
أحمد إمبابى
عهد لن ينكسر
من القاهرة.. إحباط فتنة «الحكومة الموازية» فى السودان
2
لا نستطيع أن نُقَيّد زيارة رئيس مجلس الوزراء الانتقالى فى السودان، الدكتور كامل الطيب إدريس، إلى القاهرة، عند حدود نتائج محادثاته الرسمية «رفيعة المستوى»، ولقاءاته الأخرى، فهى زيارة تتجاوز رسائلها وأهدافها ونتائجها، أطر تعزيز التعاون الثنائى؛ لتؤكد على أنها «تدشين لعهد جديد من العلاقات المشتركة لن ينكسر»، حسب وصف رئيس الوزراء السودانى.
هنا أريد أن أتوقف أمام المعانى الأهم، لهذه الزيارة، لاسيما ما يتعلق بسياقها المكانى والزمانى، وغايتها فى توقيت يتعافى فيه السودان، من حرب مريرة ممتدة منذ نحو 28 شهرًا، إلى جانب ضروريتها، فى تأكيد «شرعية» هذه الحكومة، فى مواجهة تحركات «موازية»، لا تستهدف سوى «تفتيت السودان».
وهنا يمكن النظر لهذه الزيارة، بَعَدّها، تدشينًا لاستراتيجية تستهدف منع فتنة تفتيت السودان، تحت ستار «حكومة موازية»، وذلك من واقع الأبعاد التالية:
أولاً: تُعَد زيارة «الطيب إدريس» للقاهرة، بمثابة التدشين الخارجى، الأول لحكومة «الأمل» السودانية، ذلك أنها أول زيارة خارجية لرئيس الوزراء السودانى، منذ تعيينه من قِبَل مجلس السيادة السودانى فى شهر مايو الماضى، ومعنى اختيار القاهرة لتكون وجْهَته الأولى؛ لم يكن مصادفة أو من فراغ؛ وإنما جاء لأكثر عواصم العالم، دعمًا للشرعية والمؤسَّسات الوطنية فى السودان.
ومواقف القاهرة، الداعمة للسودان واستقراره، أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلاله استقباله رئيس الوزراء السودانى، وهى مواقف ثابتة ولم تتغير، فمنذ اندلاع الحرب بين الجيش السودانى، وميليشيا «الدعم السريع»، فى منتصف أبريل 2023، كان الموقف المصري واضحًا، من حيث دعم المؤسَّسات الوطنية فى السودان، وعلى رأسها الجيش السودانى، والتصَدّى لأى محاولات التدخل فى الشأن السودانى، وأى مساعٍ تستهدف وحدة وسيادة السودان.
ثانيًا: على صعيد الزمان، تأتى الزيارة بعد إعلان (ميليشيا الدعم السريع) موخرًا عن «حكومة موازية» فى نيالا بدارفور غربًا، لم يعترف بها أحد، ورفضتها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى، وبالتالى تأتى حفاوة الاستقبال للطيب إدريس بالقاهرة؛ لتؤكد على شرعية حكومته، بَعّدّها الحكومة المدنية التي تمثل السودان دوليًا، فى مواجهة كل تحركات التفتيت والتقسيم.
والواقع؛ أنه لم يَعد خفيًا على أحد أن الحرب فى السودان تتجاوز مسألة الصراع على السلطة والثروة، فممارسات وجرائم «ميليشيا الدعم السريع» المدعومة من أطراف دولية وإقليمية، تعكس نوايا أخرى، تتعلق بتفتيت أجزاء من السودان، ولذلك السياق الصحيح لهذه الزيارة؛ أنها تشكل رسالة إقليمية ودولية، واضحة بأن «وحدة السودان ومؤسَّساته الشرعية» خط أحمر بالنسبة للقاهرة.
ومساندة مصر للشرعية فى السودان، لا تقف عند حدود إعلان الموقف والتعاون فقط؛ وإنما تمتد لما هو أبعد من ذلك، بحشد الجهود الدولية، للمؤسّسات الشرعية فى السودان، عبر اتصالات دبلوماسية مع أطراف مختلفة، ولعل أحدث هذه الجهود، تأكيدات وزير الخارجية بدر عبدالعاطى، خلال زيارته الأربعاء لأثينا، بضرورة «دعم المؤسّسات الوطنية بالسودان».
ثالثًا: على صعيد النتائج؛ شهدت الزيارة، أول تعاون حكومى موسع لشطرى وادى النيل، منذ بداية الحرب، ذلك أن مباحثات رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، مع نظيره السودانى، تناولت سُبُل تطوير التعاون والتكامل فى مجالات عديدة بين البلدين؛ خصوصًا فيما يتعلق بتفعيل اللجان العليا المشتركة، وتسهيل الاستثمارات المشتركة والتبادل التجاري، والتعاون فى مجال تسجيل الدواء المصري بالسودان، لكن المحادثات تناولت اثنين من الملفات ذات الأولوية للبلدين.
الملف الأول، ما يتعلق بالدور المصري، فى ملف إعادة الإعمار فى السودان؛ حيث جرى التوافق على إعداد وتأهيل الكوادر السودانية لمرحلة إعادة الإعمار، من خلال برامج تدريبية متخصّصة بالتعاون مع الجهات المصرية.
أمّا الملف الثانى؛ فكان ما يتعلق بتنسيق المواقف بين القاهرة والخرطوم فى ملف الأمن المائى؛ خصوصًا ما يتعلق برفض التصرفات الأحادية من الجانب الإثيوبى بخصوص قضية سد النهضة، وضرورة تفعيل آلية التشاور بمبادرة حوض النيل؛ لتسوية الخلافات وتعزيز التعاون الإقليمى بين دول الحوض.
لا شك أن زيارة رئيس الوزراء السودانى للقاهرة، تشكل محطة نوعية فى علاقات مصر والسودان الفترة المقبلة، وهو ما أكده الطيب إدريس، فى المؤتمر الصحفى مع الدكتور مدبولى، أن «الرؤية المشتركة التي تم الاتفاق عليها، ستكون رؤية كلية لمصلحة البلدين والأجيال القادمة».
