الإثنين 1 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
سليم العوا.. محاولة تدوير الإسلاميين بعد نفاد رصيدهم!

استدعاء آخر الناجين من مقبرة الإسلام السياسى..

سليم العوا.. محاولة تدوير الإسلاميين بعد نفاد رصيدهم!

فى  لحظات تاريخية نادرة، يحدث تقاطع بين السياسة وعلم النفس الاجتماعى، ويختلط الخوف بالواقع، ويصبح «الاستدعاء من القبور» ممارسة عامة، يلجأ إليها البعض حين يشعر أن المشهد يتم تفريغه من شخصياته، أو حين يهدد المجتمع وجود انقسام جديد.



 فى هذا النوع من اللحظات يظهر اسم مثل د. محمد سليم العوا، ليس بوصفه سياسيًا عاديًا، ولا باعتباره أحد رموز تيار الإسلام السياسى فى تعريفه التقليدى، بل باعتباره أحد وأهم وآخر الشخصيات التى لديها القدرة على الوقوف بين العالمين: عالم الدولة الحديثة، وعالم الإسلام السياسى، دون أن يحمل خصومة صريحة مع أى منهما.

 من الماضى القريب..

هذا الشكل.. أى استدعاء شخصية من الماضى القريب بعد اختفائها الطويل، ليس جديدًا على المجتمع المصرى. إنها ظاهرة استدعاء الرموز بعد خروجها من المسرح العام، ليس باعتبارهم فاعلين حقيقيين، بل كأدوات رمزية لملء فراغ ما، أو لتسكين مخاوف ما، أو لتهيئة انتقال ما.

 وعندما يستعاد اسم العوا بعد غياب بدأ فعليًا منذ 30 يونيو 2013، فإننا أمام استدعاء من هذا النوع بالضبط، وهو ما تعرضت له فى مقال «مصر أولًا.. تناقضات محمد سليم العوا مع الإسلاميين.. حكيم حين يحكمون ومعارضهم حين يسقطون ومع السلطة حين تستقر!» على صفحات مجلة روزاليوسف فى 22 نوفمبر 2025، وقد وصلتنى العديد من التعليقات 

والاعتراضات التى سأتناولها فى هذا المقال. 

 لماذا سليم العوا الآن؟

ببساطة.. لأن المشهد أصبح فارغًا بعد رحيل العديد ممن كان يمكنهم القيام بهذا الدور على غرار: يوسف القرضاوى وطارق البشرى، وبسبب غياب «الوسطاء الطبيعيين» بين الدولة وتيارات الإسلام السياسى على غرار: مكرم محمد أحمد، وبسبب الاحتياج إلى إعادة هندسة صورة الإسلام السياسى فى المجتمع المصرى.

رحيل أو اختفاء رموز المراجعات الفكرية الذين شكلوا العمود النفسى والفكرى لمرحلة ما بعد العنف، التى لعبت دورًا محوريًا فى إعادة ضبط وتصدير الخطاب الإسلامى داخل مصر.. ترك فراغًا كبيرًا.. ازداد عمقًا عقب ثورة 30 يونيو. وكانت تلك الشخصيات رغم جدلها، تمثل مظلة للتعامل مع الأفكار المتشددة.. بافتراض حمايتها للمجتمع من عودة السلفيات الجهادية بأقنعة مختلفة، ومع رحيلهم واختفائهم، انقطع هذا الجسر النفسى.

 العوا جذابًا..

مع وجود هذا الفراغ تحديدًا، يصبح اسم د.محمد سليم العوا جذابًا. رجل بلا خصومة مباشرة مع أحد، يتحدث لغة فقهية وقانونية قابلة للتأويل، له تاريخ من العلاقات المتشابكة والمتداخلة والمعقدة مع جماعة الإخوان الإرهابية بوجه عام، ومع كل تيارات الإسلام السياسى بوجه خاص.. دون أن يكون عضوًا تنظيميًا، وله صلات مع الدولة من دون أن يكون له وظيفة ثابتة.

إنه الشخص الذى يمكن وضعه فى المساحة الرمادية الوسطية دون أن يحتج أحد أو يعترض عليه.. خاصة شباب التيارات الإسلامية الذين يرون فيه القدوة والمثل.

 نموذج لإسلامى مروض

د. العوا ليس منتميًا تنظيميًا لأى حزب أو جماعة، ولكنه يتحرك دائمًا داخل محيط الإسلام السياسى، كصديق وفقيه ومستشار ومرجع.. حتى مع حزب الوسط.. أقرب الأحزاب إلى فكره ومواقفه.

 وهو موقف كان يحسب ضده فى مرحلة زمنية ما، ولكنه العكس تمامًا اليوم.

الدولة المصرية بعد لحظة إعادة تشكيل علاقتها بالمجتمع بعد ثورة 30 يونيو تحديدًا.. لم تعد تبحث عن صدام جديد مع الإسلاميين، بل تبحث عن ترسيخ دولة قوة القانون ونفاذ عدالته على جميع المواطنين المصريين دون استثناء، وهو ما يعنى أن الدولة لن تغلق أبواب المشاركة التى لا تتجاوز القانون سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فى وجه أحد من مواطنيها، ولكنها فى الوقت نفسه.. لن تتصالح مع أى جماعة أو تنظيم إرهابى.. شارك فى إراقة دماء المصريين، كما أنها لن تفتح أبواب الحوار مع تيارات الإسلام السياسى من جديد. 

ومن يحاول ترويج د. العوا.. يستهدف تقديمه بابتسامته الشهيرة، وصوته الهادئ، وخطابه القائم على الاجتهاد وليس الفتاوى.. ليصبح نموذجًا مثاليًا لهذا الدور الافتراضى.

 عودة محسوبة..

يتميز د. العوا بأنه ليس من قيادات المراجعات الفكرية السابقة الذين رحلوا أو اختفوا، كما أنه ليس رجل تنظيم كالقيادات الحالية، وهو ليس رجل دولة كلاسيكي. ولكنه الرجل الذى يمكن وضعه فى موقع «الوسيط الشرعى والدينى» لعودة محسوبة للإسلاميين إلى الهامش المجتمعى، وليس إلى قلب السياسة حاليًا على أقل تقدير.

أهمية د. سليم العوا فى هذا المشهد هى أن عودة الإسلاميين.. حتى ولو بصورة رمزية، لا يمكن أن تتم بوجوه كانت جزءًا من الصراع المباشر، بل وسببًا له، قيادات جماعة الإخوان الإرهابية.. الذين دخلوا السجون، ليسوا مؤهلين للعودة للمجتمع.

القيادات التى هربت للخارج أصبحت جزءًا من خطاب عدائى لا يمكن التراجع عنه.

والمراجعات الفكرية انتهت بوفاة أصحابها. وبناء عليه، يحتاج المشهد إلى شخصية توافقية دينيًا، بلا صدام، ولا دم، ولا تحريض، ولا تنظيم.

 الاجتهاد وليس التنظيم..

يرتدى د. العوا قبعة الاجتهاد، وليس عباءة التنظيم. ويتحدث لغة عقلانية قريبة من القانون، وليس لغة تأجيج المشاعر من المنابر، كما أن سمات شخصية د. العوا.. يمكنها أن تخاطب المجتمع لترسخ رسالة:

- ليس كل الإسلاميين أعداء.

- ليس كل من ارتبط بالتيارات الإسلامية متطرفًا.

- ليس من الضرورى تجديد الصراع والصدام والاستقطاب القديم.

- ليس تهديدًا للدولة.. أن يكون الدين جزءًا من المجال العام.

وهو خطاب توافقى لشباب تيارات الإسلام السياسى.. لا يتعارض مع ما يبطنونه من أفكار ومعتقدات، بل يتوافق مع عودتهم الناعمة للتغلغل بشكل يبدو افتراضيًا أنه لا يمثل تهديدًا لأحد.

 ليست هناك دلائل مباشرة على رغبة د. سليم العوا فى العودة إلى العمل السياسى، ولا على عودته المباشرة لملف المصالحة الوطنية. غير أن ظهور اسمه من جديد يعكس رغبة فى استخدامه كرمز مطمئن، يمنع استقطاب المجتمع إلى ثنائية الإسلاميين والدولة من جديد.

العودة، إذًا، ليست عودة شخص.. بل هى عودة وظيفة.

 استدعاء القبور..

وصفت هذه الظاهرة باعتبارها «استدعاء القبور» لأن المجتمع يستعيد شخصيات.. لم يكن ينتظر عودتها، ليس فقط لأنها مؤثرة، بل لأنها توحى بشعور الحكمة والأمان والاستقرار.

رجل غاب عن المجال العام عقدًا كاملًا.. بعد اختفائه منذ ثورة 30 يونيو، وخلو المشهد من أى ذكر له تقريبًا. ومع ذلك، حين عاد اسمه، عاد بلا مقاومة.

استحضار الماضى حين يعجز الحاضر عن إنتاج بديل.

 مرحلة انتقالية أم هندسة سياسية؟

قطعًا، لن تكون عودة د. العوا أو غيره.. سياسية صريحة، والمتوقع أن يتلخص دوره فى ثلاثة أدوار محتملة، هى: ترميم الجسر النفسى بين الإسلاميين والمجتمع.. من خلال خطاب عقلاني، هادئ، بلا تكفير ولا تحريض.. كتمهيد لعودتهم دون صدام. 

وتقديم غطاء فكري باعتبارهم كتلة سياسية قابلة لدمجهم اجتماعيًا، وتقديم تبرير شرعى لإعادة تعريف حضور الإسلاميين داخل المجتمع بعيدًا عن التنظيم.

المرجح أن د. العوا.. سيكون جسرًا لمرحلة انتقالية.. تحت مظلة عدم إقصاء أحد. وذلك لكونه لم يكن طرفًا فى نزاع قديم.

 مخاطر استدعاء القبور..

ليست كل عمليات «استدعاء القبور» ناجحة، بل قد تؤدى إلى نتائج عكسية خطيرة.. إذا لم تُدَر جيدًا. تتحدد المخاطر هنا فى:

1 - خلط الأوراق بين مصطلحات فضفاضة مثل: الإسلام الوسطى والإسلام السياسى.

2 -  استغلال العودة الرمزية لإحياء نفوذ فكرى ودينى قديم.

3 - إعادة إنتاج خطاب دفاعى عن تيارات الإسلام السياسى ضد مفهوم الدولة المدنية.

 نقطة ومن أول السطر..

عودة محمد سليم العوا بعد صمته كوسيط.. هو اختبار جديد من تيارات الإسلام السياسى، ومن يقف خلفها لإنقاذ تيارات الإسلام السياسى.. هى عودة من خارج النص التقليدى. إسلاميون فى متاهة عدم التنظيم.. ورحيل جيل القيادات.. جعل من الماضى الذى يعود العوا منه هو خط الدفاع الأول، ويبدو الأمر أنه فى ظل التحولات الدراماتيكية والجيوسياسية التى تشهدها المنطقة من جانب، وغياب الوسطاء وصمت المتشددين.. يتم استدعاء الإسلاميين المتسامحين من جانب آخر.