الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأوبرا الخديوية

الأوبرا الخديوية
الأوبرا الخديوية


 
تزامن الاحتفال بانتهاء حفر قناة السويس مع الاحتفال بافتتاح دار الأوبرا الخديوية بحديقة «الأزبكية» حيث تم افتتاح الأوبرا بالقاهرة عام 1869 وعلى خلاف الفكرة الشائعة فإن أوبرا عايدة لم تعرض فى افتتاح دار الأوبرا كما كان مقررا لها، بل افتتح المسرح وقتها بأوبرا «ريجوليتو» فى الأول من شهر نوفمبر عام 1869 وقد كان الخديوى إسماعيل يتمنى أن تقدم أوبرا «عايدة» فى الاحتفال بافتتاح القناة، وطلب من فيردى ذلك بالفعل لكنه رفض بحجة أنه ليس من عادته تأليف مقطوعات وفقا للظروف لذلك لجأ الخديوى لعرض أوبرا «ريجوليتو» بدلا من عايدة وهى أيضا أحد مؤلفات فيردى.
 
وفى عام 1870 كتب أوجست مارييت- عالم المصريات الشهير عالميا- قصة «عايدة» وعرضها على الخديوى الذى تحمس لها واتصل بكامبل ديلوكا مدير «أوبرا كومك» ملتمسا منه أن يعرض على فيردى ذلك النص لكنه رفضه من جديد لكن عندما أخبره ديلوكا بأن الخديوى سيعتمد على «جونو» أو «فاجنر» تراجع فيردى واعترف بأن النص مكتوب بشكل متقن ووافق على تلحينه.
 
عمل مارييت كوسيط بين الخديوى وفيردى الذى أملى شروطه وطلب 150000 فرانك وأراد أن يشرف أنطونيو جيزلانتسونى على العمل واختار بنفسه السوليست ووافق الجانب المصرى على شروط العقد فى 29 يوليو 1870 وتم الإتفاق على أن ينتهى فيردى من التلحين فى فترة تسمح له بالعرض فى يناير 1871 وأوفى فيردى بهذا الشرط وكتب عايدة فى أربعة أشهر ولكن لسوء الحظ احتلت فرنسا من القوات البروسية واحتجز مارييت مع ديكوراته وملابسه وعامليه وكانت النتيجة أن الأوبرا لم يتم عرضها فى الموعد المتفق عليه ولأن تلك الأحداث لم تصل إلى مسمع فيردى فى عزلته فى «بستيو»، فقد قدم عرض عايدة فى مسرح «إسكالا» ميلانو فى فبراير 1871 لأنه كان مشترطا فى العقد أنه إذا لم تلتزم القاهرة بميعاد العرض المتفق عليه فإنه سيكون لفيردى الحق فى عرض عايدة فى جهة أخرى، وفزع الخديوى، وكتب لفيردى يستسمحه فى إعادة النظر فى هذا الأمر واختير يوم 24 ديسمبر 1871 موعدا للعرض وتمكن مارييت من إرسال ديكوراته وملابسه للقاهرة لكنه كان يشعر بغصة ومرارة لأن عايدة كانت كما أوضح نتاج لعمله وجزء من بنات أفكاره، وعرضت عايدة بالفعل فى 24 ديسمبر عام 1871 بدون فيردى الذى رفض دعوة الحضور وقادها بوتشيللى وحققت نجاحا باهرا ورضى عنها الخديوى تماما وكذلك فيردى الذى كتب ما يؤكد ذلك.
تعد عايدة من أشهر وأقرب الأوبرات الإيطالية للجمهور المصرى والعربى لأن قصة الأوبرا تدور أحداثها فى مصر الفرعونية حيث يقع قائدئالجيش المصرى «راداميس» فى غرام الأميرة الحبشية «عايدة» بعد أسرها ومحاولة الفرار منئفرعونئمصرئالذى اكتشف خطتهما وحكم على القائد راداميس بدفنه حياًئلاتهامه بالخيانة العظمى لتنتهى الأوبرا باستسلامه فى قبره الذى سبقته إليه عايدة، كما أنها كتبت خصيصا للاحتفال بانتهاء حفر قناة السويس عام ,1869 وقد أحدث عرض عايدة عام 1871 ضجة إعلامية هائلة فقد استضافت القاهرة النقاد ومراسلى الصحف الأوروبيين لمشاهدة عرض الافتتاح الذى طال انتظاره عدة أشهر نظرا لقيام الحرب الفرنسية الألمانية والحصار الذى فرض على باريس مما أدى إلى استحالة شحن الديكور والملابس التى كانت تصنع هناك إلا بعد عدة أشهر، وتميز العرض الأول بالقاهرة بالضخامة والثراء فقد أنفق الخديوى ببزخ على هذا العرض فإلى جانب صنع الملابس والمناظر فى باريس ارتدت «أمنيرس» تاجاً من الذهب الخالص، كما تسلح رادميس بسيف من الفضة الخالصة وقد نجح العرض الأول نجاحا هائلا وبعث الخديوى ببطاقة تهنئة لفيردى، أما العرض الأول الأوروبى فكان بعد ستة أشهر على مسرح «إسكالا» بإيطاليا فى فبراير 1872 وتعتبر «عايدة» خطوة مهمة فى التطور الدرامى لأنها تجسد أعمال المرحلة الأخيرة عند فيردى مثل «عطيل فالستاف»، فقد حاول فيردى أن يبتعد بعايدة عن تقاليد الأوبرا الإيطالية ذات النمر الغنائية لحساب الدراما وتمتلئ عايدة بالتنوع والتباين فى الموسيقى والجو النفسى ليس فقط بين المشاهد وبعضها مثل الفصل الأول ولكن داخل المشاهد نفسها كما هو الحال فى الفصل الثالث حيث تتحول الموسيقى بسرعة إلى اللحن الغنائى العذب الذى يصف جمال الحبشة إلى الأجزاء القاتمة التى يصف فيها «أموناصرو» ويلات الحرب على بلاده ويظل مارش النصر فى مشهد استعراض الجنود المصرية المنتصرة فى الفصل الثانى من أكثر أجزاء الأوبرا شهرة وشعبية.
 
والجدير بالذكر أن فيردى يعد أحد عمالقة الأوبرا الإيطالية فى القرن التاسع عشر وتحتل معظم أوبراته مكانة مهمة فى برامج دور الأوبرا فى جميع أنحاء العالم وقد ولد فيردى فى قرية صغيرة فى بارما لأسرة متواضعة الحال بحيث لم يتمكن والده من تعليمه وعندما ظهرت موهبته المبكرة تعهد أحد هواة الموسيقى ويدعى «باريسى» بتعليمه الموسيقى الذى بدأ مع عزف الأورغن فى الكاتدرائية وفى سن الثامنة عشرة سافر فيردى بمساعدة باريتسى للدراسة فى ميلانو، وفى عام 1839 عرضت أولى أوبراته «أوبرتو» والتى لاقت نجاحا ملحوظا وقد بدأت شهرة فيردى منذ أوبرا «نابكو» عام 1842 وفى هذه الفترة أتم فيردى ثلاث عشرة أوبرات أخرى، لم يتبق منها فى برامج دور الأوبرا الآن سوى أوبرا «إيرنانى» 1844 و«لويزا ميللر» 1849 وتبدأ الفترة الثانية فى حياة فيردى الموسيقية بالأوبرات الثلاث الواسعة الانتشار وهى «ريجوليتو» 1851 «الترافاتورى» 1853 و«لاترافياتا» ,1853 وبهذه الأوبرات أصبح فيردى هو الممثل الأول للموسيقى الإيطالية فى القرن التاسع عشر وجاءت ذروة هذه المرحلة مع أوبرا «عايدة» 1871 وبعد انقطاع دام أربعة عشر عاما عن كتابة الأوبرات، بدأ فيردى مرحلته الثالثة فى التأليف الأوبرالى حيث أبدع فى «عطيل» 1887«فالستاف»    1892 وبالرغم من أن فيردى كتب هذين العملين فى شيخوخته فإنهما يفيضان بالقوة والتجديد فى الأسلوب الموسيقى ويرى البعض أنه تأثر فى هذين العملين بأسلوب الدراما الموسيقية عن فاجنر، وموسيقى فيردى تقدس الصوت الإنسانى حيث تميز فيردى بدقة إحساسه بالصوت البشرى فكتب له ألحانا غنائية تعتبر أنماطا نموذجية للأصوات البشرية، والعام الماضى احتفلت دار الأوبرا بالذكرى المئوية الثانية لميلاد الموسيقار الإيطالى العالمى «جوزيبى فيردى» والتى تواكبت مع احتفال الأوبرا بيوبيلها الفضى وحضر هذا الاحتفال بالقاهرة حفيد «فيردى» «أنجلو كارارا فيردى» وافتتح وقتها معرض «من فيلا فيردى إلى القاهرة.. الرحلة التى لم تكتمل أبدا»، للفنان ساندرو فانينى وضم المعرض 36 صورة خاصة بمنزل فيردى وبعض ما يحويه من مقتنيات ثمينة علاوة على 14 لوحة تقدم نسخا لمستندات ووثائق لم يتم نشرها من قبل وهى الرسائل المتبادلة بين شخصيتن شهيرتين هما المؤلف الموسيقى ودرانس بك المندوب السامى للخديوى إسماعيل عن الشئون الثقافية المصرية والرسائل المتبادلة بين فيردى ودو لوكل- مؤلف النص الميلودرامى للعمل الأوبرالى والمتعهد الفرنسى ومساعد فيردى، وتم أيضا تقديم كتاب «تحيا فيلا فيردى لروبرتو موتاديلى» وساندرو فانينى مع استهلال لريكاردو موتى وكورادو مينجاردى، وقدم خلال الاحتفال عرض «أوبرا عايدة» إخراج الراحل عبدالمنعم كامل الذى سبق وأخرج «عايدة» خمس مرات على سفح الهرم إلى جانب عرض «عايدة» الذى قدمه فى افتتاح الأولمبياد ببكين عام 2008 ولاقت وقتها نجاحا جماهيريا غير مسبوق ويعاد عرض «عايدة» حتى اليوم على المسرح الكبير بدار الأوبرا.