الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الوجه الآخر للديمقراطية الأمريكية الردح السياسى بين المليونير والرئيس!‏

الوجه الآخر للديمقراطية الأمريكية الردح السياسى بين المليونير والرئيس!‏

بالطبع سوف تتجاوز الولايات المتحدة الاضطرابات المشتعلة فى لوس أنجلوس؛ بسبب ‏اعتقالات واسعة للمهاجرين غير الشرعيين، التى امتدت بشكل ما إلى ولاية تكساس، ‏ودفعت حاكم نيويورك أن يخرج على أهلها قائلاً إن المدينة تملك أكفأ جهاز شرطة فى العالم ‏قادر على مجابهة أى محاولات للخروج على القانون!‏



‏ سبق أن اندلعت مثل هذه الاضطرابات عشرات المرات فى العديد من المدن الأمريكية بأشكال ‏مختلفة ولأسباب مختلفة، وإن لم يحدث أبدًا أن تصاعد الخلاف بين رئيس أمريكى وحاكم ‏ولاية إلى حد تهديد الرئيس دونالد ترامب باعتقال «جافن نيوسوم» حاكم ولاية كاليفورنيا، لأن «نيوسوم» أعلن رفضه لقرار ترامب بتدخُّل الجيش والحرس الوطنى فى فض المظاهرات ‏وفرض النظام بالقوة المسلحة داخل الولاية، معتبرًا هذا التدخل بمثابة تحريض على العنف ‏وتصعيد للمواجهات.. وقال إن تهديد ترامب بالاعتقال هو «خطوة على طريق الاستبداد»!‏

لكن لن تستطيع الولايات المتحدة أن تتجاوز صراع «الردح السياسى» الذى نشب بين ترامب ‏والملياردير الشهير «إيلون ماسك»، صراع غريب أزال «الغطاء الثقيل» عن «نفايات» ‏متراكمة فى بنية النظام السياسى، ستظل أجهزة الرصد والتحليل فى المجتمع الأمريكى تقلب ‏فيه لفترة طويلة؛ لتفهم التغيرات التى أوصلت العلاقة بين المال والسلطة والديمقراطية إلى ‏حد الردح العلنى، وإن ما يقال ويُحكى ويتغنى به النظام الأمريكى له أوجُه دميمة على أرض ‏الواقع غير الأوجُه الفاتنة المُعَلقة على الجدران، وتنسف نظرية «نهاية التاريخ» لفيلسوف ‏المحافظين الجُدُد «فرانسيس فوكوياما»، بأن الديمقراطية الليبرالية على النمط الأمريكى هى ‏الصيغة النهائية للحكومة البشرية.. فهذا الصراع أثبت أن هذه الديمقراطية مليئة بالثقوب ‏والمثالب، وفى حاجة إلى عملية إصلاح جادة! ‏

وبالمناسبة؛ هذا الصراع ليس الأول من نوعه فى تاريخ أمريكا الحديث، قد حدث من قبل على ‏شكل خلافات فتتت تحالفات بين رؤساء أمريكيين ورجال أعمال، مثل الذى وقع فى أوائل ‏القرن العشرين بين الرئيس السادس والعشرين ثيودور روزفلت وأباطرة المال الذين قاوموا ‏إصلاحاته الاقتصادية، إذ كان ثيودور ضد الصناديق الائتمانية الضخمة والاحتكارات الكبيرة ‏التى سيطرت على الصناعات مثل النفط والسكك الحديدية والصلب، وعمل على إعادة ‏تنظيمها وتفكيك بعضها، ودعا إلى تحقيق العدالة للمستهلكين والعمال والشركات، لكن ‏الأباطرة رأوا فى أفكاره تهديدًا لنفوذهم وأرباحهم، وضغطوا لمنع التدخل الحكومى فى ‏أعمالهم، لكن روزفلت نجح إلى حد كبير بتأييد شعبى جارف؛ وبخاصة بعد أن ساند عمال ‏الفحم فى إضرابهم الكبير سنة 1902، حتى حققوا جزءًا كبيرًا من مطالبهم.‏

وهو نفس الصراع الذى تكرّر مع فرانكلين روزفلت وبعض كبار رجال الصناعة خلال فترة ‏الكساد الكبير فى الثلاثينيات.‏

لكن لم يحدث أن تبادل أى رئيس أمريكى «العبارات العنيفة والمهينة» مع رجل أعمال، إلاّ ‏فى حالة ترامب وماسك، التى وصلت إلى حد «فرش الملاية» والتهديد بنسف المَصالح ‏الاقتصادية!‏

لن نتوقف كثيرًا عند تفاصيل «الردح الخاص»، فهو شخصى، وناجم عن علاقات إنسانية ‏ممزقة تغذيها العاطفة والانفعالات النفسية، لكن ما يعنينا هو «الردح العام»، الذى يفسر طبيعة ‏العلاقة بين رجل أعمال كان مستشارًا للرئيس، واخترع له ترامب وظيفة جديدة؛ لرفع كفاءة ‏الأداء فى المؤسّسات الفيدرالية؛ لتقليص العجز فى الميزانية العامة، ورئيس دولة هى الأكثر ‏نفوذًا فى العالم كله، وتأثيرًا فى صناعة الحرب والسلام، والأزمات والحلول، والقلاقل ‏والاستقرار.‏

والجديد فى هذا الردح أنه علنى على صفحات التواصل الاجتماعى، أى أن إيلون ماسك ‏جرجر الرئيس الأمريكى إلى الاشتباك فى «الساحة» التى لا يبرع إنسان على كوكب الأرض ‏فى استخدامها كما يفعل ماسك، فهو صاحب «شبكات تواصل» وله يوميًا ما بين مئة ومئة ‏وخمسين تعليقًا وتغريدة ولغزًا واقتراحًا وصورة وحكاية..إلخ، صحيح أن الرئيس ترامب من ‏كبار «النشطاء» على الشبكات، ويمكن أن نصفه بأنه أول رئيس يمارس مهامه على السوشيال ‏ميديا كتابة، قبل أن يوقِّع أى قرار أو يأخذ موقفًا، لكن مع ماسك هو ذهبَ بقدميه إلى بيت ‏الساحر صاحب اللعبة!‏

لن نهتم بدعم ماسك لمنشور على منصة إكس، يطالب بعزل الرئيس ترامب من منصبه؛ ‏عقابًا له على الرسوم الجمركية التى فرضها على السلع القادمة من دول العالم، وأن هذه ‏الرسوم قد تدفع الاقتصاد الأمريكى إلى الركود فى النصف الثانى من هذا العام، فكثير من ‏الاقتصاديين والسياسيين فعلوها قبله، ووقت أن كانت علاقته بترامب سَمنًا على عَسَل، لكن ‏تغريدته المثيرة حقًا هى التى قال فيها: ترامب موجود فى ملفات إبستين، وهذا هو السبب فى ‏عدم نشر الملفات.‏

وإبستين هو رجل الأعمال الأمريكى جيفرى إبستين المتهم بارتكاب جرائم جنسية واستغلال ‏جنسى لفتيات أعمار بعضهن لم تتجاوز الرابعة عشرة ، وقبض عليه فى يوليو 2019، وانتحر ‏فى السجن قبل محاكمته، أى أن سلطة الرئيس هى التى منعت نشر تفاصيل الملف المخجل ‏على الرأى العام، والسؤال: هل لأنه «طرَف» فى القضية على نحو ما؟، هل كان زبونًا عند ‏إبستين وله علاقات مع فتياته؟، هل هو شاهد أو لديه معلومات معينة حصل عليها ‏بالمصادفة؟ هل هو وفَّر حماية للمتهم حين كان رئيسًا للولايات المتحدة ( 2016-2020)، ‏فلم ينفضح أمره وينكشف ستره وقتها؟

فى المقابل هدّد ترامب ماسك بنسف تعاملاته التجارية الضخمة مع الحكومة الفيدرالية، وكتب ‏على وسائل التواصل الاجتماعى: «أسهل طريقة لتوفير المال فى ميزانيتنا، مليارات ومليارات ‏الدولارات هى إنهاء الإعانات والعقود الحكومية لإيلون»!‏

وبمجرد أن قال ذلك انخفض سعر السهم فى شركة تسلا التى يملكها ماسك بنسبة 14 % ‏تعادل 150 مليار دولار من قيمتها السوقية، ويتوقع أن تنخفض أرباحها فى الأشهُر الستة ‏المقبلة بما لا يقل عن 20 %!‏

لكن السؤال الذى لا بُدّ أن يقتحم عقل أى إنسان: كيف لسياسى فى الإدارة الأمريكية أن يكون ‏على علاقة تجارية مع مؤسّسات هذه الإدارة بالمليارات؟، أليست وظيفته الرسمية التى دامت ‏‏130 يومًا فقط تمثل تضاربًا فى المَصالح مع عقوده الحكومية؟، أليس فيها استغلال نفوذ؟، ‏أى نوع من الديمقراطية يمارسها الرئيس ترامب؟

ثم إذا حدث خلافٌ سواء كان شخصيًا أو عامًّا، فأول ما يفعله الرئيس أن يهدد رجل الأعمال ‏بإيقاف تعاقداته مع الحكومة، يعنى فساد فى التعاقد وفساد فى إلغاء التعاقد!‏

والحكاية  لها أصل يعود إلى أيام الانتخابات، إذ أنفق إيلون ماسك من جيبه 290 مليون ‏دولار؛ ليضمن إعادة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وفوز الجمهوريين فى مجلسىّ ‏النواب والشيوخ، وكان طبيعيًا أن ينسب لنفسه منصب الرئيس وكتب على منصته الخاصة ‏‏«إكس»: بدونى كان ترامب سيخسر الانتخابات، وكان الديمقراطيون سيسيطرون على مجلس ‏النواب، يا له من جحود، هل حان الوقت لإنشاء حزب سياسى جديد فى أمريكا يمثل غالبية ‏الأمريكيين؟

والسؤال: ماذا يعنى هذا الصراع؟

‏1 - لجوء الشخصيات البارزة إلى وسائل التواصل الاجتماعى باعتبارها ساحة المعارك على ‏النفوذ والسمعة والسيطرة.‏

‏2 - توترات سياسية وانقسامات مجتمعية أوسع اتضحت فى تعليقات العامة على الطرفين.‏

‏3 - تآكل الأعراف السياسية وإضعاف المؤسّسات التقليدية، فالطرفان فى صراعهما أهملا ‏عمدًا المؤسّسات السياسية وتفاعلا مباشرة مع الجمهور.‏

‏4- التأثير سلبًا على الثقة والاستقرار داخل النظام السياسى.‏

باختصار؛ الصراع بين الملياردير الذى يصفه الإعلام بالخبيث والرئيس المرتبك يتجاوز ‏أشخاصهما إلى النظام السياسى المأزوم!‏