السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خدعة السادات التى مهدت لنصر أكتوبر

خدعة السادات التى مهدت لنصر أكتوبر
خدعة السادات التى مهدت لنصر أكتوبر


 
فى 26 أكتوبر 1975 استقبل الرئيس الأمريكى «فورد» الرئيس «السادات» فى البيت الأبيض بحفاوة سياسية ومراسم غير مسبوقة لرئيس عربى فى أول زيارة رسمية له كرئيس لجمهورية مصر العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
 
وقبل زيارة السادات لواشنطن، كلف صديقه الصحفى «كرونكيت» مقدم شبكة أخبار CBS بدعوة «تامار جولان» صحفية الشئون الإفريقية إلى العاصمة الأمريكية على نفقته الخاصة لحضور حفل استقبال السادات والوفد المرافق له. واتفق السادات مع كرونكيت على استدراج تامار بطريقة غير مباشرة وبأسلوب لا يثير شكوكها لأنها مدربة.
 
لتنفيذ الخطة حصل كرونكيت من السادات على وعد أنه سيجد بانتظاره فى باريس ترتيبات مصرية سرية للغاية لإرشاده عن وسيلة الوصول إلى الصحفية الإسرائيلية تامار جولان بشكل طبيعى أثناء انعقاد فعاليات المؤتمر.
 
فى هذه الحلقة نتعرف على تفاصيل خطة «المنزل المصرى الغامض فى باريس».. والذى كان عبارة عن خدعة استخبارية محكمة دبرها الرئيس السادات وأدت إلى تضليل الموساد ومهدت لانتصار حرب أكتوبر.
غادرت «تامار جولان» ضابطة عمليات وحدة النساء التابعة لمؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة «الموساد» العاصمة الأمريكية واشنطن صباح يوم السابع من نوفمبر 5791 - بعد يوم واحد من مغادرة الرئيس السادات إلى مصر- فى طريقها إلى العاصمة الفرنسية باريس.
 
وقد ودعها بالمطار الصحفى الأمريكى الشهير «والتر كرونكيت» كبير مقدمى البرامج لدى شبكة CBS الإخبارية بعدما نجح فى تنفيذ خطة الرئيس السادات، مما أكسبه ثقتها الكاملة وجعله أحد أهم أصدقائها المقربين.
∎صالون ذات الرداء الأبيض
 
أعادت تامار افتتاح صالونها الثقافى الذى أطلقت عليه النخبة المثقفة العربية والإفريقية- هدف عمليتها- «صالون ذات الرداء الأبيض» وسط الحى السادس عشر فى باريس.
 
والتسمية لأن تامار ارتدت عقب وفاة زوجها «أفياهو جولان» ضابط الاستخبارات الحربية الإسرائيلية فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1961 - ملابس الحداد السوداء لمدة ستة أشهر ثم خلعتها فى بداية شهر يناير 1962 لترتدى بعدها طيلة حياتها الملابس البيضاء وحدها حتى عرفت فى الأوساط الثقافية الفرنسية والإفريقية بلقب ذات الرداء الأبيض.
 
الغريب أن معظم من عاصروا نقيبة جهاز الموساد «تامار جولان» اعتقدوا أنها تخلصت من حزنها بالأبيض، بينما اكتشف الرئيس السادات العكس بمفكرة يوميات مذكراتها الشخصية التى أرسلها إليه كرونكيت فى آخر أيام زيارته الرسمية لواشنطن.
 
سجلت «تامار» أن اللون الأبيض هو لون الحزن التقليدى لدى معظم دول القارة الإفريقية، وهى معلومة سبق أن كشفها اللواء «كمال حسن على» إلى الرئيس السادات مؤكداً العكس وأنها لم تنس حزنها عندما خلعت الأسود، بل أصبحت بالأبيض أكثر كراهية وشراسة لإفريقيا.
 
مازال الرئيس السادات يدرس ويتحقق ويستوثق من كل معلومة سجلت بمفكرة يوميات ضابطة الموساد، وقد وقعت عيناه على سر اكتشفه لأول مرة بالصفحة رقم 251 سجلته تامار جولان كذكريات مهمة عن يوم الأحد 27 يوليو .1975
 
حكت فيها أنها تلقت فى ساعات الصباح الأولى أثناء تواجدها بمنزلها بباريس تعليمات سرية للغاية نقلت لها من قيادة جهاز الموساد بتل أبيب أمرتها بالسفر للعاصمة الأوغندية كمبالا مساء نفس اليوم لتغطية الفعاليات الرسمية لافتتاح مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية الذى عقد وقتها فى الفترة من 28 يوليو حتى 1 أغسطس .1975
 
وأكدت التعليمات ضرورة السفر تحت الهوية الصحفية كمراسلة لشبكة BBC ولجريدة الأوبزرفر البريطانيتين، لكنها اعترضت على الأمر وأبلغت مدير الموساد اللواء «إسحاق حوفى» رفضها تنفيذ أمر السفر الفورى إلى دولة أوغندا.
 
وسجلت تامار أن «حوفى» الشهير فى طرقات الاستخبارات الإسرائيلية بلقب «حاقا» استدعاها إلى تل أبيب ليستمع بنفسه منها مباشرة لمبررات رفضها تنفيذ أمر تغطية مؤتمر كمبالا.
 
وأن «دافيد قمحى» مؤسس فرع العمليات الخارجية «تيفل» - العالم- الأب الروحى لوحدة عمليات الموساد الخاصة المثيرة للجدل «كيدون» أبلغها صراحة أن مستقبلها بالخدمة بات على المحك إذا فشلت فى إقناع إسحاق حوفى بأسباب امتناعها عن إطاعة الأوامر.
 
فى اللقاء المحدد لها مع مدير مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة إسحاق حوفى الذى عرف بشراسته، حضر رئيسها المباشر بتلك الفترة دافيد قمحى الذى تولى بعدها منصب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية فى الفترة من عام 1980 حتى .1986
 
وسجلت تامار أن الجلسة معهما لم تستغرق أكثر من عشرين دقيقة حذرت فيها الاثنين من علاقتها السابقة مع «إيدى أمين» الرئيس الأوغندى وأجهزته وهروبها من قصره وإمكانية أن يتعرف عليها بصفته مستضيف فعاليات القمة الإفريقية أو أن يكشفها أحد المقربين منه وتكون نهايتها.
 
كانت تلك المعلومة وحدها كفيلة بمنح مفكرة اليوميات الخاصة بضابطة الموساد العاملة تحت الهوية الصحفية المصداقية عند الرئيس السادات الذى سأل اللواء «كمال حسن على» عن تحركات تامار جولان أثناء مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية بكمبالا.
 
وقد أكدت بيانات «حسن على» عدم ظهورها فى القارة الإفريقية بذلك التاريخ، مما يعنى أنها بالفعل أقنعت إسحاق حوفى ودافيد قمحى حتى ألغيا أمر تكليفها الرسمى بالسفر إلى أوغندا.
توقف الرئيس السادات أمام تفاصيل عملية «صالون ذات الرداء الأبيض» وقرأ لأول مرة تفاصيل حقيقية من مصدرها الأصلى. وطبقاً لما سجلته صاحبة مفكرة اليوميات، كلف جهاز الموساد «تامار» فى الأول من يناير 1973 للانتقال للعاصمة الفرنسية باريس بهدف الإقامة الدائمة وافتتاح صالون ثقافى إلى جانب عملها تحت هوية صحفية متخصصة بالشئون الإفريقية.
 
حيث وفر لها الجهاز الإسرائيلى ميزانية مكنتها من شراء وتجديد منزل صغير بقلب الحى السادس عشر استخدمته كمقر لصالون ثقافى عام أطلق المترددون عليه اسم «صالون ذات الرداء الأبيض» كناية عن الملابس البيضاء التى اشتهرت وتميزت بها صاحبته ومديرته. 
 
∎ الاستخبارات الفرنسية تعرف تامار
 
أما المفاجأة التى وجدها الرئيس السادات بين السطور أن وزارة الدفاع الفرنسية التى أشرفت تلك الفترة على نشاط «المديرية العامة للأمن الخارجى» المعروفة باسم جهاز الاستخبارات الفرنسية الشهيرة بالاختصار DGSE الثابت إعادة تشكيلها فى 2 أبريل .1982
كانت على دراية بحقيقة نشاط تامار جولان فى باريس وذلك ضمن اتفاقية استخباراتية خاصة وقعت عام 1956 بين مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة «الموساد» وجهاز الاستخبارات الفرنسية DGSE لدرجة إطلاقهم عليها لقب «أقوى سيدة فى إفريقيا».
 
كما اكتشف الرئيس السادات أن الاستخبارات الفرنسية خاطبت قيادة الموساد عدة مرات بشأن ضابطة العمليات الإسرائيلية العاملة تحت الهوية الصحفية بباريس وأن المخاطبات السرية حملت اسما مشفرا لنقيبة الموساد هو «المعلمة».
 
والسبب وراء التسمية كما سجلته تامار بخط يدها فى مفكرة يومياتها الشخصية أنها كانت أول معلمة يهودية تكلف بتدريس اللغة العبرية عام 1950 بالمدارس العربية فى إسرائيل.
 
فعلياً باتت ضابطة الموساد المكلفة بالتقرب من الفريق أول «محمد عبدالغنى الجمسى»، ككتاب مفتوح أمام الرئيس السادات الذى راجع أدق أسرارها خاصة ما سجلته بشأن صالونها الثقافى وأسلوب استدراجها عناصر المعارضة الإفريقية والعربية بباريس.
 
 
وكيف فتحت ملفاً لكل ضيف تردد عليها من المثقفين والمعارضين العرب والأفارقة الذين تقاطروا على صالونها حتى بات من الممكن - على حد كلماتها - مشاهدة شيخ مسلم أبيض بجانب قس مسيحى أسود وثالث حاخام يهودى زائر بصحبة رابع داعية شيعى.
 
وبين كل هؤلاء ضابط عمليات من الاستخبارات الإسرائيلية وآخر من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، وربما آخر من جهاز الاستخبارات الفرنسية والكل يتعاون لجمع المعلومات عن الدول العربية وإفريقيا.
 
وعلى حد تعبير تامار جولان عام 1973 حتى أنفاس الضيوف فى صالون الحى السادس عشر بباريس درسها الموساد وحسبها بدقة وأن ليلة الخميس من كل أسبوع شهدت طرح عشرات الأسئلة الاستخباراتية على ضيوفها متعددى الجنسيات.
 
قصدت من ورائها حصد المعلومات العربية والإفريقية من مصادر بشرية موثوق بها، حتى إن صالونها وصف فى صدر تقرير للموساد منتصف عام 1973 أنه «وكر للاستخبارات الإسرائيلية» فى أوروبا.
 
∎ تعثـر السادات فى المعلومات السرية
 
تعثر الرئيس السادات فى عشرات المعلومات والعمليات السرية للغاية بين سطور مفكرة يوميات نقيبة الموساد تامار جولان، ربما أهمها بالنسبة له شخصياً عملية «المنزل الغامض» المصرية التى أشرف عليها بنفسه بداية من مايو 1973 ضمن خطة الخداع الاستراتيجى الشامل لإسرائيل.
 
وعليكم الانتباه من الآن لحقيقة مهمة فكل ما طالعه الرئيس السادات من معلومات وتفاصيل فى مفكرة يوميات تامار جولان ليس سوى بيانات مذكرات شخصية كشفت أجزاء ناقصة من خطط رسمها السادات وأشرف على تنفيذ بعضها بنفسه وجل ما أثاره فيما حررته كان الجانب الآخر من الرواية الإسرائيلية السرية للغاية.
 
وكان السادات سعيداً للغاية لمطالعة الجزء الناقص من قصص حقيقية وجدها بين سطور اليوميات أثبتت وأكدت له غباء عقلية الاستخبارات الإسرائيلية مثلما قرأ عنها مرات من قبل فى عشرات التقارير الخاصة التى أعدها وقدمها إليه اللواء كمال حسن على.
 
ودعونا نقارن الآن بين حقائق وتفاصيل الخطة المصرية وما سجلته ضابطة الموساد فى مذكراتها، وبالنهاية ستتضح القصة وتتوثق تماماً مثلما عايشها الرئيس السادات وخلدتها يوميات مصرية أخرى عالية التصنيف كشفت لنا الحقيقة برمتها دون رتوش.
 
المهم هدفت خطة «المنزل الغامض» المصرية إلى تضليل فرع البحوث والتقدير التابع لجهاز الموساد بهدف استدراج عقوله إلى قناعة تؤكد أن الرئيس السادات لن يمكنه شن الحرب على إسرائيل فى عام 1973 لإصابته بمرض عضال.
 
فى الواقع اخترع الرئيس السادات فكرة عملية «المنزل الغامض» وهى من بنات أفكاره من الألف إلى الياء، حيث داهمته الفكرة العبقرية عقب مراجعته تقريراً معلوماتياً مصرياً أكد غباء العقلية الاستخباراتية الإسرائيلية وتهويل أجهزة العالم فى تمجيدها بهدف ردع وإخافة الأجهزة العربية وعلى رأسها مصر كى لا تفكر فى الهجوم على إسرائيل.
 
عندها قرر الرئيس السادات استفزاز تلك العقلية الغبية بنفسه عن طريق إشاعة خبر مزعوم عن مرضه بمرض عضال لم يتمكن الأطباء المصريون من تحديد أعراضه وأنه مضطر للسفر لفرنسا فى سرية تامة لعرض نفسه على طبيب أوروبى متخصص فى أمراض الأعصاب.
 
وقد ثبت ظن السادات وصحة التقارير عندما كلف جهاز معلوماته لاستدراج جاسوس جزائرى معروف لمصر حتى ينقل للموساد نبأ مرضه المزعوم بطريقة روتينية أثناء تواجده فى الجزائر لحضور فعاليات «الدورة الرابعة» لمؤتمر دول عدم الانحياز التى عقدت خلال الفترة من 5 إلى 9 سبتمبر .1973
 
ويومها طالع الرئيس السادات لأول مرة بمفكرة اليوميات الجزء الناقص لحقيقة ما جرى خلف كواليس العملية الإسرائيلية المضادة التى استفزتها معلومة مرضه المزعوم والتى أشرف بنفسه على زرع بياناتها المخادعة ضمن التمهيد الاستراتيجى لشن حرب أكتوبر .1973
 
وطبقاً لما سجلته العملية المصرية من تفاصيل، دعا الرئيس الجزائرى «هوارى بومدين» - تولى منصبه فى الفترة من 19 يونيو 1965 حتى 27 ديسمبر 1978 - الرئيس السادات لحضور الدورة الرابعة لقمة دول عدم الانحياز بالجزائر.
 
وعقب وصول الوفد المصرى الرسمى المرافق للرئيس السادات مساء 4 سبتمبر 1973 إلى العاصمة الجزائر رصدت أجهزة المعلومات المصرية دبلوماسيا جزائريا كان معروفاً لديها يعمل كسكرتير أول لدى سفارة الجزائر فى العاصمة الفرنسية باريس.
 
لكنه كان جاسوساً نشطاً وخطيراً لم يكن مكشوفاً لسلطات الاستخبارات الجزائرية مع أنه عمل طيلة الوقت لحساب الموساد، بل أحياناً لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA من داخل سفارة الجزائر فى باريس.
 
تنقل ذلك الدبلوماسى الذى ذكرته «تامار» بيومياتها بالحرف الأول من اسمه الحقيقى «A» بحكم مهام وظيفته بحرية تامة بين الإدارات الحكومية الفرنسية وعمل كحامل حقيبة دبلوماسية بين الجزائر وباريس واستدعته وزارة خارجية بلاده للمشاركة فى مؤتمر دول عدم الانحياز.
 
وأعود لمفكرة يوميات تامار حيث اعتاد «A» فى الطريق من الجزائر إلى باريس والعكس، على تسليم ما لديه من معلومات سرية لأقرب ضابط موساد بالجوار حتى إنه ترك أحياناً نسخاً من المستندات الجزائرية الأكثر سرية على الإطلاق داخل الحمامات العامة لحين التقاطها بواسطة أحدهم من الاستخبارات الإسرائيلية.
 
وهنا أتوقف لاختلاف بيانات الجزء المصرى للعملية مع يوميات ضابطة الموساد، حيث تصادف تواجد «A» فى ردهات المؤتمر بالجزائر، وعندما علم الرئيس السادات بظهور الدبلوماسى الجاسوس أمر بالبحث عن دبلوماسى مصرى يعرفه «A» ويثق به لتسريب خبر مرضه الكاذب عن طريقه فى سياق طبيعى لا يمكن الشك فيه.
 
وعلى حظ الرئيس السادات بالجزائر أثناء مؤتمر دول عدم الانحياز فى 4 سبتمبر 1973، تواجد ذلك الدبلوماسى كمرافق للوفد الرسمى المصرى بعد أن عمل لأعوام طويلة بالسفارة المصرية بالجزائر، وصادق «A» قبلها بأعوام فى باريس بتكليف مصرى رسمى.
 
فى رواية مفكرة يوميات تامار جولان عن ذلك اليوم تفاصيل مثيرة بشأن ذات الواقعة، فقد كلفها الموساد بالسفر للجزائر بجواز سفرها الفرنسى كصحفية موفدة من قبل شبكة BBCمتخصصة بالشئون الإفريقية لتغطية المؤتمر.
 
وفى كواليس الاستعدادات قبيل انطلاق الفعاليات الرسمية للمؤتمر مساء 4 سبتمبر 1973، قابلت تامار جولان بناء على ترتيب مسبق دقيق الدبلوماسى الجزائرى الجاسوس وكانت تعرفه وقابلته من قبل بمناسبات دبلوماسية متعددة شارك فيها كممثل لبلاده فى باريس.
 
وبناء على ما سجلته كان على السيد «A» تسليم تامار ما لديه من معلومات مهمة تحصل عليها على هامش مؤتمر الجزائر حتى تنقلها إلى جهاز الموساد بأسرع وسيلة متاحة لها كإعلامية عن طريق شفرة مراسلات خاصة بينها وبين الجهاز الإسرائيلى. 
 
أما على الجانب المصرى من العملية فقد تم استدعاء الدبلوماسى القديم فى سفارة مصر بباريس لتنفيذ خطة السادات ودون الحاجة لشرح تفاصيل من شأنها تهديد عملية الخداع، كلف بخطوات محددة كان عليه تنفيذها كما هى دون إبداع أو إضافة.
 
وقد اعتاد الرجل صاحب التاريخ الممتد من الثقة المتبادلة والتعاون مع الجهاز المصرى على ذلك، ويومها كلفه مدير العملية من القاهرة بالتقرب بشكل روتينى للغاية من صديقه الدبلوماسى الجزائرى جاسوس الموساد وأن يوطد معه ذكريات الأيام الخوالى والثرثرة عن النساء الباريسيات الجميلات وأساطيرهما الغرامية خلال العطلات الباريسية.
 
نجحت الخطة المصرية وتجاوب الدبلوماسى الجزائرى الجاسوس، أما الجديد بالنسبة للرئيس السادات بمفكرة اليوميات أن تجاوب ووجدها فرصة سانحة لاستخراج المعلومات المهمة من صديقه الدبلوماسى المصرى وكان ذلك من حسن حظ الخطة المصرية.
 
وزعت وزارة الخارجية الجزائرية طبقاً لمجريات الأحداث ليلة الرابع من سبتمبر 1973 بصفتها المشرفة على مراسم المؤتمر واستقبال ضيوفه الرسميين أعضاء الوفد المصرى على ثلاثة فنادق قريبة لقاعة المؤتمرات الرئيسية.
 
طبقاً للخطة تماشى الدبلوماسى المصرى المحنك الذى لحق بوفد بلاده لتنفيذ المهمة مع صديقه «A» ووقع الصديقان على سيدتين من السكرتيرات الفاتنات المرافقات لوفود المؤتمر بفندق مطار الجزائر - دار البيضاء الذى تأسس عام .1924
 
والمعروف أنه سمى باسم بلدية «دار البيضاء» التابع لها موقع الفندق والمطار، علماً بأن الاسم تغير عام 1978 لفندق مطار «هوارى بومدين» تكريماً لاسم الرئيس الجزائرى الكبير الذى توفى بمرض نادر بتاريخ 27 ديسمبر .1978
 
ركز الدبلوماسى المصرى المخضرم على تطوير صداقته الخاصة أثناء الفعاليات الرسمية للمؤتمر مع «A» جاسوس الموساد، وأجل طبقاً للخطة المصرية كشف معلومة العملية حتى التوقيت المناسب والضوء الأخضر من مصر.
 
وانغمس مع على هامش العمل فى عالم الجميلات واللهو بداية من ليلة وصول الوفد المصرى للعاصمة الجزائرية فى 4 سبتمبر حتى صباح الأحد 9 سبتمبر 1973 وقت مراسم ختام مؤتمر دول عدم الانحياز.
 
انتهت الفعاليات الرسمية للمؤتمر عقب إلقاء البيان المشترك للدول المشاركة فى الجلسة الختامية وكان على الدبلوماسى المصرى تنفيذ المرحلة النهائية من الخطة الطموحة فى تمام الثانية عشرة ظهر التاسع من سبتمبر .1973
 
فى المقابل بناء على ما سجلته تامار جولان بمفكرة يومياتها الشخصية عن ذلك اليوم، استعد الدبلوماسى الجزائرى «A» لتفريغ كل ما يمكنه من معلومات سرية تحصل عليها طيلة أيام المؤتمر تمهيداً لتسليمها مكتوبة بالشيفرة المتفق عليها إلى تامار قبيل مغادرتها إلى باريس.
 
بينما راقبت العقول المصرية خطوات الدبلوماسى الجزائرى الجاسوس حتى حانت اللحظة حيث منح الدبلوماسى المصرى الضوء الأخضر لتوجيه ضربته وعندها تقابل مع «A» فى بهو «لوبى» الفندق بالجزائر وسط ضجيج مغادرة الوفود المشاركة.
 
وطبقاً للخطة، اتخذ الدبلوماسى المصرى موقعاً مكشوفاً بقاعة الأعمال بالفندق وجلس به وكأنه يراجع بعض الأوراق المهمة حتى لوح إليه عنصر مصرى راقبه عن بعد بإشارة اتفقا عليها مسبقاً أن الهدف «A» يتقدم ناحيته.
 
على الجانب الآخر شاهد «A» الدبلوماسى الجزائرى الجاسوس المشهد من بعيد فوجدها فرصة ربما استطاع التلصص على محتوى تلك الأوراق الرسمية المهمة المتراصة على مقربة منه، الأمر الذى أسال لعابه الخسيس للتجسس عليها لصالح إسرائيل.
 
استدرج الدبلوماسى المصرى صديقه جاسوس جهاز الموساد وتصنع على وجهه تعابير التوتر والهم فسأله «A» بطريقة طبيعية عن أسباب قلقه ربما استطاع مساعدته فوجدها الدبلوماسى المصرى فرصة سانحة لتنفيذ هدف العملية.
 
فطلب من «A» بصوت خفيض هامس وكأنه يطلعه على سر خطير مساعدته بعلاقاته المتشعبة بفرنسا للبحث فى سرية تامة عن منزل منعزل بمواصفات فاخرة وسعر غير مبالغ فيه على أن يقع المنزل بضاحية هادئة قريبة من قلب العاصمة باريس.
 
كما طلب الدبلوماسى المصرى من صديقه الدبلوماسى الجزائرى «A» أن يستغل علاقاته الخاصة لتوفير عشر سيارات حديثة شريطة عدم تسجيلها بأسماء مصرية أو عربية على أن يتم إنجاز الأمر فى أقصى تقدير صباح الثلاثاء الموافق 25 سبتمبر .1973
 
ثم ختم الدبلوماسى المصرى طلباته بوعد لصديقه «A» بعمولة معتبرة تدفع له فوراً حال تمكنه من تنفيذ المطلوب مع تأكيد الحجز وبشرط أن يسلمه «A» قبل الموعد المحدد عقد المنزل الهادئ مع مفاتيح السيارات ومستنداتها.
 
بالتأكيد أثارت طريقة وأسلوب طرح الدبلوماسى المصرى المحنك والمدرب للموضوع ملكات الجاسوس الجزائرى فسارع «A» بالإعلان عن مقدرته تنفيذ المطلوب دون أدنى مشكلة مؤكداً احتياجه لأقل من أسبوع واحد حتى ينجز الأمر برمته.
 
وقد وجدها «A» فرصة سانحة كى يسأل صديقه الدبلوماسى المصرى عن دواعى السرية والحرص على دقة المواعيد، بينما صعّد الأخير التمويه مع اصطناعه التهرب من الأسئلة حتى يبدو النقاش عادياً متحيناً اللحظة المواتية لكشف السر المصرى المهم.
 
وبالفعل تطور الحوار كما رسم له وذلك ما سجلته تامار فى مفكرة يومياتها الشخصية عن يوم 9 سبتمبر 1973 نقلاً عن رواية الدبلوماسى «A» الجاسوس الجزائرى الذى حكى لها الموقف بتفاصيله الدقيقة بعدها بساعات قليلة خلال لقاء مدبر بينهما اتفقا عليه مسبقاً.
 
∎ السر المصرى الخطير
 
مازال الرئيس السادات يتابع التفاصيل المسجلة بمفكرة نقيبة الموساد وهو يطالع الترجمة العربية لليوميات بشغف يتمنى القفز فوق السطور للوصول لحقيقة ما حدث خلف كواليس المشهد الإسرائيلى ليتعرف على نتائج الخطة المصرية التى رسمها بنفسه فى إطار عملية الخداع الاستراتيجى الموجه ضد الاستخبارات الإسرائيلية.
 
مثل الدبلوماسى المصرى حالة التململ وتلفت حوله مدعياً قلقه أن يسترق أحدهم السمع للحديث الخافت بينه وبين صديقه «A» بقاعة رجال الأعمال بفندق الجزائر ثم طلب من الأخير عدم سؤاله لأنه سر مصرى خطير.
 
وعندها بادله «A» افتعال الحزن وتصنع التأثر لافتاً عناية صديقه الدبلوماسى المصرى لحبه واحترامه لمصر زاعماً استعداده لفداء أسرارها بحياته ومؤكداً اطلاعه على مئات الأسرار التى لا يمكنه كشفها لأحد حماية للأمة العربية فى مواجهتها مع دولة إسرائيل.
 
فوجدها الدبلوماسى المصرى المحنك فرصة كى يتراجع عن تمسكه بالسر المزعوم معلناً اعتذاره لصديقه الحميم لكنه طلب من «A» فى نفس الوقت ألا ينقل لمخلوق ما سيكشفه له مع تأكيده على ثقته العمياء فى عروبته وإخلاصه لقضايا الأمة العربية.
 
وعقب لحظات من الصمت المتعمد من جانب الدبلوماسى المصرى حتى يصل بالدبلوماسى الجزائرى جاسوس إسرائيل لقمة التشويق والترقب همس إلى «A» قائلاً فى توتر ملحوظ:   
 
«الحقيقة ولا أريدك أن تكشفها لمخلوق حتى فى الجزائر نفسها وأنا أثق بك وفقط أشاركك السر لأنك قادر على مساعدتى أكثر من أى شخص آخر لا أعرفه ربما يعرض مستقبلى كله للخطر فى حالة تسرب خبر أن الرئيس السادات مريض بمرض عضال فشل الأطباء المصريون فى التعرف على أعراضه، لذلك حجزت الرئاسة المصرية فى سرية تامة لدى طبيب فرنسى كبير أنا لا أعرف اسمه ولا بياناته لأنه مصرح لى فقط بمعلومات مهمتى والكشف تقرر فى بداية أكتوبر القادم - 1973 - والمنزل الهادئ طبعاً سيقيم به الرئيس السادات وطاقم حراسته الشخصية والسيارات بالقطع لتنقلات الركب الرئاسى لأغراض أمنية خالصة».
 
ساعتها غاص «A» جاسوس جهاز الموساد الدبلوماسى الجزائرى فى مقعده ولسان حاله يريد تقبيل صديقه المصرى الذى كشف له تلك المعلومة عالية التصنيف وهو يحلم بلحظة تباهيه بالنجاح أمام ضابطة الموساد التى سيلقاها بعد ساعات لينقل لها ما جمعه من أسرار.
 
تعجب الرئيس السادات وهو يطالع القصة المكتملة الأجزاء لعملية «المنزل الغامض» لأول مرة وقد شعر بالفخر زهواً بالنتائج التى حققتها خطته لخداع وتضليل التقدير الاستراتيجى لأفرع بحوث الاستخبارات الإسرائيلية حتى تأكدت أنه لن يعلن الحرب خلال عام 1973 على الأقل وذلك لأسباب متعددة كان أبرزها خدعة مرضه بمرض عضال.
 
على الجانب الآخر سجلت النقيبة «تامار» ضابطة الموساد صحفية الشئون الإفريقية فى مفكرة يومياتها معلوماتها الشخصية عن العملية الإسرائيلية المضادة وتباهت بتكليفها الدبلوماسى الجزائرى «A» للتقرب من الدبلوماسى المصرى فى محاولة لاستخلاص ما بحوزته من أسرار عالية القيمة.
 
سارت الخطة المصرية مثلما رسم لها وسمع «A» من الدبلوماسى المصرى السر الذى قصد الرئيس السادات زرعه فى نظام معلومات الاستخبارات الإسرائيلية فانطلق للبحث عن المنزل الهادئ والسيارات المطلوبة.
 
قبيل مغادرته طلب «A» من صديقه الدبلوماسى المصرى عدم القلق وأن يعتبر الأمر منتهياً لأنه سيستأجر له المنزل والسيارات فى موعد أقصاه 72 ساعة ثم اتفقا الاثنان على معاودة الاتصال فى باريس بعد عودتهما لعملهما بالسفارتين المصرية والجزائرية.
 
تكللت الخطة المصرية بالنجاح الباهر وتأكد الجهاز المصرى أن «A» فى طريقه لنقل المعلومة التى ستسهم فى تخدير وتقويض التقدير الاستراتيجى الإسرائيلى بأن الرئيس السادات لن يمكنه شن الحرب على إسرائيل عام .1973
 
تطورات عملية «المنزل الغامض» المصرية الطموحة سجلها المسئولون عن تنفيذ خطتها وإدارتها وعايشها الرئيس السادات وأشرف بنفسه على كل مراحلها وكانت تاريخاً بالنسبة له وهو يطالع فى شهر نوفمبر 1975 مفكرة يوميات ضابطة الموساد - صحفية الشئون الإفريقية.
 
لكن على الجانب الآخر سجلت تامار جولان بقلمها وبشفرتها الخاصة التى كسرت وحلت وترجمت ما لم يكن يتوقعه حتى الرئيس السادات عن ذات العملية، حيث كشفت اليوميات أن جهاز الموساد أرسل تامار إلى الجزائر فى الفترة من 5 إلى 9 سبتمبر 1973 بهدف التجسس على اجتماع بعينه علمت الاستخبارات الإسرائيلية من مصدر عربى مهيب المقام أنه سيعقد بين الرئيس السادات والرئيس الجزائرى هوارى بومدين والرئيس السورى حافظ الأسد الذى ترأس بلاده فى الفترة من 12 مارس 1971 حتى وفاته بتاريخ 10 يونيو .2000
 
المثير أن تامار ذكرت أدق تفاصيل تلك العملية مع كيفية وصولها للعاصمة الجزائر بجواز السفر الفرنسى الذى اعتادت استخدامه طبقاً لتعليمات الموساد أثناء ممارستها لعملها السرى حتى تستفيد منه كغطاء مدنى سياسى إذا حدث خطأ أدى لكشفها وتوقيفها بأى دولة إفريقية.
 
والحقيقة خارج سياق عملية المنزل المصرى الغامض أدت معلومات مفكرة تامار جولان إلى كشف خلية جزائرية عملت لأعوام دون إمكانية تعرف جهاز الاستخبارات الجزائرية عليها.
 
والثابت أن الجهاز الجزائرى تأسس بتاريخ الأول من نوفمبر عام 1954 تحت اسم «إدارة الاستخبارات والأمن» على أيدى «عبدالحفيظ بوصوف» المدير الأول للجهاز خلال الفترة من عام 1954 حتى عام 1958 عندما خلفه هوارى بومدين بالمنصب الذى شغله حتى 19 يونيو 1965 عندما عين رئيساً لمجلس قيادة الثورة الجزائرية.
 
فى العاصمة الجزائر حرصت نقيبة الموساد تامار جولان على الحجز مسبقاً بنفس الفندق الذى نزل به الوفد المصرى المرافق للرئيس السادات، وقد لاحت بوادر الحرب فى خلفية المشهد بمنطقة الشرق الأوسط مع مواجهات مصرية - إسرائيلية عسكرية شبه يومية.
 
فى هذه الأجواء بناء على معلومة المصدر العربى الرفيع علم الموساد أن الرئيس السادات سيجتمع سراً ونظيره الجزائرى هوارى بومدين والسورى حافظ الأسد على هامش فعاليات الدورة الرابعة لمؤتمر دول عدم الانحياز فى الفترة من 5 إلى 9 سبتمبر .1973
 
وأن الرؤساء الثلاثة سيتباحثون فى ترتيبات إعادة إحياء اتفاقية إعلان تأسيس الجمهوريات العربية الموقعة فى مدينة بنغازى الليبية بتاريخ 17 أبريل 1971 التى عرفت فى عدد من المصادر باسم اتفاقية دستور دولة الاتحاد المستفتى عليها فى القاهرة وبنغازى ودمشق بتاريخ 1 سبتمبر 1971، بالإضافة لبحث انضمام الجزائر إليها وتطويرها لتصبح اتفاقية دفاع عربى موحد ضد إسرائيل.
 
سعت تامار جولان مع ضابطين من جهاز الموساد لم تكشف بياناتهما فى يومياتها مستغلة هويتها الصحافية وجواز السفر الفرنسى لترصد خطوات الرؤساء الثلاثة من وإلى المؤتمر حتى وصلت مع زميليها لتحديد موعد اللقاء الرئاسى المرتقب.
 
وطبقاً لما حررته تامار دون تفاصيل أو بيانات نجحت العملية الإسرائيلية فى زرع أجهزة تنصت حديثة داخل قاعة الاجتماعات الرئاسية بالعاصمة الجزائر وانتظر الموساد تسجيل وسماع الحوار السرى للغاية بين السادات وبومدين والأسد.
 
كان الرئيس السادات يدرس باهتمام كل فقرة من مفكرة يوميات تامار جولان بشأن عملية المنزل المصرى الغامض بباريس، وفى تلك اللحظة انفجر بالضحك وجلجل صوت انبهاره أمام دقة توقعاته التى أثبتتها الأحداث المسجلة أمامه ولتلك الواقعة قصة مثيرة.
 
∎ سر فرح السادات
 
واضطر مؤقتاً لمغادرة مفكرة اليوميات لأذهب مباشرة للمعلومات المصرية الحصرية مثلما وقعت تكشف لنا سر حالة الغبطة المفاجئة التى انتابت الرئيس السادات والحقيقة رصدت المعلومات المصرية ظهور ضابطى الموساد اللذين ذكرتهما تامار بيومياتها.
 
وعقب التعرف على شخصيتيهما وتحليل صورهما الملتقطة فى طرقات المؤتمر بالجزائر اضطر اللواء «أحمد عبد السلام محمد توفيق» مدير الاستخبارات المصرية فى الفترة من مارس 1973 حتى مايو 1975 لإبلاغ الرئيس السادات باحتمال كشف الموساد معلومة الاجتماع الرئاسى الثلاثى السرى للغاية.
 
فأحاط الرئيس السادات نظيره الجزائرى بومدين بالمعلومات المصرية فاستدعى بومدين مدير جهاز استخباراته القوى العقيد «قاصدى مرباح» الثابت شغله منصبه فى الفترة من عام 1965 حتى عام 1978، والمعروف أنه تولى بعدها منصب رئاسة الوزراء الجزائرية خلال الفترة من 5 نوفمبر 1988 حتى 9 سبتمبر 1989 ثم اغتياله فى 21 أغسطس 1993 لاتهامه بالتورط فى إفساد الحياة السياسية للجزائر.
 
فى اللقاء الذى حضره الرئيس السادات أطلع بومدين العقيد مرباح على الصور والبيانات المصرية وطلب منه التصرف، بينما تدخل الرئيس السادات واقترح بناء على خبراته فى مواجهة جهاز الموساد استغلال الواقعة لوضع خطة مرتجلة لتضليل معلوماته.
 
الغريب أن الرئيس السادات اقترح يومها على الرئيس هوارى بومدين ومدير استخباراته مرباح تمكين ضابطى جهاز الموساد من الدخول لقاعة اللقاء المرتقب وأن يراقب مرباح عمليتهما دون تدخل منه وبشرط ألا يكشف الموساد رجاله أثناء المراقبة.
 
ورسم الرئيس السادات خطة محكمة بدت للرئيس بومدين ولمدير جهاز معلوماته وكأنها سيناريو فيلم حركة مثير من إخراج السادات، حيث لم يغفل الرئيس المصرى حتى الحوار ومسيرة الحديث الذى قسمه بينه وبين بومدين وحافظ الأسد بعدما أطلعاه على السر.
 
وكان على هوارى بومدين والرئيس حافظ الأسد أن يحضرا فى موعد اللقاء السرى وسط إجراءات أمنية مشددة روتينية وأن يدخلا لقاعة اللقاء لتأدية دورهما بالعملية التى رسمها الرئيس السادات بخط يده.
 
مع ضرورة حفظهما لعدد من النكات المصرية المضحكة التى أملاها السادات عليهما حتى يبدو الحوار عادياً مع التشديد عليهما لعدم الحديث بملفات الأمن القومى العربى وأن يتوقف الثلاثة طبقاً لسيناريو الخدعة أمام سؤال للرئيس حافظ الأسد. سيوجهه طبقاً للخطة إلى الرئيس السادات وسط الحديث العادى ليسأله بوضوح يعتريه القلق عن الترتيبات المصرية بشأن دخول الحرب ضد إسرائيل وهل باتت قريبة أم مازالت بعيدة؟
 
وفى الحوار طبقاً للخطة تقرر أن يجيب الرئيس السادات على حافظ الأسد بصوت ينم عن عدم استعداد مصر للحرب بسبب نقص الكثير من نوعيات السلاح التى ستحتاجها العمليات العسكرية الشاملة.
 
وأن يعلن السادات للرئيسين الجزائرى والسورى عن أمله للوصول لعقد صفقة عاجلة مع الاتحاد السوفيتى لتوفير السلاح وحتى تحقيق ذلك الأمر لن يمكنه إعلان الحرب على إسرائيل ثم تنتهى الجلسة بشكل روتينى.
 
كما طلب الرئيس السادات تقديم موعد اللقاء الثلاثى فأرسل بومدين فى استدعاء الرئيس حافظ الأسد وأمر بتغيير قاعة اللقاء بعيداً عن القاعة التى زرع ضابطا الموساد أجهزة التنصت داخلها.
 
وللتوثيق عقد الاجتماع بين الرؤساء الثلاثة بنفس الجلسة وسط أجواء من الثقة فى قوة القرار والوحدة العربية وخلال اللقاء وضع السادات وبومدين وحافظ الأسد الترتيبات النهائية لمعركة الكرامة التى نشبت بعدها فى 6 أكتوبر .1973
 
وأترك معلومات الرئيس السادات إلى ما سجلته تامار جولان عن ذات الحدث فقد سارعت وزميلاها إلى تسجيل جلسة اللقاء الثلاثية وما حررته بخط يدها يثبت دهاء وحنكة السادات لأن ضابطى الموساد سجلا يومها جلسة وهمية مختلفة تماماً نفذ خلالها الرئيس السادات خدعته بالاشتراك مع بومدين والأسد.
 
ومثلما سجلت تامار جولان فى مفكرة يومياتها الشخصية انحصر دورها على مراقبة وتأمين العملية من موقع قريب من قاعة اللقاء. لكنها لم تشارك فى عملية زرع أجهزة التنصت أو التقاطها، كما لم يكن لها أى دور فى عملية التسجيل نفسها.
 
وعقب تأكد الموساد - مساء 7 سبتمبر 1973 - أن مصر غير مستعدة لدخول الحرب وأن الرئيس السادات مريض بمرض عضال، كافأ مدير الجهاز اللواء «تسفى زامير» النقيبة تامار جولان فى مكتبه بتل أبيب التى وصلتها صباح الاثنين الموافق 10 سبتمبر عبر مطار «أورلى» بفرنسا - تأسس عام 1932 - على المعلومة الثمينة والمعلومات المهمة التى جمعتها بالجزائر.
 
وبعدها بساعات قليلة طارت تامار عائدة إلى العاصمة الفرنسية باريس للمشاركة فى عملية مراقبة المنزل المصرى الغامض، وبالتأكيد حتى تسلم ما بجعبتها من موضوعات صحفية كتبتها لحساب مكتب شبكة أخبار BBC وجريدة الأوبزرفر التى سافرت فى الأصل من أجل العمل لصالحهما لتغطية مؤتمر دول عدم الانحياز كمتخصصة بالشئون الإفريقية.
 
 
فى تلك الأثناء كان السيد «A» الدبلوماسى الجزائرى جاسوس الموساد عاد إلى عمله بالسفارة الجزائرية بباريس ونجح خلال أقل من 72 ساعة مثلما وعد صديقه الدبلوماسى المصرى فى استئجار منزل بالمواصفات المصرية المطلوبة بضاحية متطرفة غرب مدينة «فيرساى» الثرية الهادئة الشهيرة بمعالمها التاريخية والسياسية التى تبعد 1,17 كيلومتر غرب مدينة باريس.
 
كما استأجر السيارات العشر لتحركات موكب السادات وعملياً انتهى دور«A» تماماً عند هذا الحد مع حصوله على عمولة محترمة من الدبلوماسى المصرى مقابل خدماته الخاصة، كما اختفى ذكره مع انتهاء أحداث ذلك الفصل المهم من مفكرة يوميات تامار جولان.
 
وصلت ضابطة وحدة عمليات النساء الخاصة بالموساد إلى باريس قادمة من تل أبيب بصحبة فريق مكون من ثلاثة ضباط تابعين لفرع عمليات «تيفل» مع دافيد قمحى مدير ومؤسس الفرع.
 
بعدما قرر إدارة ومراقبة العملية لأهميتها من موقع مطل على قصر «فيرساى» قريب من المنزل المصرى بأقصى أطراف الضاحية الغربية وسط منطقة أحاطت بها الغابات بتلك الفترة الزمنية نهاية شهر سبتمبر وبداية أكتوبر عام .1973
 
∎ تأمين المنزل الغامض
 
وأترك مؤقتاً مفكرة يوميات تامار إلى المعلومات المصرية، حيث رتب الرئيس السادات لشغل المنزل المصرى بضاحية «فيرساى» الباريسية بداية من ليلة الخميس الموافق 27 سبتمبر 1973، حيث وصلت إلى موقع المنزل أولاً مجموعة مصرية محترفة أمنت مداخله ومخارجه وقامت بعمليات مسح إلكترونية خشية أن يكون الموساد قد سبق أن زرع بأركانه أجهزة للتنصت، كما استلمت مجموعة أخرى السيارات العشر وقادتها إلى مكان آمن بالمدينة.
 
وإمعاناً للتمويه على مجريات العملية المصرية عادت السيارات العشر التى استأجرها إلى منزل ضاحية «فيرساى» مرة أخرى ليلة السبت 29 سبتمبر فى قافلة قدمت من مطار «لو بورجيه» - تأسس عام 1919 - بعدما أقلت رجالاً هبطوا بالمطار على متن طائرة مدنية خاصة على مدرج هبوط معزول استخدم للأغراض العسكرية السرية.
 
وطبقاً للسجلات الفرنسية السرية هبطت بالفعل داخل ذلك المطار- 6,10 كيلومتر شمال شرق مدينة باريس- تلك الليلة طائرة خاصة صغيرة الحجم من طراز «داسو فالكون-10» درجة خدمات رجال الأعمال استأجرت قبلها بساعات قليلة خصيصاً لحساب العملية المصرية من إحدى الشركات الجوية الخاصة فى العاصمة الكرواتية «زغرب».
 
وطبقاً لاتفاق مصرى- فرنسى أمنى خاص حظرت السلطات الفرنسية المحلية يومها بيانات الطائرة ورقم رحلتها التعريفى مع قائمة أسماء الشخصيات التى أقلتها من مطار القاهرة مباشرة إلى «لو بورجيه» بفرنسا.
 
بينما سمحت نفس السلطات بتسريب معلومة واحدة ادعت اشتباه عنصر عامل بالخدمات الأرضية بالمهبط العسكرى فى مطار «لو بورجيه» بشخص بين ركاب الطائرة الغامضة تشبه ملامحه إلى حد بعيد الرئيس المصرى محمد أنور السادات.
 
وانتقل إلى قافلة ركب السيارات التى خرجت من مطار «لو بورجيه»، حيث استقرت داخل ساحة المنزل المصرى على أطراف ضاحية «فيرساى» الثرية ولم تتحرك منه طيلة فترة شغل المنزل سوى سيارة ماركة «سيتروين» - أنتجت عام 1919 - فرنسية الصنع لونها أسود.
 
أقلت عصر الثانى من أكتوبر 1973 شخصا مصريا ذا ملامح شرقية واضحة غاب لمدة ساعة وخمس عشرة دقيقة فى اتجاه وسط باريس ثم عاد وبصحبته طبيب فرنسى متخصص فى مجال الأعصاب معروف بالمدينة أنه شيوعى متعصب من أشد المعادين لدولة إسرائيل وله سجل حافل بتأييد القضية الفلسطينية داخل أروقة أكاديمية الطب الفرنسية.
 
وربما قصدت الخطة المصرية اختيار ذلك الطبيب بالذات لمنع الموساد من مجرد محاولة التفكير بالاقتراب منه لاستجوابه عن حالة ذلك المريض الذى ذهب للكشف الخاص عليه بالمنزل الغامض على أطراف ضاحية «فيرساى» عصر الثانى من أكتوبر .1973
 
مازال الرئيس السادات يطالع التفاصيل وهو على وشك الانتهاء من يوميات تامار جولان بشأن واقعة خطة المنزل المصرى الغامض وقد تذكر فى تلك اللحظة تعمده الاختفاء عن أنظار وسائل الإعلام بأنواعها بداية من نهاية شهر سبتمبر 1973، حتى ترسخت الفكرة وكأنه سافر بالفعل إلى فرنسا للعلاج الأمر الذى جعل تامار جولان ومجموعة الموساد التى راقبت المنزل المصرى فى ضاحية «فيرساى» يعتقدون بقوة أن الرئيس السادات تواجد داخل المنزل للعلاج وبعدها فوجئ العالم بمصر تشن حرب أكتوبر وتنتصر بخطة رئيسها العظيم وعقول رجال أجهزتها التى خططت ونفذت الخدعة الكبرى للسادات.