الإثنين 1 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مرة أخرى ماذا حدث للمصريين؟!

مرة أخرى ماذا حدث للمصريين؟!

فى عام 1998 أصدر الدكتور جلال أمين أحد أهم مؤلفاته، والأكثر شهرة وتوزيعًا كتاب (ماذا حدث للمصريين) الذى يحلل فيه بطريقته السهلة العميقة ما حدث من تغيرات فى حياة المصريين، موضحًا فيه ما آل إليه المجتمع المصرى فى نهاية القرن العشرين من تغير، فى الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام، وفى العلاقات الاجتماعية، بما فى ذلك العلاقة بين الطبقات، وبين الناس والحكومة. راصدًا الأثر السلبى الذى نال من مجتمعنا، والذى نتج عنه ما يسمى بالفساد أو التسيب وعدم الانضباط، ومن ازدياد حوادث العنف، وظهور أنواع جديدة من الجرائم، وتفكك الأسرة، وانتشار قيم مادية تُعلى من قيمة الكسب السريع على حساب العمل المنتج، وشيوع ثقافة هابطة تهتم بالجنس وتستجيب للغرائز الدنيا، ومن شيوع اللاعقلانية فى التفكير الدينى، واتجاه الحركات الدينية إلى التمسك المفرط بطقوس وخزعبلات كانت بريئة منها فى العشرينيات والثلاثينيات، والآن وبعد مرور 27 سنة ما زال مجتمعنا يشهد العديد من مظاهر الانفلات الأخلاقى، التى سبق أن رصدها كاتبنا الراحل، لكن ليس بهذه الصورة الفجة، فسمعنا عن الأب الذى قتل أولاده والابن الذى يقتل والده أو والدته، والأخ الذى يفتك بشقيقه أو شقيقته، والأم التى تسمم أولادها وزوجها، والصبى الذى يقتل صديقه ثم يقطع جسده بمنشار كهربائى، ناهيك عن جرائم الخطف والتحرش والاغتصاب التى باتت ضيفًا ثقيلاً على حياتنا، وهى ذات الجرائم التى نتج عنها مؤخرًا اغتصاب وهتك عرض أطفال فى المدارس من قِبَل معلمين أو عاملين فى تلك المدارس تحت التهديد بالضرب أو بأسلحة بيضاء. حتى وصلنا إلى انحدار لغة الخطاب ورواج الألفاظ البذيئة وانحرافات السلوك والذوق العام وعدم احترام الأكبر سنًّا. ورغم علمى وعلم الجميع أن هذا التغير فى الأخلاق والسلوك الذى نتج عنه مثل هذه الجرائم والسلبيات، يعود إلى البيئة المجتمعية التى تحيط بنا، لسابق كونها تغيرت بدرجة كبيرة تفوق قدرتنا على التكيف معها. فمثلاً ضغوط الحياة الاقتصادية وارتفاع تكاليف الحياة، صنعت واقعًا مظلمًا، مما دفع الكثيرين إلى التنافس على فرص العمل والميل إلى الأنانية والعصبية الزائدة وردود الفعل الحادة إذا لزم الأمر، هربًا من شبح البطالة التى بدورها أفرزت لمجتمعنا أمراضًا وجرائم لم يكن معتادًا عليها، كما أن عدم توافر لقمة العيش جعل هناك حالة من الفراغ والهبوط الأخلاقى، رعت فيه مواقع التواصل الاجتماعى بكل حرية مخلفة من ورائها مرجعيات متناقضة فتحت بابًا للفوضى والتنمر والابتزاز، دون مراعاة لقيم أو أخلاق أو حتى لدين، خاصة بعد أن أصبحت تلك المواقع المصدر الرئيسى لتشكيل قيمنا. بعد أن تهاوى دور الأسرة والمدرسة فى رقابة وبناء أفراد المجتمع لأسباب كثيرة (تعبنا من الخوض فيها). يحدث هذا فى الوقت الذى غاب فيه دور مؤسساتنا الثقافية (قصور ثقافة ومكتبات عامة أو مراكز شباب) جميعها كانت تلعب دورًا كبيرًا فى بناء الوعى وتنمية قدراته، سواء لضعف التمويل أو لعجز فى الموارد البشرية، الذى يتزامن مع غياب خطط التطوير الفعالة، وزيادة العبء الاقتصادى على الدولة، ولذا يكاد يكون مجرد التفكير فى دخول دار سينما أو مسرح، من المستحيلات نظرًا لارتفاع أسعارها، مثلما أصبح ارتياد مكتبة إهدارًا للوقت (حال توافرها أصلًا). ومن هنا أصبح هاتف المواطن المحمول هو المصدر الذى أكاد أجزم بأن يتفوق بكثير على مؤسساتنا التقليدية الأخرى.



نصل إلى دور الدين الذى دائمًا وأبدًا يعد المرجع الرئيسى فى تشكيل أخلاقنا، لكنه وللأسف ابتلي بخطابات دينية متناقضة بين دعاة الفضائيات مما خلق حالة من الارتباك لدى البعض ممن يلتحفون بالتدين الشكلى لتحقيق أغراضهم الدنيوية أو السلطوية. وعلى الرغم من حضور الدين فى حياتنا يوميًا فإن دوره فى تأكيده على الأخلاق والسلوك، لم يعد بنفس القوة، إذ تتقدم عليه وسائل التواصل الاجتماعى بأكثر من خطوة، نتيجة للظرف الاقتصادى وضغوطه والذى بدوره أثَّر على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، بل بين أفراد الأسرة الواحدة. كما أن الخطاب الدينى لم يعد يتواكب مع التحولات السريعة لحياتنا اليومية، مما فرض أسئلة جديدة لم تتمكن مؤسساتنا الدينية من تقديم إجابات عصرية لها خاصة للشباب، الذى ما زال بعضها يدور فى فلك صحة العلاج ببول الإبل وتحريم الغناء وفتنة التماثيل، خصوصًا عبر الفضائيات.

وأخيرًا أود أن أؤكد أن التحولات الأخلاقية التى نشهدها فى مجتمعنا، ليست قدرًا محتومًا، بل هى نتيجة ظروف كما وضح فى السطور السابقة، يمكن إعادة توازنها واستعادتها مرة أخرى، شريطة البحث فى أسبابها ثم وضع الحلول العلمية لعلاجها لتتناسب مع الواقع الحالى، لأنها ليست نصوصًا ثابتة يتحتم الأخذ بها، وحين يتم ذلك سوف يعود لمجتمعنا أمانه وهدوؤه وسلامة الاجتماعى.