آية الله «أحمد كريمة»!
مروة سلامة
أثارت زيارة الدكتور أحمد كريمة الأستاذ بجامعة الأزهر إلى إيران مؤخرًا جدلاً سياسيًا كبيرًا فى الشارع السياسى المصرى، ففى الوقت الذى اعتبر فيه الدكتور كريمة أن الزيارة شخصية وجاءت بناء على دعوة من الحوزات الشيعية فى إيران للتقريب بين السنة والشيعة، ولا تمثل الأزهر فى شىء، إلا أن الإعلام الإيرانى استغل الزيارة لمهاجمة النظام المصرى الذى اتهمه بممارسة نوع من التضييق والاستجابة لضغوط الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والتى وصفها بـ«الوهابية»، ولم تذكر وسائل الإعلام الإيرانية شيئًا عن التقريب بين المذاهب وكأن الدكتور كريمة يتحدى الأمن القومى المصرى.
المثير فى الأمر أن الزيارة تحولت إلى سجال سياسى حيث اتهمت إيران السعودية بأنها تخدم النظام الأمريكى والإسرائيلى من خلال إضعاف دور مصر فى المنطقة، وأن تمسك مصر باتفاقية كامب ديفيد يكرس تبعيتها لأمريكا، وأن السعودية تعمل على إضعاف دور الأزهر ونشر الوهابية فى مصر، وأنها وراء فزاعة المد الإيرانى الشيعى فى المنطقة.
والغريب أن الإيرانيين تمسكوا أمام د.كريمة بقضية سب الصحابة واعتبروها وصف حقائق ليس إلا.
حالة من الشد والجذب بين سفر رموز الأزهر لإيران واتهامهم بمناصرة الشيعة وبين محاولات التقريب بين المذاهب لدى بعض المشايخ، فلاتزال محاولات إيران مستمرة لاستقطاب مشايخ ومشاهير رموز الأزهر الشريف الذى يعد قبلة للإسلام الوسطى فى العالم أجمع، رغم توتر الأجواء السياسية بين طهران والقاهرة لاسيما بعد ثورة الثلاثين من يونيو، والتى يرى المسئولون فى إيران أنها انقلاب عسكرى وليست ثورة شعبية، وتبنيها وجهة نظر الإخوان المسلمين والسماح لهم بالتظاهر على أرضها لتدويل قضيتهم، وبعد الضجة الكبيرة التى أثارها سفر المقرئين المصريين إلى إيران ورفعهم الأذان الشيعى وفصل عدد منهم من نقابة القراء، اشتعلت النيران مرة أخرى بعد سفر الشيخ أحمد كريمة إلى إيران وإلقائه محاضرات بالحوزات الشيعية فى مدينة «قم»، الأمر الذى دفع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، التابع لوزارة الأوقاف بإصدار قرار بتجميد عضويته، نظراً لتقديمه لنفسه على أنه مسئول بالأزهر مستغلاً اسم الجامعة، ومتحدثاً بلسانها فى تلك الحوزات الشيعية.
وأكدت الجامعة أن «كريمة» خالف قرارها، لتقدمه بطلب للإدارة تم رفضه ولكنه أصر على السفر، وبالتالى فإن سفره لايمثل الجامعة وإنما على مسئوليته الشخصية، من ناحية أخرى اعتبر د.أحمد كريمة عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ذهابه لإيران نوعاً من الشجاعة التى لم يجرؤ أحد على إظهارها حيث إنه ذهب لتدريس وتوعية الشيعة بالمذهب السنى وانتقادهم فى عقر دارهم، على حد ماجاء على لسانه فى العديد من اللقاءات التليفزيونية التى أجريت معه فى أعقاب تلك الضجة.
الإعلام الإيرانى كعادته الاصطياد فى الماء العكر، استغل تصرف بعض المشايخ الأزهريين وتصريحاتهم بطريقة ملتوية لإظهارهم وكأنهم يتحدون السيادة المصرية ويضربون بالأمن القومى عرض الحائط.
فكما استغلت خبر سفر المقرئين المصريين لضرب العلاقات المصرية- السعودية فعلت الشىء نفسه فى قضية الشيخ «كريمة»، حيث اهتمت العديد من المواقع الإيرانية بقضية «كريمة» وتولت الدفاع عنها، وقد تصدر خبر التحقيق معه العديد من الصحف ووكالات الأنباء، واعتبرت وكالة الأنباء القرآنية «ايكنا» والتى يشرف عليها على خامنئى، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أن القائمين على الأزهر استجابوا لضغوط الجماعات السلفية المتخوفة من المد الشيعى.
وأشارت الوكالة إلى أنها لم تكن المرة الأولى التى يثير فيها ''كريمة'' الجدل فى مصر، ففى العام الماضى أجرى حوارات مع قناة «المنار» الشيعية التابعة لحزب الله، والتى أكد خلالها أحقية الإمام على بن أبى طالب فى الخلافة، وانتقد خلالها السلفيين ومن يعادون الشيعة، ووصفت المواقع الإيرانية «كريمة» بأنه أحد أكثر المشاهير الذين ينتمون للأزهر ويحظون بشهرة عالية هناك، واستغلت معظم المواقع تصريحات «كريمة» بأنها مناصرة للشيعة ومذهبهم.
ونشر الموقع الرسمى للحوزة العلمية للنساء فى مدينة «قم» صورًا عديدة يظهر فيها «كريمة» مع محمود رضا جمشيدى، المرجع الشيعى البارز الملقب بحجة الإسلام مدير الحوزة العلمية للنساء فى «قم» وعدد من نواب الحوزة، حيث تسلم الأول عدداً من الكتب الشيعية كهدايا له بصفته أحد علماء ورموز جامعة الأزهر الشريف، وأعرب عن سعادته البالغة فى التعاون بين مصر وإيران وأنه يحمل رسالة حب واحترام من أرض مصر لأحفاد السيدة «فاطمة الزهراء» ولإيران الحبيبة، على حد ما ورد فى الموقع.
∎ دعوة شخصية
من جهته صرح أحمد كريمة، فى حوار خاص لوكالة أنباء «فارس» فى أعقاب الضجة التى أثيرت حوله والتحقيقات التى أجريت معه بسبب السفر أن سفره لإيران لم يكن تمثيلاً لمؤسسة الأزهر، ولكنها جاءت بناءً على تلبيته لدعوة شخصية وجهت له من قبل هذه الحوزات الدينية.
شبكة الإمام «على» الشيعية الإيرانية أشارت إلى أن «كريمة» أكد على ضرورة لعب الأزهر والحوزات الشيعية دوراً فى نشر ثقافة آل البيت، مؤكداً على احترام الأزهر لكافة المذاهب الإسلامية، وأن التضييق على الشيعة وازدراءهم أمر غير مقبول.
وأكدت وكالة أنباء «فارس» أنه زار مرقد السيدة فاطمة ابنة الإمام موسى بن جعفر الكاظم، أحد الأئمة الاثنى عشرية عند الشيعة والملقبة بـ«المعصومة»، فى مدينة «قم» وزار قبر «الخمينى» والتقى بالمرجع الشيعى حسينى نجاد، والذى أكد لـ«كريمة» على أن زيارته تأتى كخطوة إيجابية للتقارب مع مصر، مشيراً إلى أن وجود عدد من العتبات المقدسة فى مصر كمسجد الحسين والسيدة زينب يفتح باباً للحوار مع أهل السنة باعتبارها قاسمًا مشتركًا، أى اعتبار أن حب آل البيت أحد أهم أبواب التقارب مع أهل السنة، والتى تذيب رهبة الخلاف والمد الشيعى التى يخشى منها الكثيرون، كما نشرت وكالة أنباء «آل البيت» الشيعية صوراً للمحاضرات التى ألقاها كريمة فى حضرت معممين شيعة أثناء زيارته الأخيرة.
ويأتى إصرار إيران على استضافة مشاهير الأزهر الشريف فى تحد واضح للسيادة المصرية، حيث أعلنت الأجهزة الأمنية فى مصر عن رفضها سفر المصريين إلى إيران، فيما تعمد عدد من وسائل الإعلام الإيرانى نشر صور العديد من المقرئين المصريين أثناء سفرهم لإيران وهم برفقة قوات «الباسيج» التابعة للحرس الثورى الإيرانى، وهو ما يثير قلق البعض بشأن محاولة إيران استقطاب هؤلاء المشايخ.
على صعيد آخر هناك تقارب بين ماهية الفكر الإيرانى وبين ما يحاول النظام ترويجه، حيث يلعب مبدأ «التقية» والتى تشكل ازدواجية كبيرة فى التعامل مع الآخر، فعلى سبيل المثال فإن الشيخ «كريمة» صرح فى لقاء تليفزيونى بأن المرجعيات أخبروه بأنه تم إغلاق نحو ثمانى قنوات شيعية تسب الصحابة، وأن قناة «آل البيت» الشيعية تبث من أمريكا، وحقيقة الأمر أنه تم إغلاق هذه القنوات بالفعل، ولكن هناك خلفيات أخرى لم يصرحوا له بها، فهذه القنوات بعضها إيرانية وبعضها غير إيرانية ولها مكاتب فى إيران تعمل بشكل قانونى منذ سنوات، وأن قرار الغلق جاء بناء على توصيات حسن نصر، الأمين العام لحزب الله اللبنانى، لعلى خامنئى، القائد الأعلى للثورة الإيرانية، بعد التراجع الواضح لشعبية حزب الله و«نصر الله» فى العالم العربى ومصر على وجه التحديد بعد موجة تغيير الأنظمة العربية، والتى لعبت فيها إيران وحزب الله دوراً خطيراً فى إثارة الفتن والقلاقل داخل هذه البلدان.
أما قضية سب الصحابة، والتى قال «كريمة» إنه راجعهم فيها وأعربوا له أن هذه التصريحات تصدر عن بعض الفرق المتشددة فإن هذا الأمر ليس حقيقيًا، وإن أنكروه، حيث تعود هذه القضية لتناقض الروايات والأحاديث حول الصحابة والسيرة النبوية بين السنة والشيعة، وبالتالى فإن سبهم بالنسبة للشيعة هو إقرار واقع ووصف حقائق، وأن اللعن نتيجة طبيعية للأفعال التى اقترفوها، مستندين على حديث ادعوا أنه «قدسى» من الله عز وجل، عن زيارة عاشوراء ذات اللعن المئوى والسلام المئوى بأنها صدرت من الملأ الأعلى.
وبالتالى فلاعجب إذا سمعنا الرئيس السابق أحمدى نجاد، يسب الصحابة على شاشات التليفزيون الإيرانى، مشيراً إلى أن هذا ليس بهدف التحقير لأهل السنة ولكن من باب وصفهم بما فيهم.