الخميس 14 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

د. سعاد صالح ترد.. والمؤسسات الدينية تحسم الجدل

«فتوى» برائحة الحشيش

وسط حالة من الجدل على منصات السوشيال ميديا، يقابلها حالة رفض وصخب داخل أروقة الأزهر بسبب فتوى نسبت للدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، تبيح تعاطى الحشيش كونه لم يرد فيه نص بالتحريم، تظهر مفاجأة بتصريحات تختص بها د. سعاد مجلة روزاليوسف، دون أى وسيلة إعلامية أخرى.



أكدت الدكتورة سعاد صالح أن فتواها تم تحريفها، مع محاولة النيل من شخصها، وإظهارها على أنها تطلق فتاوى شاذة، ومخالفة لما تعارف عليه من الأحكام المحرمة لكل ما هو مسكر.

وفى أول تعليق نفت الدكتورة سعاد صالح، الأستاذ المتفرغ بجامعة الأزهر، ما تردد حول إباحتها لتعاطى الحشيش، مؤكدة أن ما صدر عنها تم تحريفه واقتطاعه من سياقه العلمى والفقهى.

وعن ملابسات الفتوى أوضحت أن إحدى القنوات أصرت على عمل حوار على الرغم من مرضى وعلاجى فى المستشفى، وتم عمل الحوار فى أول مايو.. وكان حوارًا مطولًا ومليئًا بالعديد من القضايا، وتعجبت من سؤال عن حكم تعاطى الحشيش، لأنه لم يكن له علاقة بقضايا الأسرة وعلاقتى بزوجى، وكانت تلك القضايا أساس الحوار. 

وأضافت: «لم أنتبه لفخ السؤال إلا بعد نشر الحوار واتصال القناة بى لتخبرنى أن الحوار أصبح تريند على السوشيال، وفوجئت بأنه تم التركيز على سؤال الحشيش وحكمه، رغم أننى قلت فى نفس الحوار أننى كنت أخلع الحذاء لزوجى، ومع هذا فإجابتى لم تكن فيها إباحة لتعاطى الحشيش، وكانت إجابتى أن الحشيش لم يرد فيه نص صريح بالتحريم كالخمر، لكنه يقاس عليها فى الحرمة، لما يسببه من تغييب للعقل وضرر على النفس والمجتمع.

وقالت د. سعاد: «لم أجز الحشيش قط، بل أوضحت أن العلماء ألحقوه بالخمر فى الحكم بناء على القياس، وما حدث هو اجتزاء مقصود من حديث علمى فُسِّر على غير وجهه».

وأكدت أن ما ذكرته يتسق مع القواعد الفقهية المعتبرة، مشددة على ضرورة الرجوع للنص الكامل للحوار، محذّرة من خطورة ترويج الفتاوى المجتزأة لما تسببه من بلبلة للرأى العام.

 وشددت على أنه من الواضح أنه تم بتر نص كلامى من الحوار ونشره على أنى أقول أنه لا يوجد نص بتحريم الحشيش فقط، دون الإشارة لحديثى عن حرمته قياسًا على الخمر، لافتة إلى أنها لم توجه اللوم للقناة، لأن نص الحوار نشر كما هو، ولكن هناك تعمد لبتر النص لإحداث بلبلة وتشويه صورتى، وتصويرى على أنى أطلق فتوى شاذة. 

وأكدت د. سعاد قائلة : «لم أقصد أن يصير موضوع حكم الحشيش بهذه الصورة التى جاءت فى الإعلام، وهذه ليست المرة الأولى التى يحدث فيها تشويه لآرائى، والمقصود من هذا التشويه الإساء لشخصى، وأن أتوقف عن الأحاديث الإعلامية.

 واستطردت: «حدث من قبل تحويلى للتحقيق حيث تم أخذ حديث لى عن تجديد الخطاب الدينى، وتكرار الأمر سيجعلنى أتوقف عن الظهور إعلاميًا، رغم أنى أعتبر أن الدعوة هى قول حسن لله تعالى، وكونى أستاذة قديمة فى جامعة الأزهر منذ 40 سنة ومتعمقة فى المذاهب الفقهية، وتخرج على يدى المئات من حاملات الماجستير والدكتوراه وظهرت إعلاميًا منذ 1990.

وعن الفتاوى الشاذة والمطالبات التى تكون مخالفة للثوابت، أوضحت أن هناك من طالبوا بتغيير نصوص قطعية الدلالة والثبوت، وطالبت بالتحقيق فى هذا الأمر، فأنا ضد الفتاوى والدعوات الشاذة على طول الخط.

 إحالة إلى التحقيق

فى المقابل، أعلنت جامعة الأزهر إحالة الدكتورة سعاد صالح إلى التحقيق الإدارى، بسبب ظهورها الإعلامى دون تصريح رسمى، وهو ما اعتبرته مخالفة صريحة لقرار مجلس الجامعة رقم (1224) لسنة 2018، الذى يحظر على أعضاء هيئة التدريس التصدى للفتوى إعلاميًا دون إذن.

وأكدت الجامعة فى بيانها أن القرار جاء «ضبطًا للخطاب الدينى وضمانًا لعدم نسب آراء شخصية إلى الأزهر الشريف»، مشددة على أنها لن تتهاون فى تطبيق لوائحها الداخلية بما يحفظ هيبة المؤسسة ومرجعيتها الدينية.

من جهتها، أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانًا رسميًّا أكدت فيه أن الحشيش محرَّم شرعًا تحريمًا قاطعًا، كونه يندرج تحت بند المخدرات والمفترات التى تُذهب العقل وتُضر بالنفس.

وجاء فى البيان: « إن الشرع الشريف حرَّم كل ما يُذهب العقل ويضر البدن، سواء أكان خمرًا أو مخدرًا أو مفترًا»، واستشهدت الدار بحديث النبى صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر ومفتر حرام».

كما شددت الدار على أن تناول الفتوى من غير مصادرها المعتمدة يُعدّ تضليلًا وخطرًا على المجتمع، ويجب على الجمهور الرجوع للجهات المؤسسية فى هذا الشأن.

فى السياق ذاته، أكد الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، أن القول بحلّ الحشيش خطأ فادح ومرفوض جملة وتفصيلًا، لما فيه من تضليل للناس، خاصة إن صدر عن شخصية أكاديمية لها مكانتها العلمية.

وقال الوزير إن الحشيش «محرم كحرمة الخمر سواء بسواء»، مستشهدًا بما قرره علماء الإسلام الكبار فى كتبهم، مثل «زهر العريش فى تحريم الحشيش» وواضح البرهان على تحريم الخمر والحشيش.

وقال وزير الأوقاف: «لن أطيل بذكر تفاصيل الحكم الشرعى فى حُرمته، وإنما أكتفى بالإشارة إلى ما سطّره علماء الإسلام الراسخون، ومنهم الإمام بدر الدين الزركشى فى كتابه زهر العريش فى تحريم الحشيش، وهو كتاب مطبوع مشهور ومتداول، وكذلك العلامة السيد عبد الله بن الصدِّيق فى كتابه واضح البرهان على تحريم الخمر والحشيش فى القرآن، وقد طُبع مرات عديدة».

وشدّد الوزير على أن الاستسهال فى تعاطى الحشيش أو الترويج لتحليله هو جريمة شرعية وأخلاقية ومجتمعية، وأن الإثم يتضاعف إذا كان المتعاطى ممن يقود مركبة أو وسيلة نقل عام، لما فى ذلك من تعريض لحياته وحياة الناس للخطر، مضيفًا: «فإنه حينئذ لا يرتكب محرّمًا فقط، بل يعرّض أرواحًا بريئة للفناء، وإثم ذلك عند الله عظيم».

واختتم وزير الأوقاف بالتنبيه إلى ضرورة تحصين الوعى العام، والرجوع إلى أهل العلم الثقات فى فهم الأحكام، وتحمّل المسئولية الوطنية والشرعية فى التصدى لكل ما من شأنه أن يُضلّل الناس أو يُشجع على الانحراف.

 البحوث الإسلامية 

ودخل مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف على خط التوضيح لفتوى الحشيش، وقال إن لجانه العلمية تابعت ردود الأفعال حول ما أعلنته بعض وسائل الإعلام على لسان الدكتورة سعاد صالح من أن الحشيش ليس كالخمر، وأن تناوله جائز شرعًا، وقد استعرضت اللجان تفاصيل هذا التصريح.

وأضاف أنه تم إصدار بيان يوضح أن الحشيش من المواد المخدرة المفترة التى ثبت طبيًا أنها تُسكِر وتُفتر العقل، ومن ثم قامت الفتوى على تحريمه. 

وقد نصَّ العلماء على أن كل مفتر حرام، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر ومفتر حرام». 

والمفتر هو المخدر الذى يورث الفتور والخدر فى أعضاء الجسم، والحشيش مفتر للعقل ومُغيِّب للإدراك، ومثله مثل المخدرات بجميع أنواعها، لذلك أجمع الفقهاء على تحريمه وتجريم تحليله، وإشاعة ذلك يضر بالشباب ويستقطب عقولهم وطاقاتهم إلى الركود وتعطيل الوعى السليم. 

وأضاف المجمع فى بيانه أن القانون يجرّم تعاطى الحشيش وبيعه، مؤكدًا على ضرورة التثبت من الفتاوى وأخذها من مصادرها الرسمية المعتمدة.

كما أوضح مجمع البحوث الإسلامية أن الدكتورة سعاد صالح لا تنتسب إلى لجان الفتوى بالأزهر الشريف، وأن ما صدر عنها لا يعبر عن رأى الأزهر، ولا يمت بصلة إلى فتاوى المؤسسة القائمة على التأصيل الفقهى المنضبط.

الجدل حول فتوى إباحة الحشيش المنسوبة للدكتورة سعاد صالح يعيد التذكير بأهمية التحقق من مضامين الفتاوى المنشورة إعلاميًّا، وتؤكد ضرورة التزام الشخصيات العامة والأكاديمية بمرجعية المؤسسات الدينية فى القضايا الحساسة، وعلى رأسها تلك التى تمس سلامة الوعى المجتمعى وصحة الأجيال.

وبينما تستكمل جامعة الأزهر تحقيقاتها، تبقى الرسالة الأوضح من دار الإفتاء والأوقاف والبحوث الإسلامية أن الحشيش حرام، والتلاعب بالأحكام مرفوض، وأمانة الكلمة لا تقل خطرًا عن أمانة الفتوى.