الأحد 29 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
لم يُحسم بعد

لم يُحسم بعد

ثلاث ضمانات وثلاثة شروط تحدّد ملامح المشهد التالى فى الحرب على إيران. 



فى لقاءاته المكثفة مع فريقه للأمن القومى طلب الرئيس الأمريكى ضمانات ثلاث لحسم قراره بدخول الولايات المتحدة كطرَف مباشر فى المواجهة العسكرية إلى جانب إسرائيل:

-أن تكون الضربة الأمريكية ضرورية حقًا

-وألا تؤدى للتورط فى حرب طويلة الأمد

-وأن تنجح فى القضاء على قدرة إيران النووية

وبصرف النظر عن احتفاظه لنفسه بحق التراجع عن القرار حتى اللحظة الأخيرة (وهو ما لم يحدث) وبصرف النظر أيضًا عمّا قالته إيران من أن الأضرار التي أصابت منشآتها النووية جراء الضربة هى «ممّا يمكن إصلاحه» وأن أغلب اليورانيوم عالى التخصيب قد تم نقله أصلاً إلى مواقع آمنة.. وبصرف النظر ثالثًا عن أن مسؤولين أمريكان قالوا إن الضربة «قاصمة» ونجحت نجاحًا ساحقًا لكن «لا يمكن الآن تحديد حجم الضرر الذي ألحقته».. إلاّ أن الثابت أن هذه الضربة كانت كافية كى يرى «ترامب» أن أهدافها تحققت مُهنئًا العالم بـ«السلام»!!!

منتقلاً إلى المرحلة التالية بتبنّى «وقف إطلاق النار»!!! داعيًا (أو آمرًا) إيران بالجلوس على مائدة المفاوضات لأن السلام «لا بُد أن يبدأ الآن»!!! 

وهنا يبدأ دور شروط «ترامب» الثلاثة لـ«السلام» التي لا تختلف فى الحقيقة عن شروط «الاستسلام» التي طالب بها إيران مع بدء الهجوم الإسرائيلى، وهى:

-أن تتخلى عن برنامجها النووى

-أن تُسَلم ترسانتها الباليستية

-ألاّ يكون لها وكلاء إقليميون 

والحقيقة أن كل ما حدث منذ ضربة إسرائيل الأولى ووصولاً إلى المشهد الحالى لم يكن به أى مفاجأة:

-فالهدف الاستراتيجى القائم على التوافق الأيديولوجى بين أمريكا وإسرائيل يجعل ضرب إيران حتميًا لتحقيق مصالحهما الممتدة.

-ودخول أمريكا بنفسها عسكريًا لمساندة حليفتها «الوحيدة» أمر متوقع سواء لأنها ماضية حتى النهاية نحو استكمال تشكيل «الشرق الأوسط الجديد» أو لأن إيران كدولة وكقوة عسكرية ليست غزة ولا سوريا المنهَكة ولا مجرد «وكيل» إقليمى يهدد إسرائيل.

- ودعوات وقف إطلاق النار لم يكن ممكنًا أن تأتى إلا عندما تصبح إيران فى أضعف وضع ممكن مُصابة فيه بأضرار جسيمة، تنذر بما هو أسوأ وتجعل قدرتها على الرد «رمزية»

لاعتبارات عسكرية وسياسية أيضًا، بحيث تضمن أمريكا أن مساحات التنازل الإيرانى ستكون عند أقصى حد لها إذا جلست على مائدة «مفاوضات».

- وانتهاك وقف إطلاق النار (بالذات من جانب إسرائيل) هو سَير فى اتجاه نفس الهدف، فضلاً عن أنه أسلوب معتاد فى جميع عملياتها العسكرية.

ومع الوضع فى الاعتبار أن تطورات المشهد الحالى لا يمكن حسمها تفصيلاً، إلا أنه لا يجب اعتبار ما يردده الرئيس الأمريكى الآن من أنه «لا يريد تغيير النظام فى إيران» هو تغيير لموقفه الذي أعلنه سابقًا، فالخداع الكامل ليس فقط سياسته؛ بل عقيدته التي تثبتها جميع مواقفه وتحركاته و«صفقاته» التي يمارسها مُطمئنًا إلى غياب أى رادع حقيقى حتى الآن بحسب موازين وحسابات القوَى العالمية ومستندًا إلى أقوى قوة عسكرية عرفتها البشرية وإلى نفوذ وهيمنة سياسية أمريكية شبه كاملة.. مع تشييع لجثمان الأمم المتحدة.. ورغم أن تلك المحددات / المنهج هى فى الواقع ومنذ نهاية الحرب الباردة (على الأقل) منظومة «القيم الأمريكية» الموازية لمنظومة قيمها الدستورية الشهيرة التي تصدّرها للعالم ورغم أنها تُطبق كسياسة استراتيجية بصرف النظر عن اسم أى رئيس؛ فإنها ربما وصلت إلى أقصى وأفدح تطبيق عملى لها فى وجود شخص رئيس مثل «دونالد ترامب».. وهكذا لا يمكن الاستناد أبدًا إلى تصريح مثل «لا أريد تغيير النظام فى إيران»، فهذا الهدف يمكن أن يحدث ولو بأساليب مختلفة ليس أولها تغييره هيكليًا وليس آخرها تكسير أنيابه.

أخيرًا.. قد يكون من اللافت أن اثنين من علماء السياسة البارزين هما الأمريكى «روبرت مالى» والفلسطينى اللبنانى «حسين أغا» اعتبرا فى تحليل مفصّل لهما نشرته مجلة «Foreign Affairs» أن الحرب الأمريكية الإسرائيلية على إيران التي تبدو لمن لا يعرف الشرق الأوسط محسومة، هى ليست كذلك وأنه بالنظر إلى «سوابق» المنطقة فإن القصة لا تنتهى؛ حيث إن القوة تستدعى قوة مضادة والنجاح يولد ردود فعل تستدعى نقيضه، و«كلما اقتربت إسرائيل من النصر التام اقتربت من حالة عدم اليقين التام ومن مخاطر ناجمة عن الإذلال المكبوت.. لذلك فهذا النوع من النصر ليس آمنًا».

وهكذا- بحسب تحليلهما- فإن السنوات المقبلة لن تعكس خططًا مدروسة ووصفات سياسية صارمة؛ بل ستشكلها الغريزة والعاطفة النابعة من توق عميق للإنصاف والانتقام التاريخى.