الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أين ذهبت ثقافة العيب؟!

أين ذهبت ثقافة العيب؟!

بالفعل أين ذهبت تلك الثقافة، التى كانت منارة لتعليم أصول التربية السليمة والأخلاق والاحترام؟، بعد أن فقدناها وحل بدلا منها الصوت العالى وعدم احترام الكبير والسخرية والشتائم وحق الجار والمجتمع على أبنائه، وفقدت الأسرة دورها التربوى، لانشغال الأب والأم فى البحث عن لقمة العيش، لتتوارى عن قصد وتعمد تلك الثقافة، ونتج عن ذلك مفاهيم زائفة لا تهتم سوى بالحرية المطلقة، مدمرة فى طريقها كافة منظومة القيم الصحيحة، التى سبق أن أرست حجر الأساس فى التواصل الطبيعى بين الآباء والأبناء والمجتمع اليوم. لتنتقل كلمة العيب أو ثقافته إلى رحمة الله، رغم كونها كانت رائدة فى زمن الآباء والأجداد (الذى أتمنى عودته)، مصدرة خلفها أجيالاً أضحت على حافة الهاوية، لا تبحث سوى عن تحقيق أهدافها ومصلحتها، حتى لو كانت غير بريئة، وتضر أكثر مما تنفع، أجيالاً لا تعرف الفرق بين الحلال والحرام أو الطيب أو الخبيث.



لهذا تعدد مفهوم العيب وأدى غيابه إلى اتساع مداه ونطاقه، مما عاد بالضرر على المجتمع، ومن قبله على الأسرة التى أضحت أكثر تفككا، ونال من ضررها الكبير قبل الصغير، ثم لحقت بالعم والعمة والخال والخالة، وبالطبع لم يسلم منها الجار والجارة، رغم أن نفس هذه الكلمة أو المفهوم، سبق أن ساهمت فى صناعة علاقات سوية بين كافة الأمثلة السابقة، لأنهم تقبلوها بحب، وتعلموا من خلالها أنها ما قيلت إلا لتعديل السلوك، لكونها كانت تعد مدرسة قائمة بذاتها ورائدة فى زمن الآباء ومن قبلهم الأجداد.

أما اليوم فبالكاد نسمعها، وحتى إذا سمعناها نستغرب، لأننا فى الأصل لا نريد سماعها، أو لا يفهم معظمنا معناها، خاصة بعد أن تبدل الحال وكاد يصل إلى أن البعض يتباهى بمخالفتها دون خوف أو وجل، ولذا ظهر بيننا من لا يكف عن بيع سلعة ولا يبين عيوبها قبل بيعها، ومن لا يحترم جاره إذا كانت عنده حالة وفاة، عندما يقوم برفع صوت التليفزيون أو الراديو، لن أتحدث هنا عن الواجب الذى كان يحتم عدم تشغيل تلك الأجهزة أصلا كما كان يحدث فى السابق، أو من يسخر من حكم وأقوال كبار السن (لأنها من وجهة نظره قديمة)، ولا يكلف نفسه بترك مقعده لهم فى وسائل المواصلات احتراما لشيخوختهم، أو لمن يتحدث بصوت مرتفع فى الأماكن العامة دون احترام لخصوصية الآخرين، أو لمن لا يراعى الدور فى الطوابير العامة، أو يدخل البيوت دون استئذان  ناقلا أسرار ما يدور فيها، أو لمن يسمح لابنته بارتداء ملابس غير لائقة، فما بالك بالرجال الذين يرتدون ملابس تظهر أكثر مما تخفى، حتى وصل الحال إلى ارتداء بعضهم لبدل الرقص.. هناك أمثلة أخرى تندرج تحت مفهوم العيب لكنها تطورت عبر الزمن، نتيجة التحولات الثقافية والاجتماعية التى مرت بمجتمعنا، والتى أثرت بدورها على الأجيال الجديدة فأضحت أكثر مرونة فى تقبُّل ما كان مرفوضا من قبل، عكس الأجيال السابقة التى كانت أكثر صرامة فى تمسكها بتفسير كلمة العيب وتطبيقه على نمط حياتها وحياة أبنائها.

ومع كل هذه التفسيرات والمفاهيم يظل العيب فى حد ذاته وصمة وعار، ينال ممن يرتكبه لأنه فى النهاية سلوك مُخالف للآداب العامة والقيم المستقيمة، رغم أن نفس هذه المفاهيم قد تختلف باختلاف الأممِ والشعوب طبقا لثقافتها ودينها ومبادئها، إلا أنه فى نهاية الأمر نؤكد أن ما يصلح في مجتمعات أخرى، ليس بالضرورة يصلح لمجتمعنا.