين دولتى شمال وجنوب السودان تحول إلى كرة لهب تنتقل بسرعة البرق من موقع لآخر، ومن ولاية إلى أخرى، بعد أن تخطت الأزمة مرحلة الحروب الصغيرة المتقطعة إلى حرب مفتوحة وشاملة على طول الحدود الطويلة الفاصلة بينهما، وبدأ كل طرف يستثمر بكل طاقته نقاط الضعف لدى الطرف الآخر، استعدادا للتعايش مع حالة التوتر الدائم التى أصبحت السمة السائدة فى علاقة الدولتين منذ اللحظة الأولى لانفصال الجنوب عن الشمال منتصف العام الماضى.
 
 
المعارك الجارية بين جوبا والخرطوم حاليا مرشحة للتوسع والاستمرار، مادامت الحركة الشعبية هى المسيطرة على مقاليد الأمور فى الجنوب، والمؤتمر الوطنى هو المتحكم الأوحد فى المشهد السياسى بالشمال.. المؤكد أن المواطن السودانى على الجانبين هو الضحية.. فقد اعتاد أن يدفع فاتورة حرب عبثية اندلعت منذ نصف قرن بين الشمال والجنوب ومازال يدفع ثمنا باهظا لصراع عرقى وإثنى عميق فشلت اتفاقية السلام الأخيرة فى حسمها.
 
 
الاحتلال المفاجئ للجيش الجنوبى لمنطقة «هجليج» الشمالية الغنية بالنفط قبل أيام نزل كالصاعقة على حكومة الخرطوم لما تمثله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية باعتبارها المصدر الرئيسى للوقود الذى يستهلكه الشعب السودانى، مما جعل أمر استعادتها مسألة حياة أو موت بالنسبة لحكومة الرئيس البشير.. أزمة «هجليج» أصابت علاقة الشمال والجنوب بانتكاسة سياسية عميقة، وقضت على أى أمل فى التعايش السلمى بين البلدين بعد أن خفت صوت السلام وارتفع صوت «البازوكة» أو المدفع، وأصبحت الحقيقة المرة فى السودان أنه لا صوت يعلو على صوت البازوكة.
 
قرار احتلال هجليج جاء ردا على فشل مفاوضات الجانبين حول تحديد النسبة المستحقة للشمال من بترول الجنوب مقابل تأمين مروره عبر أراضيه.. فحكومة الجنوب أوقفت إنتاج النفط منذ أكثر من شهرين احتجاجا على ما اعتبرته «سرقة» الشمال لنفطها بعد أن تبين لهم أن الشمال يحصل على نسبة 30٪ من حجم الإنتاج لحسابه.. عائدات النفط تمثل 98٪ من الدخل القومى للجنوب.. الشمال يدرك جيدا أنه لا بديل أمام الجنوب لتصدير نفطه للخارج سوى القبول بما يفرضه عليه من شروط.. هنا ولدت فكرة حرمان الشمال من الاستفادة من حقوق بترول هجليج القريبة من الحدود المشتركة، لذا قاد رياك مشار نائب الرئيس الجنوبى الحملة العسكرية بنفسه وأشرف على عملية احتلال هجليج نظرا لوقوعها فى منطقة نفوذ قبائل النوير التى ينتمى إليها «مشار».
 
إلى أين ترسو سفينة صراع البلدين اللذين كانا قبل شهور معدودة بلداً واحداً ومتى تختفى لغة الحرب بين الإخوة الأعداء فى الشمال والجنوب ؟ وما هدف الحركة الشعبية من احتلال آخر حقول إنتاج النفط التى يمتلكها الشمال ويعتمد عليها بشكل أساسى فى تدبير استهلاكه المحلى من الوقود ؟ لماذا سقطت هجليج بسهولة فى أيدى الجنوب ولم تجد مقاومة تذكر من الجيش السودانى ؟ وهل ممكن أن يؤدى تحريرها إلى حرقها بمن فيها إذا لم ينجح حصارها الحالى ؟ لماذا لم تتجاوب كل من جوبا والخرطوم مع المبادرة المصرية التى طرحها وزير الخارجية  على الجانبين ؟.. هذه كلها أسئلة فرضها احتلال الجنوب المفاجئ لتلك المنطقة الحيوية الغنية بالنفط الواقعة على خط الحدود الساخن بين الطرفين.
 
الجيش السودانى لم يجد أمامه مفراَ سوى تضييق الخناق العسكرى على منطقة هجليج، محاولا تفادى المواجهة المسلحة المباشرة مع الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين للجيش الشعبى الجنوبى التى تحتل المنطقة منذ أسبوعين.. فقد جاء قرار السيطرة على هجليج مباغتا للخرطوم، ثم رفض قادة الحركة الاستجابة لقرارات مجلس الأمن والاتحاد الإفريقى بإخلائها فورا بدون قيد أو شرط، بل أصر الرئيس الجنوبى سلفا كير على نشر قوات دولية بها كشرط للانسحاب منها والبدء فى إجراءات اللجوء إلى التحكيم الدولى لحسم تبعيتها.. على طول شريط الحدود الطويل الفاصل بين الدولتين تدور معارك متقطعة، والطرفان يستعدان لكل الاحتمالات ولم يبق سوى الإعلان عن انطلاق المواجهة العسكرية الشاملة بينهما والثمن الباهظ يدفعه المواطنون الأبرياء البسطاء فى الجانبين.
 
 
على مدى أكثر من 20 عاما اكتوى الطرفان بنار الحرب ودفعا وتكبدا خسائر لا تحصى من البشر والثروات التى التهمتها نار المعارك المتقطعة وكانت الضحية دائما هى التنمية والاستقرار والأمن الذى افتقده الشعب السودانى طوال سنوات الحرب الأطول فى تاريخ القارة السمراء.. خطورة تجدد الحرب بين شمال وجنوب السودان أنهما كانا شريكين فى السلطة والثروة طوال أكثر من خمس سنوات.. فى تلك الفترة درس كل طرف جيدا نقاط الضعف لدى الطرف الثانى.. كما أن المعارك السابقة كانت بين دولة وحركة متمردة عليها.. الآن تغيرت الصورة وأصبح القتال يدور بين دولتين ،الأولى ترى أن السلام الذى دخلته لحسم الصراع وجلب الاستقرار والأمن لم يكن سوى سراب.. واستيقظت فجأة على اقتطاع ثلث الوطن وفقدان ثلاثة أرباع الثروة النفطية والطبيعية.. ليس هذا، وحسب بل إن الجار الجديد تحول إلى جبهة تأوى كل خصومها السياسيين فى الداخل وأعدائها فى الخارج أيضا.
 
 
أما دولة الجنوب .. فبدأت تغذى الصراع القبلى فى ثلاث ولايات جنوبية دفعة واحدة، تغالى فى نسبتها من البترول مقابل تأمين مروره عبر أراضيها وتماطل فى مفاوضتها حول المناطق الحدودية المتنازع عليها، فلم تجد أمامها سوى منطقة «هجليج» الغنية بالنفط لتهاجمها بأكبر قوة مشاة لديها وتحتلها لتحرم الشمال من آخر منطقة بترول يعتمد على إنتاجها فى استهلاكه المحلى..رغم تعقيد الموقف السياسى فى مصر إلا أن القاهرة أدركت خطورة تطوير المعارك بين جوبا والخرطوم.. فحاولت التهدئة.. محمد كامل عمرو وزير الخارجية المصرى عرض على المسئولين فى الجانبين مبادرة تتضمن سحب القوات الجنوبية من «هجليج» ثم الدخول فى مفاوضات مباشرة وجادة لحسم الخلافات العالقة فى القاهرة.. لكن الخرطوم ردت على المبادرة المصرية بقرار من البرلمان السودانى باعتبار الجنوب دولة معادية فى حين ردت جوبا على المبادرة المصرية برفض الانسحاب إلا بعد نشر قوات دولية واللجوء إلى التحكيم الدولى حول تبعية هجليج كما حدث مع مثلث أبيى.
 
 
 وزير الداخلية السودانى الأسبق اللواء أحمد عبدالرحمن رأى أن احتلال الجنوب لـ «هجليج» تم التخطيط له من قبل وفقا لوثائق تم العثور عليها فى منزل نائب الرئيس الجنوبى «رياك مشار» فى الخرطوم، وأن الجنوب ينفذ أجندة أمريكية إسرائيلية تهدف إلى تركيع السودان وإجباره على الدخول فى بيت الطاعة الأمريكية، مشيرا إلى أن واشنطن لن تغفر للخرطوم بيعها النفط للصين خروجا على المبدأ الأمريكى المعروف بأن النفط لمن يكتشفه وليس لمن يستخرجه.
 
وزير الداخلية السودانى الأسبق قلل من دور بقايا الحركة الشعبية بقطاع الشمال فى الولايات الحدودية، مشيرا إلى أن الجيش الشعبى هو الذى دخل «هجليج» وأن قواته سوف تخرج منها بعد أن تتلقى درسا قاسيا على أيدى الجيش السودانى، لأن ما قاموا به أمر خطير ولن يتركه الشعب السودانى يمر بسلام حتى لا يتكرر فى المستقبل.
 
وحول مستقبل العلاقة بين جوبا والخرطوم فى ضوء أزمة «هجليج» قال عبدالرحمن إن الجانبين حريصان على عدم توسيع دائرة الحرب ومحاصرة الصراع فى بؤر محددة بالمناطق الحدودية، وأن الأزمة الأخيرة، نجحت فى توحيد الشعب السودانى خلف البشير، لكن يجب أن يتم إعادة النظر فى أمور عديدة على المستويين الخارجى والداخلى أهمها الإسراع بعملية الإصلاح السياسى وإطلاق الحريات ومكافحة الفساد .
 
 
على الجانب الآخر قال دبلوماسى جنوبى لـ «روزاليوسف» إن الجنوب استعاد «هجليج» التى تقع ضمن الحدود الجنوبية حسب حدود 1956 وأنها ظلت تابعة للولايات الجنوبية حتى أصدر الرئيس السودانى الراحل جعفر نميرى قرارا عام 1977 بضمها إلى الشمال وطرد سكانها الجنوبيين إلى مناطق أخرى بدون تعويض بعد أن ثبت وجود البترول بها، لذلك فإن الجيش الشعبى لن يغادرها إلا بعد نشر قوات دولية بها واللجوء إلى التحكيم الدولى.
 
 
وحول قرار مجلس الأمن والاتحاد الإفريقى بسحب القوات الجنوبية من «هجليج» بدون قيد أو شرط رد المسئول الجنوبى قائلا «اتفاقية نيفاشا للسلام هى المرجعية الأساسية لضبط العلاقة بين الشمال والجنوب وبناء على مضمونها جاء قرار استعادة «هجليج» للجنوب مرة أخرى.
وفيما يتعلق بالاتهامات الشمالية بأن الجنوب يستعين بسلاح إسرائيلى فى معاركه مع الشمال نفى أن يكون لدى جوبا أى نوع من السلاح الإسرائيلى وأن هذه الشائعات الشمالية المغرضة مجرد شماعة لتبرير عدم قدرتها على الدفاع عن «هجليج»، مشيرا إلى أن لدى جوبا طائرة استطلاع إيرانية الصنع نجحت قوات الجيش الشعبى فى إسقاطها قبل دخول «هجليج».
 
 
أما فيما يتعلق باتهام الجنوب بدعم قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال المنتشرين فى ولايات جنوب كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق رد المسئول الجنوبى قائلا : إن العكس هو الصحيح، فالشمال هو الذى يدعم حركات التمرد القبلى فى ولايات الوحدة وجونجلى ورمبيك وغيرها، وهو ما تعتبره جوبا عملا عدائيا يستوجب الرد !!