هات مفتاح مصر يا شاطر

محمد العادلي
يقال - والعهدة على الراوى - إن المرشحين لرئاسة مصر .. كل منهم يغنى على ليلاه.. فبعضهم يغنى - مع أم كلثوم - «مصر التى فى خاطرى وفى فمى .. أحبها من كل روحى ودمى .. ياليت كل مؤمن بعزها يحبها حبى لها.. بنى الحمى والوطن من منكم يحبها مثلى أنا».
غير أنه .. تم ضبط بعضهم .. يغنى - «فى الحمام» ... وفى «اجتماعاته الخاصة» ... وفى أماكن أخرى - نفس الأغنية .. بس بعد تغيير كلمة «مصر» ... بكلمة أخرى ... ففريق منهم اختار كلمة «السلطة» ... والبعض اختار كلمتى «المال والأبهة»... والبعض اختار كلمة «الجماعة» ... حيث تم ضبطه يغنى «الجماعة التى فى خاطرى وفى فمى ... أحبها من كل روحى ودمى .... إلخ الأغنية».. المهم أن بعض المشتاقين للجلوس على كرسى «الرئاسة» .... مؤهلاته ... وخبراته لا تؤهله لأن يشغل هذا المنصب الرفيع ... وبعضهم يعتقد أن «تمكينه» من هذا المنصب هو ... «قضاء ... وقدر ... وأمر إلهى» ... يجعل المنصب ينساق إليه انسياقاً ... وأن خبراته فى مجال «التجارة» كافية فى حد ذاتها .. لأن يكون مؤهلاً لمثل هذا المنصب الرفيع ... وذلك استناداً إلى أن التجارة «شطارة»... وأن «الشيطان ... شاطر» ... وأن العمل بالسياسة محتاج إلى «شطار» فى التجارة .... لتغطية الناحية الاقتصادية ... فى البلاد ... وإلى «شياطين شطار» ... للتعامل مع أهل السياسة والبولوتيكا التى يغلب فيها «الجانب الشيطانى» على الجانب «الملائكى».
ولقد «انشطر» المجتمع المصرى «انشطارات» عديدة .. - كانشطارات الذرة - نتيجة ترشيح «المرشح ... الشاطر» لرئاسة الدولة ... فانشطر ... أولاً .. المصريون - بوجه عام - إلى مؤيد ومعارض لهذه الفكرة ... ثم انشطر أصحاب التيار الإسلامى إلى شطرين .... «شطر معه» ... و«شطر ضده» ... ثم انشطرت جماعة «الإخوان المسلمين» انشطارات متعددة ... سواء ... فيما يتعلق بأعضاء الجماعة من الداخل وسواء فيما يتصل بأعضائها المنتسبين ... أو المفصولين أو المستقيلين، وسواء فى ذلك شيوخ الجماعة وشبابها ... كما انشطر التيار السلفى انشطارات عدة بخصوص هذا الترشيح الذى قلب موازين ... الحسابات ... والتوازنات ... والصفقات ... وكل ماهو آت.. ولم يتوقف الانشطار عند حد المجتمع المصرى الداخلى، بل تجاوز ذلك ليشمل أبناء مصر فى الخارج، بل إن «الانشطار النووى» امتد ليشمل الدول الخليجية والأمريكية والأوروبية ... ويقال إن الخواجة «ماكين» ... قال فى هذا الصدد قولته المشهورة : «لا تمكين ... بدون ماكين»... الأمر الذى دفع بعض المشتاقين لكرسى الرئاسة أن يذهبوا إلى «ماكين» ويطلبوا منه «التمكين» فرد «ماكين» بقوله: «مكَّنى ... أمكَّنك» ... فاستفسر ... المشتاق لكرسى الرئاسة - مستغرباً - أمكَّنك من إيه؟ ... فقال «ماكين»: «من أى أمريكانى .. يكون ... تمكَّنت منه ... بلادكم ... وأصبح غير ممكن سفره لأمريكا إلا بشوية مزيكا عليهم شوية بولوتيكا ... ياللا .. ياويكا رجع لنا أولادنا أمريكا» .. وفعلاً تم «تمكين ... ماكين .. من أبنائه .. اللى كانوا فى «الكمين» ...
ومن هنا ابتدأت الحكاية وتلميع «المرشح الشاطر» .. لدرجة أن بعض «الشطار» شبهوه بسيدنا «يوسف» عليه السلام وهو تشبيه محل نظر لأن «مؤسس الجماعة ... المرحوم بإذن الله تعالى» لم يصل إلى درجة «الأنبياء» فى نظر محبيه ... بل وصل فقط لدرجة «أولياء الله»، حيث رثاه المجاهد المغربى عبدالكريم الخطابى - فى كتابه قصة الإسلام - بقوله ... أيا ويح مصر والمصريين، مما سيأتيهم من قتل البنا، قتلوا وليًّا من أولياء الله، وإن لم يكن البنا وليًّا فليس لله ولى».
وأيا كانت درجة «التقديس» التى يحاول الشطار إضفاءها على الشاطر، فإن مثل هذه البداية مفزعة تكرس لدولة دينية ولرئيس «إن لم يكن إلهاً ... فهو نصف إله ... أو حتى ربع إله»، وحاشا لله - أن يكون رئيس دولة مصر - بعد ثورة 25 يناير ...التحررية - فرعوناً جديداً ... بثوب جديد حتى ولو كان بثوب دينى محاط بهالة من الكرامات والتشبيهات بالأنبياء... والشطار يقولون إن من كراماته «دعاؤه المستجاب»، فإذا كانت أول القصيدة «تشبيه بنبى» ماذا يكون آخر القصيدة؟!
ولما وجد الشطار «التشبيه بسيدنا يوسف عليه السلام» سيرضى فقط أصحاب التيار الدينى فاتجهوا «شطر» الليبراليين والليبراليات الأحياء منهم والأموات ... ليسترضوهم فشبهوا «الشاطر» بالزعيم الأفريقى «نيلسون مانديلا» الذى جاء من السجن إلى كرسى الحكم، وهو تشبيه محل نظر أولاً لأن نيلسون مكث فى السجن «28سنة» ... والشاطر مكث «10 سنوات فقط»، فحتى يصل «الشاطر» لدرجة «مانديلا» عليه أن يستكمل الــ «28 سنة» فى السجن أو يكتفى بأن يكون شبيـــــــــــها بـ «نيلسون» فقط أو «مانديلا» فحسب وهو تشبيه محل نظر «ثانياً» لأن نيلسون مانديلا صاحب فكر ورؤية تحررية محور ارتكازها محاربة التفرقة العنصرية وهى رؤية وفكر لم نشهدها لدى «الشاطر» إلا إذا اعتبرنا «وثيقة «فتح مصر» هى محور ارتكاز فكر «الشاطر» وهى وثيقة تعتبر «كل مصرى - خارج الجماعة» - مسلمًا كان أم مسيحياً - من كفار قريش وأمامه خياران: فإما أن ينضم للجماعة، أو يدفع «الجزية»، ومعنى هذا أن فكر «الشاطر» عكس فكر «نيلسون مانديلا»، الشاطر ينادى بالتفرقة العنصرية بين «أعضاء جماعة الإخوان المسلمين»، وغيرهم مِمَنْ هم خارج الجماعة، ويظهر ذلك جلياً فى معاملة «الجماعة» للخارجين عليها من أعضائها، إذ تعتبرهم من «الخوارج»، ولذا فإن كان فكر «الشاطر» هو عكس فكر «نيسلون مانديلا»، فإن التشبيه الصحيح أن نقول «الشاطر يشبه «مانديلا نيلسون».
وباعتبار أن «الشاطر» هو الذى معه ««مفتاح مصر»الذى جهزه «لفتح مصر»، فالأمر لا يخلو من تصورين: الأول أن ينجح «الشاطر» فى انتخابات الرئاسة، فيرفع يده بمفتاح مصر، وبعلامة النصر ويتوكل على الله ليؤسس ... لدولة الإخوان المسلمين الأولى، والتى إن بدأت فلن تنتهى إلا بعد عدة قرون، حيث يتم إحياء الخلافة الإسلامية مرة أخرى التى كانت قد سقطت عام 1924 م أى قبيل إنشاء الجماعة بأربع سنوات، ولعل هذا السقوط المدوى هو الذى قاد التفكير لإحياء الخلافة الإسلامية مرة أخرى من خلال إنشاء جماعة الإخوان المسلمين، وسبحان محيى العظام وهى رميم.
أما التصور الثانى فهو عدم فوزه بانتخابات الرئاسة، ونتساءل - حتى لا تحدث مشاكل فى ... «مرحلة تسليم ... وتسلم»... «كرسى الرئاسة» - .. هل من حق الرئيس المنتخب أن يقول للشاطر : هات مفتاح مصر يا شاطر؟
وإذا رد الشاطر وقال: مفتاح مصر ضاع منى .. ممكن تاخدوا طفاشة؟
فهل نأخذ الطفاشة ؟ أم نرفع عليه دعوى تعويض عن المفتاح اللى ضاع ؟!
وإذا فاز «أبو الفتوح» بمنصب الرئاسة ... فهل نصمم على طلب «المفتاح» من «الشاطر» حتى نستطيع «أن نفتح مصر»؟ .. وهل يستطيع «أبو الفتوح» يتصرف فى«فتح مصر» بدون «مفتاح»؟!
أسئلة غريبة مجاوبشى عليها ... آمال .. إنت ياعزيزى القارئ - بتعمل إيه - جاوب أنت ... وأرسل جوابك .. على الإيميل لذوى الشأن من الأصدقاء والأحباب، ولاشك أن عاصفة من الردود المحمومة ستلاحق هذا المقال- كما لاحقت مقالى السابق .. عن الجماعة التى وضعت دستورا -... ولن أعتبر... الردود المحمومة ... ردود فعل متعنتة أو متعسفة، أو غير لائقة، وإنما سأعتبرها كأثر من آثار «لعنة الفراعنة» ... باعتبار أننى استحضرت الفراعنة فى هذا المقال.
أستاذ القانون الجنائى ورئيس قسم القانون العام -
كلية الشريعة والقانون بطنطا -
والمحامى أمام محكمة النقض والإدارية العليا والدستورية العليا