الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

منير.. الملك هو الملك

منير.. الملك هو الملك
منير.. الملك هو الملك


اعتدنا دوماً على سماع الموسيقى والغناء منذ الصغر بشكل تلقائى للترويح عن النفس أو التسلية أو لما تنتجه الموسيقى من نشوة حسية، لكن حينما يرتقى هذا الإحساس وتتوحد مع هذه الحالة الإبداعية سيكولوجياً وتصل للمتعة الجمالية نكون أمام فن حقيقى.

هذه الحالة قد تحققت عند استماعى واستمتاعى بالأغنيات الدرامية فى مشوار ملك الأغنية محمد منير الذى اخترق المجال الفنى فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى وظل محافظاً على لونه الفريد حتى يومنا هذا، مع زيادة شعبيته وجماهيريته بشكل غير مسبوق، وكان تكريمه الأخير فى مهرجان الإسكندرية السينمائى لدول البحر المتوسط الذى يرأسه الناقد السينمائى المتألق الأمير أباظة والذى اختار منير كسابقة من نوعها لتكريم مطرب فى مهرجان سينمائى نظراً لعطائه المتميز فى مجال الفن السابع ولدور أغنياته فى نجاح بعض الأفلام ذاتها.
هذا هو منير صاحب البشرة السمراء المنتمية لجذور نهر النيل، فتشعرك بأصالة ودفء لأرض النوبة العريقة، وفى ذات الوقت نحافة جسده ورشاقته وعدم التزامه بالتقاليد والأعراف الغنائية فى المظهر خلق منه حالة شبابية معاصرة، فجمع منير بين الأصالة والمعاصرة فى صفاته الشكلية الخارجية، أما عن المضمون فكان للشجنية الملموسة والمغلفة لصوته الشرقى لها أثر كبير على استغلالها فى الأعمال المختلفة درامياً، كذلك طبيعة صوته التينور التى تمثل إحدى طبقات الأصوات الرجالية بما فيها من إمكانات تقنية بجانب صدق إحساسه وقدراته التى تنم عن موهبة غنائية فذة اقتادت الشباب من أقصى جنوب مصر لأقصى شمالها معبراً عما يجيش فى نفوس الكثيرين من أحاسيس بعد أن مارس هواية الغناء فى مقتبل الشباب، وبعد أن انتقل مع أسرته إلى الحياة فى القاهرة، حيث درس بكلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، وفى هذه الأثناء غنى لأصدقائه وأقاربه.. وبما أن الصدفة كثيراً ما تلعب دورها فى تغيير حياة الشخص فقد كانت هى المحرك الأساسى لنتمتع بصوته كمطرب، حيث التقاه الشاعر ومؤلف الأغنيات القناوى عبدالرحيم منصور، وأعجب بصوته وقدمه إلى الملحن النوبى الشهير أحمد منيب، الذى فتح له طاقات الإبداع وتعاونا فى مجموعة كبيرة من الأعمال.
وقدم لنا صوت النوبة الرائع فى رحلة نجاح لا ولم تنته، حيث اخترق القلوب بسرعة السهم بصدقه وإحساسه المتميز منذ أن طل علينا بألبومه الأول «علمونى عنيكى» فى أواخر السبعينيات من القرن الماضى وتحديداً عام 1977  وكان المناخ وقتها فى حالة جيدة لاستقبال كل ما هو جديد، حيث شهدت سنوات منتصف السبعينيات فقدان بعض مطربينا العظماء منهم فريد الأطرش، كوكب الشرق أم كلثوم ثم العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، كما تراجع دور موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن التلحين مما جعل الساحة الفنية أكثر قدرة على استقبال وجوه شابة جديدة، وخاصة حينما تجىء محملة بطابع أو لون جديد يختلف عما هو شائع آنذاك، مما جعل الجمهور فى حالة تأهب لانتقاء الجيد، واختطافه ليأسره حبيساً فى وجدانه، وبالتالى يعتبر منير قائد ثورة التغيير فى الأغنية المصرية من حيث الشكل والمضمون،  فكان هو أكثر من على الساحة إلماماً ببواطن السياسة التى تناولها فى أغنياته بشكل غير مباشر، وأيضاً القضايا الفلسفية التى احتوتها بجانب الأغنيات العاطفية والاجتماعية كاحتياج فنى حقيقى لدى العامة، وبذلك وصل إلى قاعدة عريضة من الجمهور العربى فى وقت قصير حتى أطلق عليه «الملك» بعد مشاركته فى مسرحية الملك هو الملك.
وبخلاف مشوار منير الغنائى كمطرب إلا أن الدرامية المتوغلة فى صوته النقى جعلت منه حالة غنائية درامية فريدة من نوعها أيضاً فى مجال السينما.. ويعتبر هو أكثر أبناء جيله من حيث عدد المشاركات السينمائية وكذلك تعاونه مع عدد من المخرجين المتميزين فى مقدمتهم العبقرى يوسف شاهين.
اختيار كلمات الأغنيات والتى تميز بها منير، حيث نلحظ قيمة الأغنية التى ينتقيها من حيث المضمون والفكرة التى يتم تناولها والتعرض لها بمستوى تعبيرى ولفظى جاد يبتعد كل البعد عن الابتذال الذى عاهدناه فى العقدين الأخيرين تحديداً.
وظل منير محتفظاً بخصائص الغناء النوبى المتأصل فى وجدانه والمعتمد على الصوت البشرى بشكل كبير بجانب الاهتمام بالإيقاع كعنصر مكون للعمل الفنى أو آلاته المستخدمة التى ترتكز على الدفوف فى أغلب الأحيان، وأيضاً عناصر موسيقية أخرى منها السلم الخماسى وأسلوب الغناء الحر المرتجل المعتمد على الزخارف اللحنية وعدم التقيد بالمقام، والسير وفقاً للمساحة الصوتية شائعة الاستخدام فى المنطقة الوسطى دون قفزات طيلة الأغنية، لكن تلعب الزخارف الحسية فى إضافة بعد جمالى وفقاً لمدى تأثير البيئة النوبية وهو ما تجلى لدى منير فى أغنياته التى تمزج بين الخصائص ‐الشرقية والغربية، سواء على مستوى الأداء أو التوزيعات الآلية، وأيضاً استخدام الإيقاعات السريعة النشطة المحببة لجميع الأعمار، المتفاوتة من الطفولة إلى الكهولة والتى تساير التطور التكنولوجى السريع فى أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الحادى والعشرين بكل ما فيه من وسائل اتصال وتناقل معلومات وخلافه، وكذلك تقنيات هندسة الصوت التى واصلت مسيرة التقدم، ودائماً منير متماشياً مع تطورات العصر.∎