الحرس الثورى النسائى الإيرانى الذى لا يقهر!

مروة سلامة
رغم أن الحرس الثورى الإيرانى ونفوذه وانتشاره فى بعض البلدان العربية مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن كان حديث العالم فى السنوات الأخيرة، حيث لعب دورا مهما فى تحريك وإشعال الأحداث فى المنطقة، فإن أحدًا لم ينتبه إلى التنظيم النسائى داخل قوات «الباسيج» التابعة للحرس الثورى ودورهن فى تدريب الكرديات والسوريات ومشاركتهن فى الأحداث سواء داخل أو خارج إيران، حيث يعتبرن أحد أهم الأدوات التى يرتكز عليها النظام فى إيران، ويتم تدريبهن عسكريًا على أعلى مستوى، بعد أن تجاوز عددهن السبعة ملايين امرأة وفتاة، والدولة الإسلامية تسعى لزيادة العضوات المنتميات إلى هذه الميليشيات لتتناسب مع خططها التوسعية فى المنطقة.
فى أعقاب الثورة الإسلامية التى قادها «الخومينى» بدأ تشكيل بعض الميليشيات شبه العسكرية والتى تدين بالولاء له وللجمهورية الإسلامية وتضم أعداداً من المتطوعين من الرجال والنساء عرفت باسم قوات «الباسيج» تتبع الحرس الثورى ويشرف عليها مباشرة «الخومينى» باعتباره الولى الفقيه والمرجع الأعلى، والذى يملك زمام الأمور السياسية والدينية فى البلاد، وتمت الاستعانة بهذه الفرق فى الحرب العراقية الإيرانية والتى استمرت ثمانى سنوات (1980 - 1988) ، وكان الهدف الرئيسى من الاستعانة بهم هو زيادة أعداد القوات الإيرانية المحاربة ضد العراق من خلال تدريب مدنيين على المهام العسكرية وقت الحرب، ويبدو أن خطة إيران هذه لم تنته منذ تلك اللحظة وحتى يومنا هذا، فإيران التى تسعى لبسط نفوذها واستعادة مجدها الفارسى من خلال سيطرتها على المنطقة بدأت فى إعادة تنفيذ الخطة التى رسمها «الخومينى» فى الماضى، حيث إنها بدأت فى عملية تعبئة للقوات «الباسيج» بشكل مضاعف، حيث ارتفعت أعداد المتطوعين فى تلك الميليشيات بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة والتى تزامنت مع موجة تغيير الأنظمة العربية، والتى لعبت فيها إيران دوراً مهماً، ففى كل محافظة فى إيران توجد وحدة للتعبئة العامة مفتوحة للشباب من الجنسين، فإجمالى عدد القواعد النسائية فى أنحاء إيران يصل إلى 12 ألفا، كما أن الأرقام تشير إلى تلك الحركة التوسعية التى يقوم بها النظام الإيرانى ففى عام 1994 بلغ عدد التنظيم النسائى فى «الباسيج» 147000 إلى أن تجاوز عددهن 7 ملايين و200 ألف امرأة هذا العام.
الهدف من تأسيس هذه المجموعات القتالية كان ينحصر فى غرضين، الأول: يتم استخدامهن فى تأمين ونشر أفكار الدولة والنظام الإسلامى والحفاظ على مبادئ «الخومينى» والدولة الإسلامية من خلال عملهن كشرطة نسائية تعمل على قمع واعتقال المعارضات فى حال مخالفتهن للحجاب، أى أن دورهن فى الداخل أشبه بجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولعبن دوراً مهماً فى قمع المعارضة الإيرانية اللاتى اشتركن فى الثورة الخضراء عام 2009 والتى اندلعت بسبب اتهام «خامنئى» بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس السابق أحمدى نجاد، الغرض الثانى من تأسيس هذه المجوعات هو زيادة أفراد المقاتلين الإيرانيين وأعداد القوات العسكرية الإيرانية بما يتناسب مع الدور الذى تلعبه حالياً فى المنطقة.
وتقول مينو أصلانى، مسئولة التنظيم النسائى لقوات «الباسيج»: إن معظم التشكيل من الفتيات والمراهقات حيث بلغ عددهن نحو 4 ملايين فتاة، فيما بلغ عدد النساء نحو 3 ملايين.. جميعهن وضعن أهداف الثورة الإسلامية نصب أعينهن وقررن محاربة كل ما هو معاد للإسلام والثقافة الإسلامية.
لعل التدريبات العسكرية التى يتدربن عليها مقاتلات قوات «الباسيج» هى ما تؤكد أن دورهن لم يقتصر على اعتقال المخالفات للحجاب أو المعارضات للحكم الإسلامى داخل إيران، فليس هناك أية فروق بين تلك التدريبات العسكرية الشاقة التى يتلقاها الرجال وبينهن، حيث يتم تدريبهن على الأعمال القتالية كإطلاق النار وتسلق الجدران والجبال، إلى جانب الألعاب القتالية وفنون الكاراتيه وألعاب الدفاع عن النفس وتكسير الأخشاب بقبضة اليد، الأكثر من ذلك تدريبهن على استخدام تركيب وتفكيك الأسلحة وإطلاق قاذفات الصورايخ «آر بى جى»، التى تستخدم ضد الآليات والمدرعات، مع العلم بأن هذه التدريبات تتم وهن يرتدين «الشادور» الإيرانى الأسود، وهو الزى التقليدى الذى يفرضه النظام على النساء والذى يغطى أجسادهن من الرأس حتى أخمص القدمين.
وأثناء تدريبهن يضعن عصابة على رأسهن مكتوب عليها «يا حسين»، وهو ما يؤكد على رغبة إيران فى تكوين جيش إسلامى «شيعى» يعزز وجودها فى المنطقة، ومن خلال رفع لواء «الخومينى» مؤسس هذا الجيش يتم التعاون والتنسيق بين بعض الجماعات الموالية لإيران كما حدث فى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، فهناك نحو 16 شرطا تضعها إيران للعمل فى مقدمتها الإيمان بمبادئ الثورة الإسلامية والدفاع عنها، وعن مبدأ ولاية الفقيه المطلقة الذى أرساه «الخومينى»، والذى يعنى عدم مخالفته وإلا يكون ذلك مخالفة لله عز وجل، باعتباره ظل الله على الأرض، كما يدعون، وعدم الانضمام للأحزاب والحركات السياسية مهما كانت توجهاتها، وعدم الاشتراك فى أى نشاط بشكل مباشر أو غير مباشر له علاقة بالنظام السابق أى «نظام الشاه وأسرته» وإلا يعتبر ذلك خيانة، كما أن أعمار الملتحقات لا تقل عن 18 عاماً ولا يزيد على 40 عاماً.
ولعل أهم أسباب إقبال الفتيات والنساء على الالتحاق بقوات «الباسيج» هو حاجتهن المالية، حيث توفر لهن الدولة رواتب مجزية وتأمينا وعلاجا لهن ولأسرهن ومساكن خاصة، فى المقابل فإن الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها إيران خلال الفترة الماضية وزيادة نسبة البطالة والفقر الذى تجاوزت معدلاته أكثر من 40٪ من الشعب الإيرانى كانت دافعاً لهن لقبول هذه المهمة كى يضمن عيش حياة كريمة لهن ولأسرهن.
لم يقتصر عملهن داخل إيران كما يروج النظام، بل إنهن يقمن بتدريب الكرديات وبالتحديد اللاتى ينتمين لأصول إيرانية، حيث نشرت الإذاعة الألمانية تقريراً يفيد بوجود مجموعات من الفتيات الإيرانيات اللاتى انضممن لصفوف القوات الكردية لمحاربة «داعش» فى العراق وبالقرب من مدينة «كركوك»، مشيرة إلى أنهن يقاتلن جنباً إلى جنب مع فتيات حزب الحرية الكردستانى، المعروف بـ(Pak) أحد الأحزاب الكردية الإيرانية وقوات «البيشمركة» الكردية.
وأضافت إن إيران تدعم الأكراد الإيرانيين وتمدهم بجميع التسليحات العسكرية والتدريبات اللازمة لمواجهة «داعش».
كما نشر عدد من المواقع الإيرانية أنباءً عن تدريب قوات الباسيج للنساء العراقيات على القتال للوقوف إلى جانب الجيش العراقى فى النجف، وحربه ضد تنظيم «داعش» الإرهابى.
كما أن تجربة هذه الفرق النسائية التابعة للحرس الثورى الإيرانى انتقلت إلى سوريا عبر النساء السوريات المواليات لنظام الرئيس بشار الأسد، حيث تم تدريبهن عن طريق الحرس الثورى لمواجهة المعارضة، وهو ما كشف عنه «أمير سبحان جعفر سعادتمند»، مخرج الأفلام الوثائقية الإيرانى من خلال فيلمه الذى يحمل عنوان «شيدايى» الذى يشيد فيه بدورهن فيما أطلق عليه «المقاومة الإسلامية ضد المعتدين على الوطن»، وتطرق خلاله إلى التدريبات العسكرية التى تتلقاها الفتيات والنساء وحياتهن الخاصة وكيفية انتقال التجربة من إيران إلى سوريا، فالدفاع عن الأنظمة الموالية لإيران واجب مقدس، لخدمة مشروع «إيران الكبرى» الذى تضم من خلاله عدداً من الدول الإقليمية، مشيراً إلى أنهن لم يتوقفن عن أداء واجباتهن العسكرية حتى بعد الزواج.
وتقول فاطمة دهقانى، مديرة شئون المرأة والأسرة فى حوارها مع وكالة أنباء «فارس» الإيرانية إن: «نساء الباسيج أصبحن قدوة لنساء العالم أجمع.. وأنهن حملن على عاتقهن واجب الدفاع عن الأنظمة والحكومات الإسلامية فى أى مكان».
وأكدت على أن هدفهن هو الانتصار لثورة «الخومينى» والصحوة الإسلامية وتعاليم الإمام «الحسين» فى البلدان العربية، ومن ثم فلا عجب من دعمهن لشيعة «العراق» ولبنان والعراق واليمن، كما أنهن يعلن دوماً عن دعمهن للقضية الفلسطينية وحركتى «حماس» و«الجهاد الإسلامى» المعروفتين بعلاقتهما القوية بالنظام الإيرانى.
لم تتوقف خطة إيران التوسعية فى زيادة عدد الأفراد المتطوعين فى الباسيج والحرس الثورى الإيرانى، بل إن على خامنئى، المرشد الأعلى للثورة دعا خلال الأشهر القليلة الماضية إلى زيادة النسل وحظر تداول وسائل منع الحمل فى إيران، وذلك على الرغم من المشكلات الاقتصادية التى يعانى منها المجتمع الإيرانى من فقر وبطالة، وذلك من أجل زيادة الكثافة السكانية والتى تبلغ نحو 77 مليون نسمة لأكثر من الضعف خلال الفترة المقبلة، على الرغم من أن هذه السياسة مخالفة لما كانت تنتهجها فى السابق، حيث كانت تشجع على تنظيم النسل، ولعل ما يكشف عن سبب اتخاذ «خامنئى» لهذا القرار هو زيادة عدد القوة العسكرية للقوات الإيرانية، ففى أعقاب هذا القرار تم إصدار قرار رسمى برفع سن المعاش فى القوات المسلحة الإيرانية إلى 70 عاماً للاستفادة من خبراتهم فى تدريب الأجيال الجديدة، بما يتناسب مع خطط إيران التوسعية فى المنطقة.∎