لا مؤاخذة يا سيسى!
عاصم حنفي
زمان.. وفى الماضى الجميل.. التفت الأمة بجميع صفوفها حول حلم الوحدة العربية.. وحول الاشتراكية.. وبناء السد العالى.. والتصنيع الثقيل.. أو حول محاربة إسرائيل.. وانشغل المجتمع بجميع طوائفه وتياراته بتلك الأحلام القومية.. وتفجرت طاقات الإبداع فى الفن والأدب والمسرح والسياسة والصناعة والاقتصاد!!
أقصد أنه من الصحى والطبيعى أن تحلم الأمم.. وأن تعمل على تحقيق أحلامها.. وأن تخترع هدفًا نبيلاً تسعى من أجله.. وتجتهد فى سبيله.. وتفضله على الأحلام الفردية.. وهو الهدف القادر على تجميع الأمة من حوله.. رغم الأزمة الاقتصادية.. وبرغم الفقر والبطالة.. وهو الهدف القادر على محاربة التطرف والفكر الجاهلى.. ومحاولات شيوخ الجهاد الجدد شد الأمة إلى الوراء.
وفى الأسبوع الماضى خرج علينا الرئيس عبدالفتاح السيسى بفكرة مشروع قومى حضارى.. لكنه وهو يعلنها مبشرًا.. تولى إجهاضها من حيث لا يدرى.. وأقصد مشروع استصلاح 4 ملايين فدان لإضافتها للرقعة الزراعية فى مصر!
4 ملايين فدان تعنى أنك ستتوقف فورًا عن استيراد غذائك من بلاد برة.. وتعنى أنك ستتوقف عن مد يدك تطلب شحنات إضافية من القمح.. الطعام الأساسى لكل المصريين.. واستصلاح الأرض يعنى العودة من جديد لسياسة التصدير، ويعنى فتح فرص العمل أمام طوابير العاطلين.. ويعنى المزيد من الاستثمار وخطط التنمية.
ولكن..
من الواضح أن الدولة تتصرف وكأنها رب الأسرة المسئول عن إعالتنا دون أن نشاركها التدبير.. والمشروعات الكبرى هى التى تبنى الأمم.. تشحذ الهمم وتستنزف الطاقات المهدرة.. والزعيم الناصح هو الذى يشير إلى المشروع القومى.. طالبًا من الجمهور والناس جميعًا أن تشاركه الحلم والسعى نحو التنفيذ.. ولا يكفى أبدًا أن يظهر رئيس الدولة على التليفزيون متحدثًا إلى الخبراء والمتخصصين حول مسألة الاستصلاح المرتقب.. فى ظل غياب المشاركة الشعبية!
ولو أن رئيس الدولة قد خاطب الناس حول المشروع القومى الحضارى باستصلاح 4 ملايين فدان.. أى إضافة رقعة زراعية جديدة تساوى أكثر من نصف الرقعة الحالية.. ولو أنه طالب الناس بالمشاركة.. ووضع جدولاً زمنيًا يلتف الناس حوله.. يتابعون التنفيذ.. ويراقبون الخطوات.. ويحسبون الإنتاج.. ويحاسبون المهمل والمخطئ.. ويشدون الأزر.. ويقدمون المساعدة!!
والله العظيم أن ما أعلنه السيسى فى الأسبوع الماضى هو خطوة هائلة جبارة.. لكنه أعلنها على استحياء.. أعلنها بقرار إدارى.. وليس بمساندة جماهيرية تشحذ الهمم والطاقات.. وهنا يأتى دور المعاونين وطاقم المستشارين ومن الواضح أنهم يفتقدون للخيال.. ولا يملكون خبرة الحكم وأصول التعامل مع الجماهير المتعطشة للإنتاج وتجاوز الحال المائل وقد صار الاقتصاد هو السبيل نحو رفعة الأوطان!
وعندما أعلن جمال عبدالناصر عن بناء السد العالى.. كانت الأمة كلها تلتف حوله.. ورجل الشارع يتحدث عن المشروع وكأنه مشروعه الشخصى.. وخطوات التنفيذ عرفها الناس فى البيوت.. والجدول الزمنى لمراحل البناء صار يناقش فى المقاهى.. والتف الناس تمامًا حول المشروع الوليد.. ناهيك عن مشاركة مئات الآلاف من العمال والصناع فى بناء السد.
واستصلاح 4 ملايين فدان لا يقل أبدًا عن بناء سد عالى إضافى.. فقط يتطلب الأمر مساندة جماهيرية حتى تتحول الفكرة إلى مشروع قومى لكل المصريين.
وبدون المشروع القومى الحضارى سوف يعشش الركود السياسى.. وسوف تفتقد الحكومة- أى حكومة- القدرة على الابتكار.. وسوف ننصرف نحن الجماهير عن كل شىء لنحقق أحلامنا الخاصة.. وسوف يصبح الهدف هو الهجرة لبلاد برة.. أو الحصول على تأشيرة الولايات المتحدة.. أو حتى يصبح الهدف شراء شقة بالتقسيط المريح.. أو ڤيللا فى المدن الجديدة التى يعلن عنها التليفزيون.
يا عالم مطلوب مشروع قومى حضارى يلتف حوله المصريون.. بدلاً من ذلك الفراغ والخواء النفسى الذى يعيشه المجتمع.. والغريب أن المشروع حمله السيسى إلى الناس دون أن يطلب مشاركتهم.. فأجهض الفكرة.. دون أن يدرى!!