الإثنين 29 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
السلام الإبراهيمى والمأساة الفلسطينية!‏

السلام الإبراهيمى والمأساة الفلسطينية!‏

مصادفة صنعت حوارًا عفويًا عن السلام الإبراهيمى ومستقبل القضية الفلسطينية، كنت ‏مدعوًا إلى لقاء مع أصدقاء تعرفت عليهم حديثا، فى صالة خاصة لتنس الطاولة، التى عدت ‏إلى لعبها بعد انقطاع طويل، أنهينا اللعب والمعايرة بالمكسب والخسارة، وذهبنا إلى كافيه ‏قريب، وما كدنا نجلس حتى فوجئت بسؤال من أحدهم: سمعت عن السلام الإبراهيمى كثيرا ‏فى الأسابيع الأخيرة، ماذا يعنى؟ 



 

هؤلاء الأصدقاء موظفون ومهنيون، واهتمامهم بالسياسة عابر ومرتبط بعبارات أو أخبار ‏سمعوها فى نشرات الأخبار أو برامج التوك شو وهم يتنقلون بين قنوات التليفزيون، فلقمة ‏العيش المراوغة ومشكلات العيال هى مركز الكون بالنسبة لهم، خاصة مع الارتفاع الجنونى ‏فى أسعار كل السلع!‏

قلت: هو نوع من السلام اخترعه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى ولايته الأولى، تحت ‏لافتة براقة أن التعاون والتعايش والتسامح وأحترام كرامة الإنسان وتعزيز السلام تفتح آفاقًا ‏جديدة لمستقبل الشرق الأوسط، وإذا حدث اتفاقات بين إسرائيل والدول العربية التى لا ‏تعترف بإسرائيل، فستكون خطوة فاصلة فى إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى، وتؤسس ‏رؤية جماعية للرفاهية الاقتصادية.‏

قال: والإبراهيمي؟

قلت: نسبة إلى نبى الله إبراهيم الذى تنتسب إليه الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية ‏والإسلام، لتكون هذه الشراكة قائمة على أساس دينى أمام الشعوب، والمدهش أن الصراع فى ‏أصله ليس دينيا، هو صراع استعمارى استيطانى مباشرعلى الأرض الفلسطينية، وأطماع ‏إسرائيلية معلنة فى أراضٍ بدول الجوار!‏

وقد تكون هذه أول مرة فى التاريخ توصف اتفاقات بأنها «سلام»، مع أنها ليست بين دول فى ‏حالة حرب، وقد وقعت فى سبتمبر2020، بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، أى قبل نهاية ‏ولاية ترامب الأولى بأشهر قليلة، ثم انضم إليها السودان والمغرب بعد قدوم جوبايدن إلى ‏البيت الأبيض.‏

سأل: وهل هى مرتبطة بالقضية الفلسطينية؟، وهل يمكن أن تدخل فيها الدولة الفلسطينية بعد ‏اعتراف العالم بها؟ قلت: هذا سؤال شائك يشبه قنبلة نووية، أو على الأقل هو منطقة رمال متحركة باتساع ‏المنطقة، وإجابته من قبيل «الغيبيات»، فاسم فلسطين وقضيتها لم يرد فى نص الاتفاقات ‏المنشورة على صفحة وزارة الخارجية الأمريكية لا تصريحًا ولا تلميحًا، النص كله عبارات ‏عامة لا يمكن الإمساك فيها بالتزام محدد من أى نوع!، وأخرجت تليفونى المحمول وفتحت ‏جوجل على صفحة الاتفاقات، وقرأت بنودها بصوتٍ عال: أهمية الحفاظ على السلام فى ‏منطقة الشرق الأوسط وسائر العالم استنادا إلى الفهم المتبادل والتعايش السلمى، الدعوة إلى ‏تعزيز الجهود الرامية إلى ترسيخ الحوار بين الأديان والثقافات لترسيخ السلام بين الديانات ‏الإبراهيمية، الإيمان بأن السبيل الأمثل لمواجهة التحديات يتمثل فى التعاون والحوار، السعى ‏إلى ترسيخ قيم التسامح والاحترام لكل فرد لبناء عالم يتمتع فيه الجميع بالحياة الكريمة، دعم ‏العلم والفنون والطب والتجارة بوصفها أدوات لإلهام البشرية، السعى إلى القضاء على ‏التطرف والنزاعات من أجل توفير مستقبل أكثر إشراقا لأطفال العالم، مواصلة العمل من ‏أجل رؤية شاملة للسلام والأمن والازدهار فى الشرق الأوسط والعالم بأسره.‏

يبدو «نصا كونيا» لا يخص منطقة الشرق الأوسط والصراع الدائر فيها، وقد وصفه الخبراء ‏بأنها «تفاهمات سياسية» لها طابع استراتيجى، ولا أعرف أسباب هذا الوصف، فالبنود لا تدل ‏عليه، فالتفاهمات السياسية لها مصطلحات تمس قضايا محددة، بينما العبارات المستخدمة فى ‏الاتفاقات فضفاضة أقرب إلى فلسفة عمل لمؤسسات دولية!‏

‏ لكن العرب الإبراهيميين قالوا إنهم انطلقوا إلى هذه الاتفاقات، كى يسهموا بقدر المستطاع ‏فى إنقاذ ما تبقى من حل الدولتين وتعزيز الاستقرار الإقليمى، وأنها ستكون عنصرا ضاغطا ‏على إسرائيل، لمنعها من ضم نحو 30 % من أراضى الضفة الغربية المحتلة وبناء ‏مستوطنات جديدة عليها.‏

لكن إسرائيل لم تتخل يومًا عن نهب الأراضى الفلسطينية، بل إنها أصلا لم تصن عبر ‏تاريخها كله أى اتفاقات وقعتها مع العرب، إلا معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لأسباب ‏خارج إرادتها ورغبتها!‏

سأل: يعنى الاتفاقات الإبراهيمية جاءت على غرار معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل؟

قلت: هناك فرق..مصر كانت فى حالة حرب نشطة مع إسرائيل لأكثر من 30 سنة، عطلت ‏مشروعات التنمية فيها، واستنزفت قدًرا كبيرا من مواردها وطاقتها.‏

سأل: إذن ترامب يريد أن يستكمل هذه الاتفاقات، بما أنه صاحب فكرتها، وقد سمعت أيضا أنه ‏يسعى إلى جائزة نوبل للسلام؟

قلت: لا توجد أدلة على ملكية ترامب لفكرتها، لكن هو الذى نفذها وحولها إلى واقع فى ‏المنطقة، أو بمعنى أدق نقل بها العلاقات التحتية إلى علاقات علنية، ويقال إن صاحب الفكرة ‏هو جاريد كوشنر، صهر ترامب، ومستشاره فى الولاية الأولى، وكوشنر يهودى أرثوذكسى، ‏من هؤلاء الذين يتبعون التقاليد والشريعة اليهودية (الهالاخاه) بصرامة، وبالطبع هو ‏صهيونى.‏

وكوشنر هو الذى أسس بعد توقيع الاتفاقات بشهور «معهد الاتفاقات الإبراهيمية للسلام» فى ‏واشنطن، بالمشاركة مع حاييم صبان رجل أعمال أمريكى إسرائيلى، وهو يهودى مصرى من ‏مواليد الإسكندرية هاجر إلى إسرائيل بعد العدوان الثلاثى على مصر، وهو أول معهد فى ‏العالم لرعاية اتفاقات دولية، وهدفه تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية خاصة ‏بين شباب الدول العربية الإبراهيمية وشباب إسرائيل، وتقول أوراق المعهد إن الاتفاقات قد ‏تخلق ما يقرب من 4 ملايين فرصة عمل، وتحفز نشاطا اقتصاديا بقيمة تريليون دولار خلال ‏العقد المقبل! «مع استبعاد السودان لأسباب كثيرة، يقل إجمالى عدد مواطنى الدول ‏الإبراهيمية الخليجية وعدد العاطلين بالمغرب عن ثلاثة ملايين فرد»!!‏

عدت إلى «جوجل» فوجدت أن فلور ناهوم نائبة رئيس بلدية القدس وواحدة من مؤسسى ‏مركز الأعمال الإماراتى الإسرائيلى تقول فى حوار صحفي: منذ اللحظة التى أعلن فيها عن ‏السلام سارع الناس إلى التعرف على بعضهم البعض، وبدأنا فى إنشاء منتديات على تطبيق ‏واتساب وعقد لقاءات عبر زووم، وحدث تعاون فى قطاع المصارف وكرة القدم والأمن ‏الإلكترونى والتقنيات الغذائية.‏

كما وقعت أول اتفاقية تجارية رسمية بين شركة فلوانس، وهى الذراع الإسرائيلية لشرطة ‏أنظمة المياه ورجال أعمال فى دبى، وقد وصف البعض الشراكة بأنها «ارتباط عقد فى ‏الجنة»، ثم قفز ما يقرب من 500 شركة إسرائيلية إلى الجنة، أقصد دخلوا فى صفقات ‏مماثلة.‏

ومع مراجعة الأرقام التجارية الإسرائيلية نجد أن ثمة تراجعا فى الصادرات والواردات مع ‏دول العالم فى الشهور التسعة الأولى من عام 2023 أى قبل عملية طوفـــــان الاقصـــــى بنسبــة ‏‏16 %، مقابل زيادة فى المعاملات التجارية مع الدول الإبراهيميـــة بنسبــة 24 %، لم تخسر ‏منها إسرائيل سوى 4 % فقط فى العام التالى 2024.، بالرغم من جرائم الإبادة التى ترتكبها ‏فى غزة.‏

سأل: ماذا عن المستقبل؟

قلت: الرئيس ترامب يركز على السعودية، والسعودية تشترط أولا حل الدولتين وقيام دولة ‏فلسطينية مستقلة، ولم تتنازل عن شرطها، لكن ترامب يتصور أن علاقاته القوية فى المنطقة ‏قادرة على دفع الاتفاقات إلى الأمام، دون تنفيذ هذا الشرط شبه المستحيل الآن، إذ رهنت ‏أمريكا موقفها من الدولة الفلسطينية، بقبول إسرائيل لوجودها، وإسرائيل المتطرفة أعلنت ‏أنها لن تسمح بدولة فلسطينية، وأمريكا أيضا لن تتوقف عن مسار السلام الإبراهيمى، الذى ‏يمهد طريق إسرائيل إلى حكم الشرق الأوسط اقتصاديا وعسكريا، فتديره نيابة عنها، وتتفرغ ‏هى لصراعها مع الصين وروسيا، ووأد أى محاولات منهما للصعود إلى مرتبة القوة ‏العظمى، فتظل هى منفردة بقيادة العالم!