ابراهيم خليل
صفحاتها أقوى من الرصاص
الأكاديمية «الصحفية» لمكافحة الفساد
هذا الأسبوع ستحل الذكرى المئوية الأولى على الإصدار الأول لمجلة «روزااليوسف» التى تنفرد بأنها تحمل اسم امرأة على مستوى الصحافة العالمية، فتكرَّم بهذا الاسم كل نساء مصر. هذه المطبوعة صدرت فى بدايتها بطابع ثقافى وأدبى وفنى، ثم بعد ذلك تحولت إلى مطبوعة سياسية، ولكنها منذ بدايتها كانت صاحبة رسالة، لتشكل مشروعًا صحفيًا كبيرًا، يضىء حياة الناس، وينقلهم إلى مرتبة المعرفة والاطلاع والانتماء للوطن.
روزاليوسف التى امتد تاريخها الصحفى لقرن من الزمن، ومن تاريخ مصر، لها دورها الكبير فى مساندة وتقوية وتعضيد الحرية للشعب، ومقاومة الاحتلال البريطانى، كما أنها عايشت الانكسارات، وأشاعت الأمل لتخطيها.
فشهدت رحيل الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وانحازت لجانب الشعب، عند حدوث تطورات وتقلبات سياسية بعد وفاته، ودائمًا وعبر تاريخها تنبض بنور الحق، والشفافية، والمناصرة القومية، فلم تتخلَّ يومًا أو ساعة أو دقيقة عن الوقوف بجانب العرب؛ خصوصًا الفلسطينيين، بلا توقف.
الكلمة أقوى من الرصاص
ففى «روزاليوسف» الكلمة أقوى من طلقة الرصاص، ما إن تصدر، نجد وقعها فى كل مكان، بتفجيرها قضايا الفساد، بتعالى الهمة وتعزيز الانتماء الوطنى، وتفتح كل أبواب الأمل فى وقت الأزمات، وهى دائمًا فى حالة سخونة، كما وصفها القراء، بأنها أشبه برغيف الخبز الطازج الشهى، الخارج من فرن الأحداث، صوتًا للحقيقة، ومزجًا للرؤية والجرأة فى كشف الفساد.
بلطجية توظيف الأموال
تشرفتُ بأن يكون لى دورٌ منذ بدايتى الصحفية، فى مكافحة الفساد، بتفجير قضية توظيف الأموال، التى شكلت عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على الاقتصاد المصرى، وتلاعبًا بأموال المودعين المصريين فى مضاربات البورصات العالمية، وتعرضتُ للأذى الجسدى نتيجة دخولى لعش الدبابير لتكون الواقعة غلافًا لـ«روزاليوسف» بعنوان (بلطجية توظيف الأموال)، وكان فى ذلك الوقت الأستاذ والصحفى الكبير عبدالقادر شهيب يشغل منصب مدير تحرير روزاليوسف، والذى شغل فيما بعد، رئيس مجلس إدارة مؤسّسة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة المصور، وأصدر كتاب ( 50عامًا فى فرن الصحافة)، ومقدمة هذا الكتاب، كانت عن شخصى المتواضع.
قضية الحباك الكبرى
خلال مسيرتى الصحفية فى «روزاليوسف»، كانت لى مواجهة أخرى مع الفساد، بكشفى قضية القرن التى عرفت صحفيًا بـ (قضية الحباك)، وتم وصفى بـ(صائد الحباك)؛ حيث حصلت على مستندات تدين الحباك، وتم نشرها وتفجيرها على صفحات روزاليوسف، وكان لى السبق فى ذلك؛ حيث تم إرجاع 22 ميلون دولار للخزينة المصرية فى عهد وزارة الدكتور عاطف صدقى، الذى استخدم هذا المبلغ فى استيراد الذُّرَة، التى كانت الحكومة المصرية متعثرة فى استيراده، لعدم توافر السيولة الدولارية.
وكانت هذه القضية تمتلئ بالغرابة، وكم كبير من المفاجآت، حتى إنه عندما تم تفتيش منزل عبدالوهاب الحباك الذى يقع فى منطقة الزمالك (رئيس الشركة القابضة للصناعات الهندسية) لم يكن موجودًا فى منزله، وكان يلعب الكروكيه بنادى الجزيرة، وتم استدعاؤه، ليفاجأ بوجود رجال الرقابة الإدارية، أمام مكتبته المجهزة إلكترونيًا، وتعمل بالريموت كنترول، ليتم فتحها ليصعق الجميع بكم المراسلات من مختلف البنوك فى سويسرا وفرنسا، وما تحتويه من إيداعات مالية كبيرة من العملات الأجنبية.
ويتم التفاوض بين رجال الرقابة الإدارية برئاسة اللواء عصام عبدالهادى والحباك، حول المبالغ التى يمكن للحباك استرجاعها مقابل عدم القبض عليه، حتى تم الاتفاق على استرجاع 22 مليون دولار فقط، وتم اصطحابه إلى بنك القاهرة، ليتصل بالبنوك فى سويسرا عن طريق بصمة صوته، باللغة الألمانية والإنجليزية، ولكن البنوك تعجبت من طلبه فى استرجاع الأموال، وسألوه عن ما إذا كان تحت تهديد أو ضغوط، وكان رد الحباك إنه يريد المال لاستثماره فى مشاريع كبرى، وبالفعل تم استرجاع المبلغ بشيك باسم اللواء عصام عبدالهادى المسئول عن القضية.
وبعد فترة من الوقت، أجرى الأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة الأهرام حوارًا صحفيًا مع الدكتور عاطف صدقى، وعقَّب على هذا الحوار الأستاذ إبراهيم سعدة، بأن الحوار مهم جدًا، ولكن الأستاذ إبراهيم نسى أهم سؤال وهو: ما حقيقة ما يُنشَر فى روزاليوسف عن عبدالوهاب الحباك!؟
فى منتصف نفس اليوم أصدر الدكتور عاطف صدقى قرارًا بإحالة عبدالوهاب الحباك لجهاز الكسب غير المشروع، ليتم القبض على الحباك وتبدأ التحقيقات الموسعة، وإحقاقًا للحق، أن المستشار عمر مروان هو الذى تمكن من البناء القانونى لهذه القضية، ليكون لها كيانٌ قانونى متماسك؛ نظرًا لما يمتلكه من كفاءة قانونية عالية، تمكن من خلالها تقديم القضية للقضاء، متكاملة الأركان القانونية، بعد هذه القضية تدرّج المستشار عمر مروان فى مناصب عديدة منها، رئيس الشهر العقارى ثم وزيرًا لشئون مجلس النواب ثم وزيرًا للعدل، وحاليًا يشغل منصب مدير مكتب الرئيس السيسي؛ نظرًا لما يتمتع به من كفاءة قانونية كبيرة.
مافيا تهريب الآثار
وفى مواجهة أخرى لى مع الفساد على صفحات «روزاليوسف»، فجّرت قضية طارق السويسى أمين الحزب الوطنى بالهرم، وعضو لجنة السياسات، فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، بالمستندات التى نشرتها كشفت عن عملية تهريب أثر فرعونى كبير، سيتم تهريبه لخارج مصر، لدولة فرنسا تحديدًا، ويعود الفضل الأول والأخير للمرحوم اللواء بدوى حمودة الذى توفى فى رمضان الماضى.. فى عملية القبض على المهرب طارق السويسى، تم مراقبة تحرُّك الأثر بداخل سيارة نص نقل من وسط البلد حتى قصر طارق السويسى، الذى يقع على ترعة المريوطية، وفى وقت سابق، قام رجال الرقابة الإدارية باستئجار شقة بجوار قصره لتتم مراقبته، وعندما اقتربت النص نقل من باب القصر ليفتح بالريموت كنترول، تحت حراسة كلاب مفترسة، بخلاف رجال مسلحين يقفون أعلى سطح القصر، قام اللواء بدوى بالقفز على النص نقل التى تحمل الأثر، لتفتح الأبواب ويقف وراءها طارق السويسى، فيشهر اللواء بدوى سلاحه فى وجه السويسى، ويأمره بإبعاد الكلاب، وإلقاء بلطجيته لسلاحهم، ويعقب ذلك دخول رجال الرقابة الإدارية ويتم القبض على طارق السويسى.
وهناك العديد من قضايا الفساد شرفتُ بنشرها فى ظل وجود ورعاية الأستاذ والمعلم الكبير عادل حمودة الملقب بساحر الصحافة، الذى أتاح جوًا من الحرية والمنافسة الشريفة بين الجيل الذهبى لروزاليوسف، الذى تعلم منه أصول الصحافة، والإلمام بكل مقوماتها، وإتاحته الجو الصحى للعمل الصحفى، فتخرَّج من مدرسته جيلٌ من القادة الصحفيين والإعلاميين المرموقين حتى وقتنا هذا.
عمولات وزير التموين وزوجته
لعدم الإطالة، هناك العديد من قضايا الفساد التى فجّرتها ونشرتها على صفحات روزاليوسف، مثل قضايا ضياء المنيرى شقيق زوجة محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق، الذى كان يقوم بإرساء المناقصات والعطاءات بالأمر المباشر بالمخالفة للقانون.
وقضية وزير التموين الأسبق جلال أبوالدهب الذى كان يتقاضى عمولات على إبرامه صفقات القمح، حتى زوجته عندما كان أبو الدهب على فراش الموت طلبت من مجلس الوزراء فى ذلك الوقت نقله لسويسرا حتى يستطيع زوجها الحصول على الأموال ببصمة صوته قبل وفاته.
قِرَب الدم الفاسد
وقبل أن أتشرف برئاسة صَرح «روزاليوسف» العملاق، فجّرت قضية فساد ونشرتها فى «روزاليوسف»، وهى قضية تعرف باسم (قِرَب الدم الفاسدة) التى اتهم فيها عضو مجلس الشعب عن دائرة الظاهر والأزبكية هانى سرور، الذى جمع معلومات عن هذه القضية وقدمها للقضاء، هو اللواء طارق مرزوق، محافظ الدقهلية الحالى. ومن الرائع فى كل تلك القضايا، أنه عندما يتأكد القراء من صدق ما أنشره فى محاربة الفساد، أجد رد فعل من بعض القراء بإمدادى بالمستندات والمعلومات، وهذا ما حدث فى الكثير من القضايا التى فجّرتها.
وأيضًا هذا المجهود توّج بإهدائى (وسام مكافحة الفساد) من جهاز الرقابة الإدارية، فى حين لم أكرَّم من جهات أخرى، كان يجب عليها تقديرى وإبرازًا للقيمة وخدمة الوطن، حين كدت أُغتال من قِبَل جماعة الإخوان الإرهابية؛ لمواقفى ضدهم وكشف مخططاتهم، حتى إن مرشدهم محمد بديع قدّم ضدى بلاغًا للنيابة وتم استدعائى والتحقيق معى لمدة 8 ساعات.
من توفيق الله لى أن بدايتى الصحفية كانت فى «روزاليوسف»، وتوّجت أعمالى بها رئيسًا لتحرير الجريدة والمجلة، حافظتُ على ثوابتها فى مكافحة الفساد، ومناصرة الفقراء، والدفاع عن قضاياهم، ورفع نِسَب التوزيع، والتأثير الإيجابى فى المجتمع، رغم المؤامرات والإصدارات التى كانت تهدف القضاء على «روزاليوسف».
.. ولكنها باقية ومستمرة.











